العناصر المؤثرة في قوة الدولة
يظن الكثير من الناس أن قوة الدولة تكمن في القوى المادية سواء منها العسكرية أو الاقتصادية، أما العناصر الأخرى كالمبدأ والأعمال السياسية والدبلوماسية فهي دونها أهمية. وخطورة هذا التصور تكمن في أن المسلمين الذين يملكون أغلب عناصر القوة وأهمها، يعتقدون أنهم في ذيل الأمم لأن دولهم فاقدة للقوى المادية ولا يلتفتون البتة إلى أهم العناصر، وهو المبدأ، وربما دفعهم هذا إلى اليأس، وفي أحسن الأحوال إلى القعود عن العمل لوضع مبدئهم، الاسلام، موضع التطبيق والتنفيذ، باعتباره أهم أنواع القوة، التي تجعل من الدولة التي تطبقه مؤثرة في المسرح الدولي، تحشد كل قواها لحماية مصالحها وبلوغ أهدافها.
وقوة الدولة لا تنحصر في القوة العسكرية، بل تتعداها إلى مكونات أخرى نذكرها بالترتيب حسب أهميتها:
-
المبدأ والقيم الرفيعة
المبدأ أو الايدلوجية، هو الذي ينحت شخصية الامة ويحدد رسالتها إلى الأمم الأخرى، بما يحوي من مشروع حضاري شامل يتناول جميع مناحي الحياة، ويحدد مصالح الأمة وتطلعاتها العالمية، فالمبدأ يوجِد حافزا قويا عند الأمة التي تعتنقه، ويهيئها للقيام بالمهام العظام، وكلما كان إيمان الأمة بالمبدأ قويا، كلما زاد استعدادها للتضحية بالنفس والنفيس من أجل تحقيق غايته.
فالإسلام مبدأ عالمي، لذلك كانت الدولة التي أقامها الرسول صلى الله عليه وسلم ذات تطلعات عالمية بالرغم من صغر حجمها، فوحد الجزيرة ومهد الطريق لأصحابه لإسقاط أعظم إمبراطوريتين في ذلك الزمان، بالرغم من أن ميزان القوى المادية كان لصالح الفرس والروم، ولكن قوة الإيمان بمبدأ الاسلام باعتباره مشروعا حضاريا منقذا للبشرية جعل من قوة المسلمين قوة هائلة حطمت كل الحدود وتجاوزت كل العقبات لتصبح دولة الخلفاء: الدولة الاولى في العالم.
ودون المبدأ قوة وشمولا القيم الرفيعة التي ترفعها الدولة، كالحرية والاستقلال الذي نادت بها أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية واستطاعت أن تجذب إليها بعض الشعوب التائقة للتحرر.
-
العامل الاقتصادي والتكنلوجي
القوة الاقتصادية تشكل العامل الثاني في قوة الدولة، التي سرعان ما تتحول إلى قوة عسكرية، وقد أدت القفزات التكنولوجية إلى هوة كبيرة في ميزان القوى المادية بين الدول المتقدمة والمتأخرة، فالتفوق التكنولوجي يعني تفوقا في الأسلحة الردعية والأسلحة المدمرة, ومن يملك القوة الاقتصادية والتكنولوجية يتفوق على غيره من الدول. وقد كان لهذا العامل الأثر الكبير على صعود أمريكا إلى القمة.
-
القوة البشرية
يعتبر عدد السكان ونسبة الشباب فيهم من العوامل المؤثرة إذا تساوت الدول في العوامل الاخرى، لذلك تعمد الدول الكبرى إلى تشجيع شعوبها على الانجاب وإغرائها بالمحفزات المادية، كما تعمد في الوقت نفسه على دفع دول العالم الثالث خاصة المسلمين إلى تحديد النسل بدعوى معالجة الفقر، مع أن الفقر يعالج باسترجاع الثروات المنهوبة وبزيادة الانتاج الصناعي والفلاحي وحسن توزيع الثرة.
-
القوة العسكرية
وهي تشمل جميع ما يمكن حشده من قوى بشرية ومادية لخوض الحروب وترتكز على العامل البشري والاقتصادي والتكنولوجي.
والقوة العسكرية هي وسيلة لتحقيق المصالح والدفاع عنها، ولا تستخدم عادة إلا إذا تعرضت المصالح الحيوية للدولة للخطر، عندها ينذر الخصم من عدم الاقتراب من نقطة اللاعودة، وتستخدم في تحذيرها الاساليب الدبلوماسية والاقتصادية والمناورات والتهديد باستخدام القوة، فإذا فشلت هذه الوسائل في ثني الخصم عن تجاوز الخطوط الحمر، يقع تحريك القوة العسكرية.
