الثروة المائية في تونس, يمنّ بها المسؤولون وهي نعمة من الله !!!

الثروة المائية في تونس, يمنّ بها المسؤولون وهي نعمة من الله !!!

الحلول العقيمة هي ديدن الحكومات الفاشلة فهي تمعن في الهرب إلى الأمام بإثقال كاهل الناس بالزيادات الجنونية في الحاجات الأساسية من أجل ترقيع منظومة مهترئة، فالسياسية التي تنتهجها الحكومة في تونس منتهية الصلاحيّة أصلا، يتحمل وزرها الناس من قوتهم وقوت أبنائهم, فلو نزلت إلى الشارع لوجدت رأيا كاسحا ينبئك أن أقصى أحلام الناس هو القدرة على خلاص فواتير استهلاك الكهرباء والماء.

وفي المقابل يتنصل المسؤولون من المساءلة والمسؤولية, فالحكومة الحالية ترمي بثقلها على حكومة يوسف الشاهد وحكومة يوسف الشاهد تتملص وتزعم أن هذه المشاكل هي إرث ثقيل من حكومة الترويكا والترويكا بدورها تبرر عجزها بأنها تسلمت تركة الحقبة النوفمبرية الاستبدادية, وكان بن علي يرمي التهمة إلى العهد البورقيبي المقيت الذي لم يع معنى التغيير. وبورقيبة كان يمنّ على النّاس زاعما أنه خلّصهم من بين براثن الاستعمار.

أهل البلد هم المتهم الوحيد ولا يحق للمتهم طبعا إلا أن يطأطئ الرّأس ويدفع ثمن خطيئته, ولا يحقّ له محاسبة الحكام ولا الأعوان ولا النظام.

إن عزم الحكومة الترفيع من سعر الماء يؤكد ظلمها للناس وبخاصة محدودي الإمكانيات الذين لا يقدرون على سداد فواتير الماء في وضعهم الحالي, فما بالك بالزيادة المقدرة في القريب العاجل. ولكن لا همّ للوزير إلا شركة الماء وإنقاذها من الخسارة.

إنّه “قانون الغاب والبقاء للأقوى”. نابع أساسا من زاوية النظر الرأسمالية المناقضة للإسلام، التي تعتقد وتصرح على لسان سياسييها أن الإنسان الضعيف والعاجز عن جمع المال لا يحق له العيش؟ نعم, فمن عقائدهم الفاسدة أنّه “من لا يملك المال لا يملك الماء”. هذا ما أسّس له مفكّروا الرأسماليّة كالاسكتلندي آدم سميث والبريطانيين جون كينيز وتوماس مالتوس والأمريكي ميلتون فريدمان وغيرهم.

كيف يقنع النظام الناس بصحة معالجاته الفاسدة

لأجل إقناع الناس بأن النظام بريء وحلوله ناجحة يتم استدراج الرأي العام إلى القبول بالحلول الرأسمالية المنبثقة عن أوامر صندوق النقد الدولي ومن ورائه أباطرة النظام الرأسمالي.

بدأ الوزير حجّته بأنّ سعر الماء في تونس من أرخص الأسعار في العالم، وهو يرى تبعا لذلك أنّه يجوز للدّولة الترفيع في سعره حتّى يبلغ السعر العالميّ. وهي “حجّة” واهية يكرّرها المسؤولون لجعل الناس تستغني عن حقّها في الماء طواعية ولا تحتج ولاتحاسب النظام والقائمين عليه, وهذا الاحتجاج يأتي ضمن خطوات ممنهجة، فالخطوة الأولى هي الإهمال حتّى ساءت جودة المياه الصالحة للشرب مما أدّى بالناس إلى التعويل على مصادر أخرى وهو ما حصل فعلا, ففي تونس مثلا يقتني الناس الماء الصالح للشراب أي المياه المعدنية وغيرها بأموالهم الخاصة. أمّا الخطوة الثانية فخطاب بائس يروّج للترفيع في تسعيرة الماء بهدف إذكاء الروح التضامنية حتى يصل الماء إلى المناطق الداخلية الفقيرة. ويستمر الأمر على هذا المنوال سنوات ضوئية من أجل سراب تحسين الجودة ولا تتحسّن الجودة والذّريعة أنّ شركة توزيع واستغلال المياه ما عادت قادرة بمعدّاتها القديمة، فيبدأ الحديث عن خوصصة المياه، حتى إذا ما تمّ خوصصة القطاع العمومي للمياه وهو الهدف النهائي من العملية برمتها، يكون الناس (في ظنّ حكّام السوء) قد اعتادوا غلاء الأسعار وصار الأمرواقعا سيتكيفون معه. والرابح الأكبر بالتأكيد في عملية التمويه السياسي هذه هو المستعمر الذي حقق هدفه بخصخصة الملكية العامّة وهو الصراط الذي حدده صندوق النقد الدولي، كما ينتفع أذنابه من الحكام النواطير بدرجة أقل حيث لم يعد احد من الناس يحاسبهم على عدم رعايتهم لشؤونهم فيما يتعلق بالماء وتوفيره مع ضمان الجلوس على الكرسي ولو لبعض الوقت.

