أزمتنا ليست في إجراء الانتخابات أو مقاطعتها

أزمتنا ليست في إجراء الانتخابات أو مقاطعتها

الآن وقد حُسم موضوع إجراء الانتخابات الرئاسية في تونس، بعد تحديد الرئيس قيس سعيّد السادس من أكتوبر المقبل موعدا لهذه الانتخابات، وبعد إعلان رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، فاروق بوعسكر، أن الهيئة ستفتح باب قبول طلبات الترشح، اعتبارا من التاسع والعشرين من شهر جويلية الجاري، وحتى السادس من أوت 2024. وعلى ذلك بدأت الإعلانات عن نوايا الترشح، والترشحات الفعلية والاستعداد لها، حتى ليكاد المتابع أن يجزم أن هذه الانتخابات قد كشفت جل أسرارها بإعلان قيس سعيد رسميا، يوم الجمعة التاسع عشر من جويلية الساري عن ترشحه رسميا. وبذلك يكون قيس سعيد قد حسم بإعلانه هذا أمر عهدته الأولى، إذ تكون قد انتهت عند الإعلان على نتيجة انتخابات السادس من أكتوبر.

هل يتوقف خلاص تونس من أزمتها على مجرد إجراء انتخابات نزيهة؟

 والآن وبغض النظر عن الظروف التي تحف اليوم بالاستعدادات لهذه الانتخابات، وشخوص من سيخوضون أطوارها، أو الذين سيُقصون عن ردهاتها لأي سبب كان، وبمعزل عن النتيجة التي ستفرزها، أو من الذي سيفوز بالدورة الرئاسية القادمة، فإنه يتحتّمُ طرح سؤال مركزي، لا يمكن لكل منصف لأهل تونس، يحمل همهم، ويعنيه أمرهم، التغاضي عن طرحه، والسؤال هو: هل أن إجراء دورة الانتخابات الرئاسية هذه، وهي الثانية عشرة في تونس والثالثة بعد الثورة والتي من المرتقب أن ينتخب فيها رئيس الجمهورية الثامن في تاريخ البلاد لولاية مدتها 5 سنوات، كفيلة بإخراج البلاد وأهلها من الوهدة التي تتخبط فيها، حيث لم تغن عنها جملة الدورات الانتخابية السابقة شيئا، مع ما يعلم من حال البلاد اليوم وما جرته عليها نتائجها، وحملات الدعاية التي حفت بكل دورة من دوراتها، أو الجهود والأموال التي لا يعلم إلا الله سبحانه كيف أهدرت خلالها؟ وهل أن إجراء هذه الانتخابات كفيل بالارتقاء بتونس إلى مصاف البلاد الناهضة، كما يزعم المتهافتون على خوضها؟

إنه ولئن وجد قيس سعيد في إخفاق الأحزاب الحاكمة قبل 25 جويلية 2021 بإدارة البلاد وتسببها في تدهور الأوضاع، أو في موافقته من قبل قطاع من التونسيين على التدابر الاستثنائية بسبب مقتهم للأحزاب، أو إلهائهم بموضوع نزاهته ونظافة يده، من أجل تخليصهم من “الأحزاب الفاسدة”، أو إخفاق هذه الأحزاب في تجييش الشارع واستغلال تدهور الأوضاع المعيشية بصورة غير مسبوقة في عهده، خاصة وهو يعدهم  باستعادة الأموال المنهوبة، مادة للتنافس السياسي مع خصومه، فإن هؤلاء الخصوم يشككون في نزاهة هذه الانتخابات وأنها سوف لن تأتي بالنتائج المأمولة، وذلك علاوة على ما سبق منه من عزل القضاة لتثبيت حكمه، واستغلاله لمرفق القضاء للتنكيل بخصومه، أو استخدامه أجهزة الدولة لتعزيز نفوذه، حيث تتهم المعارضة الصلبة لقيس سعيد، سلطته بشن حملة شديدة ضد المرشحين المحتملين، واستبعاد مرشحين بحجة ارتكاب مخالفات قانونية، بل إن إجراءات السلطات طالت، علاوة على المرشحين المحتملين في الانتخابات، أيضًا الأصوات المعروفة بانتقاداتها للرئيس سعيد. وعلى هذا لا يجد المتابع للشأن التونسي، في هذا الصراع الدونكشوتي الذي يدور بين السلطة ومعارضيها ما يشير إلى أن هذه الانتخابات يتعلق الصراع فيها بين مختلف الفرقاء حول مشاغل الناس وأوضاعهم البائسة، أمام تراجع اقتصاد البلاد إلى مستويات متدنية، أو تدني الخدمات في قطاعات حيوية كالتعليم والصحة والنقل وانهيار كامل بناها التحتية، علاوة على إشغال الناس بالهم اليومي عن أداء رسالتها تجاه أمة الإسلام وما تعانيه من عدوان أثيم من قبل قوى الاستعمار العالمي، من مثل خذلان إخواننا في غزة.

أزمة هوية، وغياب قيادة

وأمام إصرار طرفي النزاع السياسي في تونس على ترذيل الحياة السياسية بتضليل الرأي العام عن جوهر قضاياه، حين أُشغل “بنزاهة” انتخابات لن يكون من نتيجتها إلا وصول هذا الطرف إلى مركز القرار أو ذاك على رأي معارضي قيس سعيد، أو حرمانهم من وهم لن ينالوا من تحقيقه إلا تثبيت سلطان العدو علينا، بعد أن ارتضوا فكره وثقافته نهجا لحياتنا، على رأي السلطة بزعم علاقة معارضي السلطة بالأعداء وخيانتهم للوطن، يكون من الخطر إلجاء أهل تونس إلى الاختيار بين أن يقاطعوا الانتخابات كما تدعو المعارضة، أو أن ينخرطوا فيها استجابة للسلطة القائمة.. فالمسألة اليوم، ورغم غياب أي اهتمام من قبل الرأي العام في تونس بالانتخابات الرئاسية، ولا أي انتخابات أخرى، إذ لا نجد أثرا لها في نواديهم ومجالسهم، ليست في إجراء الانتخابات أو مقاطعتها، بل في إدراك أن أصل مآسينا وانحدارنا إلى الدرك الذي لا يليق بأمة الإسلام هو انفصالنا عن هويتنا، وأن علاقاتنا فيما بيننا، أو فيما بيننا وبين الآخر، لم تعد على أساس الأحكام الشرعية، لتأخرنا الفكري، وأننا بلغنا من الانحطاط السياسي ما لم نعد ندرك معه حقيقة مصالحنا ولا موضعنا بين الشعوب والأمم، حتى صرنا في أدنى درجات التأخر المادي رغم الثروات المادية الطائلة التي حبانا بها المولى عز وجل فلم نعد نعقل كيفية الاستفادة منها، والأخطر من كل ذلك أن استسلمنا لكل ناعق فلم نعد نعرف لمعنى القيادة الرشيدة سبيلا، بل وأسلمنا قيادنا لعدونا فكرا وعملا. يقول الحق تبارك وتعالى في كتابه العزيز: (117) يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ بِطَانَةٗ مِّن دُونِكُمۡ لَا يَأۡلُونَكُمۡ خَبَالٗا وَدُّواْ مَا عَنِتُّمۡ قَدۡ بَدَتِ ٱلۡبَغۡضَآءُ مِنۡ أَفۡوَٰهِهِمۡ وَمَا تُخۡفِي صُدُورُهُمۡ أَكۡبَرُۚ قَدۡ بَيَّنَّا لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِۖ إِن كُنتُمۡ تَعۡقِلُونَ (118) ـ آل عمران ـ

CATEGORIES
Share This