أزمة لاجئي سوريا… حقيقتها وأبعادها

أزمة لاجئي سوريا… حقيقتها وأبعادها

قضية لاجئي سوريا برزت من جديد بعد قرارات عدة صدرت عن وزارة الداخلية التركية وبعد دعوات متفرقة من مسؤولين في حكومة لبنان لترحيل اللاجئين إلى بلادهم، فما تداعيات هذه القرارات؟ ولماذا في هذا التوقيت بالذات؟ وما تأثيرها على قضية ثورة الشام بشكل عام؟

إن فهم القضية يبدأ بالعودة إلى بدايتها وإلى المتسبب بوجود هذه القضية ابتداء، فنجد أن نظام أسد المجرم وبعد أن أُعطي الضوء الأخضر من الغرب الكافر وعلى رأسه أمريكا بقتل شعبه، ومدّه بالمهل الواحدة تلو الأخرى، فكانت آلته الإجرامية سببا في تهجير الملايين من الناس الذين وجدوا أمامهم الحدود مفتوحة على مصراعيها، فلا حسيب ولا رقيب ولا حرس حدود ولا جدار عازل، سواء في تركيا أو الأردن أو لبنان.

حتى إن الحدود إلى أوروبا كُسرت فوصل الآلاف من أهل سوريا إلى دول أوروبا عبر البحر والبر، مما أوجد حالة جديدة وأزمة جديدة عُرفت بأزمة اللاجئين، وقد أُثيرت مرات عدة سابقا كأزمة في أوروبا، واتُخذت إجراءات عدة وعقدت اتفاقيات بين تلك الدول للحد من الهجرة إلى أوروبا، أما الآن فبات الحديث عن ترحيل اللاجئين وإعادتهم إلى بلادهم، فهل هي قرارات محلية تخضع لجمع أصوات المنتخبين من الشعوب؟ أم أنها أحقاد عنصرية عند البعض يعبر عنها بقرارات وحملات لترحيل اللاجئين؟ أم أنها سياسة دولية تهدف لتحقيق هدف ما في القضية السورية؟

إن المتتبع الحصيف يجد أن هذا الأمر لا يقف عند لبنان وتركيا فحسب بل حتى في الأردن والسعودية هناك حالات مشابهة، فقد كشفت زمان الوصل عن مصدر خاص لها عن وجود أكثر من 100 سوري موقوفين في قسم “الترحيلات” بمطار الرياض، مؤكدا أنهم مهددون بالترحيل في كل لحظة. وشدد على أن قسما كبيرا من الموقوفين تجاوزت مدة إيقافهم الخمسة شهور، موضحا أن الأسباب تتراوح بين “مخالفة نظام الإقامة أو انتهاء الأوراق”. ولفت المصدر إلى أن الـ100 سوري، أوقفوا في الشوارع وأماكن عملهم، مبينا أن هذا الرقم فقط في مدينة الرياض وحدها.

وكذلك هناك حالات متناثرة عدة عن سوريين في الأردن مهددين بالترحيل، وأما في تركيا فرغم محاولات الطمأنة الكثيرة إلا أن هناك أعدادا كبيرة من اللاجئين قد رُحلوا بالفعل إضافة إلى المعاملة السيئة التي يتلقونها أثناء عمليات الترحيل، وأخبار أخرى نقلت عمليات ترحيل جرت في لبنان للعديد من الشباب السوريين.

تأتي عملية الترحيل أو التهديد بالترحيل هذه في وقت يتم فيه الحديث عن المراحل الأخيرة من الحل السياسي حيث يُطرح حديث حول التوصل إلى هدنة ووقف لإطلاق النار طويل الأمد ترعاه روسيا وتركيا، وحول الانتهاء من وضع أسماء لجنة صياغة الدستور، مما يوحي بارتباط تحريك قضية اللاجئين بهذا الحل، حيث إن الضغط على لاجئي سوريا وتهديدهم بالترحيل يدفع بالقبول بأي تسوية سياسية مرتقبة تكون متنفساً لهم بعد أن رفضتهم دول اللجوء.

إن الربط بين قضية اللاجئين والحل السياسي لا ينفي أن لكل بلد مبرراته في الضغط على اللاجئين فهذا أمر طبيعي، ولكن حصر القضية بأن لكل بلد ظروفها وسياستها فهذا تضييق لواسع، ومحاولة تبرئة للأنظمة التي استقبلت اللاجئين، والدليل على هذا الربط هو أن فتح الحدود في بداية الثورة كان قرارا جماعيا متفقا عليه بين الدول، حتى إن فتح الحدود كان أمرا غير طبيعي فقطع الحدود ذهابا وإيابا كان متاحا وكأنك تنتقل من قرية إلى قرية داخل سوريا.

وعندما أرادت لبنان أن تمنع الناس من دخول أراضيها فعلت ذلك، وعندما أرادت الأردن فعل ذلك أيضاً أغلقت حدودها أمام الهاربين من قصف النظام المجرم خاصة في معركة السيطرة على درعا والتي شنها النظام، وأيضاً تركيا فعلت ذلك وأغلقت حدودها بجدار على طول الحدود وقتلت الكثير ممن يقترب من الحدود، سواء أكان يريد قطع الحدود أو غير ذلك.

وعليه فإن إدراك حقيقة هذه الأنظمة وحقيقة دورها الذي تلعبه سواء في داخل البلد من ربط للفصائل وتحكم بقراراتها أو خارج البلد مما يتعلق باللاجئين والتضييق عليهم، هذا الإدراك يدفع باتجاه واحد وهو عدم الركون إلى هذه الأنظمة فهي جزء من المنظومة الدولية المتآمرة علينا بهدف إعادتنا إلى حكم النظام المجرم حتى لو غيرت بعضا من وجوهه.

فهذا ما كشفته أزمة اللاجئين اليوم، فترى كثيرا ممن اعتمد على النظام التركي ومدحه واعتبره رئة الثورة، يتخبط ويبحث عن مبررات لهذه القرارات الجائرة، ثم يرمي بهذه الممارسات القمعية على نجاح المعارضة في انتخابات إسطنبول، وآخر يراها تصرفات فردية من العنصريين الموجودين في مؤسسات النظام التركي.

كل هذا محاولات للهروب من مواجهة الحقيقة المؤلمة، والتي خُدع بها الكثيرونطوال السنوات الماضية، ألا وهي أن النظام التركي شأنه شأن كل الأنظمة، بل كان له الدور الأكبر في تخدير الثورة وحسر مناطق نفوذها والسيطرة على قرار قادة الفصائل، والتحكم بالسياسيين المتصدرين باسم الثورة.

إدراك هذه الحقائق هو خير من المضي في خدعة كبيرة، والوعي على حقيقة هذه الأنظمة هو خير بداية جديدة لمسيرة نقية طاهرة، فثورتنا على هذا النظام المجرم هي ثورة على المنظومة الدولية الجائرة والتي أثبتت وقوفها مع المجرم بكل المواقف، فلنتبرأ منها ونعلن ولاءنا لله وحده، ونتوكل عليه فلا ناصر ولا معين لنا إلا هو.

بقلم منير ناصر – سوريا

CATEGORIES
TAGS
Share This