معالجات التشريع الوضعي هي التي راكمت الأزمة

يزعم البعض أنّ مشكلة المياه في تونس تعود إلى غياب نص قانوني منظم لقطاع المياه ويقصد بذلك تحديدا القانون عدد16 لسنة 1975 المتعلق بإصدار مجلة المياه والذي أصبح في نظرهم لا يواكب تطورات الوضع العالمي. والحق أن أساس المشكل هو التشريع الوضعي المحليّ والعالمي. أفبعد كل هذه السنوات من التقهقر بسبب نصّ بشري لا يستند في مشروعيته إلى عقيدة المسلمين وما يفرضه من حقوق لعباده ندعوا مرّة أخرى إلى قانون وضعيّ جديد؟ وماذا عن الآثار الكارثية التي تسبب فيها ذلك القانون حتى أصابنا الفقر المائي؟ ومن أين لكم أنّ التشريعات الوضعيّة الجديدة ستضمن العدل للنّاس؟؟؟

إنها حلقة جهنّميّة مفرغة. وبين هذا وذاك يسير الناس عطشى وتُحنى ظهور المئات والآلاف من النساء بأواني الماء الذي يجلبونه من الأنهار والأودية في أرياف تونس, ولا خلاص لهم إلا بتشريع دائمي لا يتغير بالزمان ولا بالمكان ولا يتأثر بالأشخاص أيضا فهو تشريع غايته إشباع حاجيات الإنسان من هذه الثروة المائية.

البنية التحتية… الفساد الفساد

شبكة المياه في دولة الحداثة والديمقراطية لا تستطيع تصريف أمطار “الخمس دقائق” فلا سدود تحويها (بسبب قلّة الصيانة) ولا قنوات تعزلها عن الاختلاط بمياه الصرف الصحي، شبكة تحتية مهترئة نتيجة الإستهتار والفساد المالي, فالصفقات العمومية تكون بحسب الولاء للنظام, أضف إليها استفحال ظاهرة الغش والرشوة، وخلف من بعدهم حكام نسجوا على نفس المنوال حتّى استفحلت الأزمة، وصارت مجالا للمزايدات السياسية والغنائم الحزبية. “مشروع بنية تحتية بكرسي في البرلمان أو مقعد في الحكومة”.

المعالجات الصحيحة:

إن المعالجات الصحيحة، والأحكام العادلة لا توجد إلا في تشريع ربّانيّ من عند الله وما دونه ظلم كبير.

الماء في الإسلام قضيّة حيويّة واستراتيجيّة:

يقول الله سبحانه وتعالى: “وجعلنا من الماء كلّ شيء حيّ” فالماء ضروريّ لكلّ كائن حيّ ضروريّ للفرد وللجماعة، ولذلك جعله الإسلام من مرافق الجماعة وأدرجه ضمن الملكيّة العامّة[1] لتمكين جميع الأفراد من الانتفاع به، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ” النّاس شركاء في ثلاثة: الماء والكلأ والنّار” وقال صلّى الله عليه وسلّم: ” لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ”.        
ولذلك فإنّ توفير الماء هو من مهامّ الدّولة وأولويّاتها، وليس الماء سلعة تفوّض بها شركة (ولو كانت شركة مملوكة للدّولة) لتتربّح منه، فالأصل أن تكون شركة المياه إدارة من إدارات الدّولة (لا شركة لموظّفيها امتيازات ولها محاسبات سنويّة وأرباح…) مهمّتها الأساسيّة أن يصل الماء لكلّ المحتاجين إليه بدءا بالأفراد والفلاحين والصناعيين، وأن تصونه من التلوّث والعبث والفوضى والاحتكارات. وتمنع بيع الماء أو إهداره (كما هو الحال في النّزل السياحيّة) حتّى يحصّل كلّ النّاس كفايتهم وحتّى يسقي الفلّاحون زرعهم وحتّى يكتفي الصناعيّون.. فإذا بقي من فضل فيُباح لمن عنده فضل أن يبيعه. أمّا حديث الوزير عن سعر الماء وأنّه الأرخص في العالم فحديث فيه من الأذى الكثير، فهذا الوزير يمنّ على النّاس منّا وكأنّه هو الذي يُوفّر الماء للنّاس،

أيّها الوزير الماء نعمة من ربّ العالمين ورحمة، تسعى أنت وحكومتك أن تجعلها محنة وسوط عذاب، فأطلقتم أيدي شركات المياه المعدنيّة حتّى استولت على ثروات النّاس ولم تحرّكوا ساكنا، وأهملتم السدود حتى تضاءلت قدرتها التخزينيّة، وقصّرتم في مسؤوليّاتكم فلم توفّروا للنّاس حتّى الماء الذي هو صنو الأكسيجين، ثمّ لا تستطيعون إلا الزيادة في الأسعار لترهقوا النّاس وتجعلوا حياتهم شقاء.

عن عائشة -رضى الله عنها- قالت: سمعت رسول الله ﷺ يقول في بيتي هذا: اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به[1]، رواه مسلم. اللهمّ آمين

محمد السحباني

[1]الملكيّة العامّة ليست هي القطاع العموميّ، فالمفهومان متناقضان فوجب التنويه

CATEGORIES
TAGS
Share This