لم تكن زيارة الرئيس التركي أردوغان لتونس يوم الأربعاء مجرّد زيارة ودّية لتوطيد العلاقات الأخوية أو للبحث في شأن استيراد زيت الزيتون والتمر التونسي، إنما كانت زيارة تجهيز واستعداد للحرب، والدليل عليه أنّ الرئيس التركي قد جاء تونس مصحوبا بوزير خارجيته ودفاعه ورئيس استخباراته. كما أنّ تصريح الرئاسة التونسي الذي أكّد على “أنّ تونس لن تقبل بأن تكون عضوا في أيّ تحالف أو اصطفاف على الإطلاق، ولن تقبل أبدا بأن يكون أيّ شبر من ترابها إلاّ تحت السيادة التونسية وحدها”، يدلّ دلالة قاطعة على المسائل التي تمّ بحثها خلال اللقاء بين سعيد وأردوغان، وهي مسائل متعلّقة باستعداد تركيا العسكري للتدخل في ليبيا، وهو ما أكّدته أيضا عدّة مصادر تركية؛ إذ “قال الجنرال المتقاعد، جيم كوردينيز، إنه على تركيا توسيع درعها في البحر المتوسط، لتشمل ليبيا، لافتا بذات الوقت أن الاتفاق مع تونس يعزز مكانة وقوة أنقرة بالمنطقة مقابل التحركات اليونانية هناك.وأكد في تقرير لصحيفة “يني شفق”، وترجمته “عربي21″، أن ليبيا بالنسبة لتركيا هي منطقة استراتيجية في شرق المتوسط، ولتعزيز فاعلية أنقرة هناك يجب عليها أن تستجيب لطلب حكومة الوفاق الوطني في ظل الوضع الحرج الذي تمر فيه… ورجح الجنرال التركي، أن السبب الرئيسي لزيارة أردوغان المفاجئة إلى تونس، هو من أجل طلب الدعم اللازم للقوات التركية البحرية وإنشاء ميناء في تونس يلبي احتياجاتها… ونقل الكاتب التركي [إبراهيم كاراغول] عن مصادر في أنقرة أنها تسعى إلى استخدام المجال الجوي التونسي، وهناك حديث أيضا عن رغبة تركيا باستخدام القواعد الجوية والبحرية التونسية، مشيرا إلى أن مصادر تؤكد أن أردوغان التقى زعماء القبائل الليبية في تونس أيضا.وأضاف أن المصادر تشير إلى أن تركيا قد تبدأ قريبا عمليات جوية في ليبيا، ولكنه من غير المعلوم متى بالتحديد”. (عربي21- عماد أبو الروس/ 26/12/2019م).
فتركيا التي تدور في فلك أمريكا، جاءت إلى تونس من أجل النظر في إمكانية استخدامها كقاعدة عسكرية تنطلق منها في دعم العمل العسكري في ليبيا التي تتصارع عليها القوى الغربية، وقد جاءت وهي تعلم وضع تونس الداخلي، وتعلم أن قيس سعيد غير محسوب على الحلف الإماراتي السعودي المصري، فكانت تأمل في استمالته لرؤيتها، وهو ما تفطنت إليه فرنسا خاصّة (الطامعة في موقع لها في ليبيا) فشنت عبر عملائها في تونس حملة شعواء على الرئيس التونسي الذي اضطرّ تحت الضغط لإعلان البراءة من حلف تركيا، إلا أنّه بتصريحه كشف حقيقة المحاور التي تمّ تداولها في الزيارة الفجئية مؤكّدا ما راج من إشاعات حول فحواها.
نعم، إنّ لتركيا مصالح اقتصادية واستراتيجية تريد أن تحميها، فهي من خلال اتفاقها مع حكومة السراج الليبية حول ترسيم الحدود البحرية بالبحر المتوسط مدّدت جرفها القاري بنحو الثلث مما يتيح لها المطالبة بحصتها من النفط والغاز في شرق البحر المتوسط؛ ولهذا فهي تسعى لضرب حلف اليونان وقبرص (اليونانية)وما يسمى “إسرائيل” الذي يتعلّق بمشروع (EastMed) خط أنابيب الغاز شرق المتوسط إلى أوروبا، وهو مشروع قيل أنه سيغيّر خريطة الطاقة في أوروبا، ويمسّ من مصالح تركية الجيوسياسية والجيواقتصادية، ودورها الإقليمي وعلاقتها المستقبلية بالاتحاد الأوروبي، إلّا أنّ تركيا ستقوم أيضا بدور سياسي في ليبيا يتمثّل في إيجاد البديل لحفتر الأمريكي الذي ظهر عجزه عن تحقيق الانتصار الحاسم وترجيح كفة الأمريكان. وغالب الظنّ أنّ تركيا تعلم واقع تونس والجزائر السياسي المضطرب، ولهذا فإنّها رغم محاولتها استمالة بلدان الجوار لرؤيتها لليبيا ومحاولة بناء قاعدة عسكرية لها في تونس، إلّا أنها ستكتفي من تونس بما يسمّى موقف السلام الذي تبنته رئاسة الجمهورية من خلال “إعلان تونس للسلام”، وستحاول البناء عليه في مؤتمر برلين القادم لطرح حلّ يجمع كل الأطراف الليبية (ونعني الأمريكية والأوروبية) ويرضي دول الجوار (ونعني المرتبطة ببريطانيا وفرنسا)، وقد يكون الحلّ حكومة وفاق، وربما حكومة فيدرالية وهو حلّ وقع تداوله بشدّة في الأروقة السياسية الغربية.
وختاما نقول، مع أنّ السياق السياسي يكشف حقيقة محاولة تركيا التحالف مع حكومة السراج ومحاولتها التحالف مع تونس، ويدلّ على أنّ الدور التركي في شمال إفريقيا لا علاقة له بالأسلمة والعثمانية، إّلا أنّ أعداء الإسلام في بلدنا لا يرضيهم البتة ربط صلة ببلد إسلامي؛ لذلك فإنّ الحقد الأيديولوجي الكامن في بعض السياسيين يجعلهم لا يتوقفون لحظة عن التنديد بأي رابط لتونس ببلد إسلامي أو بدولة يحكمها علمانيون لهم شبهة ارتباط بالمرجعية الإسلامية. ولهذا نسأل: من أين أتى كلّ هذا الحقد، ولماذا؟ فهل مصلحة تونس أن ترتبط بدولة ليست عدوة لنا كتركيا تربطنا بها روابط تاريخية ويربطنا بشعبها رابط العقيدة، أم مصلحة تونس أن ترتبط بدولة استعمارية استعمرتنا ولازالت تنهب ثرواتنا وتتدخّل في شؤوننا كفرنسا؟ {مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُون}؟