وتعتبر الاسلحة الفتاكة كالسلاح النووي، رادعا أمام تقاتل الدول الكبرى فيما بينها. لتبقى الأسلحة التقليدية كالصواريخ الموجهة والطائرات والدبابات وغيرها مادة الحرب الفعلية.
-
العامل الجغرافي
ويشمل اتساع البلد وموقعه الجغرافي ومناخه.. فقوة العرب القتالية قبل الاسلام صنعها المناخ الصحراوي القاسي، وقد ساهمت ثلوج روسيا في هزيمة هتلر ونابليون. ومكن موقع أمريكا المحاطة بالمحيطات من كل جانب من غزوها فور تحررها من الدول الاوروبية. وقد ضعف هذا العامل أمام الاسلحة المتطورة وأصبحت الحدود الآمنة من الماضي.
-
الدبلوماسة
وتشمل الاعمال السياسية التي تقوم بها الدول من خلال وزارة الخارجية أو البعثات الدبلوماسية، وتقوم هذه الاجهزة بتنفيذ السياسة الخارجية وإدارة العلاقات السياسية، بالإضافة الى تقديم المعلومات والمشورة لصانعي القرار لتساعدهم في رسم السياسة الخارجية.
وعمل الدبلوماسية الرئيسي هو إدارة المفاوضات، وهي بمثابة المساومات التجارية، لذلك لا تكون إلا في المصالح الثانوية، لأن المصالح الحيوية ليست موضع مساومة، بل إن الدول مستعدة لخوض الحروب من أجلها. وهو عمل يحتاج للصبر وطول النفس، لان كلا الطرفين يريد أكثر مما يكون الطرف الاخر مستعدا للتنازل عنه. ولدعم الدبلوماسية تلوح الدول الكبرى باستخدام القوة العسكرية على قاعدة -ارفع العصا الغليظة وتكلم بصوت خافت-
والحنكة الدبلوماسية تشكل أحد مصادر قوة الدولة لأنها اداة للحصول على المغانم ودرء المفاسد، وتستطيع من خلالها الدولة تجميع الاصدقاء وتفريق الخصوم وايجاد الظروف المواتية لتحقيق الاهداف.
خلاصة القول
من كل ما تقدم يتبين أن الامة الاسلامية تمتلك كل عناصر القوة التي تجعل منها امة عزيزة منيعة قادرة على الاضطلاع بالمهام العظام، فهي تحمل المبدأ العالمي الصحيح، الصادر عن الوحي، والامة الاسلامية تؤمن به وبرسالته ولا ينقصه إلا أن يوضع موضع التطبيق والتنفيذ في ظل خلافة راشدة ثانية على منهاج النبوة. كما إن الثروات الهائلة التي يملكها المسلمون مع إمكانية تحصيل المعرفة التكنولوجية التي لا تحتاج إلا لقرار سياسي يفجر الطاقات ويوفر الامكانات، كل هذا سيجعل من الامة الاسلامية متمثلة بدولتها، دولة الخلافة، قوة اقتصادية هائلة في بضع سنين، كما أن العدد البشري للمسلمين الذي يفوق المليار ونصف المليار معظمهم من الشباب، يعدون طاقة بشرية كبيرة يمكن توظيفها في الانتاج الصناعي والزراعي وفي القتال، أما القوة العسكرية فإن القوة العسكرية الحالية تكفي على الاقل للدفاع عن بلادنا، فعدد جيش المسلمين الذين يأخذون مخصصاتهم الشهرية بلغ 6 مليون تحت السلاح، أما جيش الاحتياط فيبلغ أكثر من أربع مليون، ليكون المجموع 10 ملايين وهو أكبر جيش في العالم، هذا بالإضافة لعشرات الملايين من الشباب الذين يمكن تجنيدهم في أي لحظة، أما الموقع الجغرافي: فإن البلاد الاسلامية تشرف على أهم مضائق العالم وهي تحت قبضة المسلمين, وبلادهم واسعة وتلاصق معظم قارات العالم الاربع ما يمكنها من المناورة والتوسع في كل الاتجاهات، بالإضافة الى تنوع مناخهم، ما يجعل لهم أسبقية في المبادرة.
أما الدبلوماسية فقد تفوق فيها المسلمون منذ زمن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وستكون دبلوماسية نشطة كخلية النحل لعزل الاعداء وجعل الجو السياسي العالمي مع القيم الرفيعة التي يدعو لها الاسلام ومع دولة الخلافة. وقبل كل هذه العوامل فإن إحسان تطبيق الاسلام سينزل رضا الله عن أمة الاسلام ودولة الاسلام, وعندها سيتنزل تأييد الله لجنده وسيؤيدهم بمدد من عنده ويحبط كيد عدوهم، ولله عاقبة الامور.
قال تعالى: ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز.