أسئلة سياسية حول واقع الدّولة التّونسيّة

أسئلة سياسية حول واقع الدّولة التّونسيّة

ياسين بن علي  _

الهدف من هذا المقال، طرح جملة من الأفكار السياسيّة المتعلّقة بواقع الدّولة في الفكر السياسي والقانوني المعاصر، منزّلة على الدّولة التّونسيّة من خلال طرح أسئلة معيّنة نتبيّن منها واقع الدولة كما هو عليه الآن، ولنستلهم منها رؤية سياسيّة لدولة متصوّرة ضمن مشروع مستقبلي.

يذكر علماء السياسة والقانون أنّ الدّولة مصطلح يطلق على كيان ما إذا اجتمعت فيه أربعة عناصر، وهي: “1) تجمع بشري، 2) اقليم يرتبط به التجمع البشري، 3) سلطة توجه المجتمع، 4) نظام اجتماعي واقتصادي وسياسي وقانوني يتمسك التجمع بتحقيقه” (عن النظم السياسية في العالم المعاصر، للدكتورة سعاد الشرقاوي). وسنفكّك هذه العناصر، ونطرح الأسئلة المفصلية المصيرية المتعلّقة بها.

  1. التجمّع البشري

عرّف بأنه مجموعة أفراد أو جماعة بشرية يشكّلون شعبا أو أمّة، والفرق بينهما أنّ “الشعب لا يعني أكثر من مجموع الأفراد الذين يقيمون على إقليم معيّن بصفة دائمة ومستقرّة، ويخضعون لنظامها السياسي بعد أن يتمتّعوا بجنسيتها. أمّا الأمّة فهي مجموعة الأفراد الذين يستقرّون على إقليم معيّن، وتجمعهم الرغبة في العيش معا، بسبب الروابط المختلفة كالدين أو اللغة أو الجنس أو التاريخ المشترك” (عن الوسيط في النظم السياسية والقانون الدستوري، للدكتور نعمان أحمد الخطيب).

السؤال: هل ينطبق على مجموعة الأفراد في تونس، وصف الشعب أم الأمّة؟ إذا قيل: ينطبق عليهم وصف الشعب دون الأمّة، قلنا: هل يصحّ هذا مع اشتراك الغالبية في الدين واللغة والجنس والتاريخ؟ وإذا قيل: ينطبق عليهم وصف الأمّة، قلنا: هل هم أمّة دون الأمم أم يشترك معهم في الوصف غيرهم؟ إذاقيل: هم أمّة دون الأمم، قلنا: هل يصحّ هذا رغم أنّ العناصر التي جعلت منهم أمّة هي العناصر نفسها التي توجد في غيرهم كمجموعة الأفراد في الجزائر والمغرب مثلا؟ وإذا قيل: يشترك معهم في الوصف غيرهم، قلنا: هم إذن جزء من أمّة، فهل الأصل أن نوحّد بينهم أم نفرّق؟

  1. الإقليم

الإقليم هو المكان الجغرافي (المتكوّن من العنصر البري والبحري والجوي) الذي يوجد فيه التجمع البشري وتمارس فيه الدولة ككيان سياسي سيادتها.

السؤال: ما هي حدود الدولة التونسية الحالية، وما هي حدودها التاريخية؟ ومن وضع هذه الحدود؟ وهل أثّرت سياسة فرنسا الاستعمارية في رسم الحدود؟ ثمّ، هل تلزمنا تلك الحدود مع الجزائر أو ليبيا مثلا إذا قلنا إننا أمة واحدة؟

  1. السلطة

عرّفت السلطة بأنها “القدرة الشرعية أي القدرة التي يعترف بشرعيتها الأشخاص الخاضعين لها على أساس أنها تمارس وفق القيم التي يؤمنون بها، وبأساليب يتقبلونها” (عن: مدخل إلى علم السياسة، للدكتور عصام سليمان، ص149). والسلطة وفق التعريف تتطلّب حاكما يعترف بشرعيته ومحكوما وحكما، وسنركّز هنا على عنصر الحاكم والشرعية ونؤجّل الحكم أو النظام إلى النقطة التالية، لذلك نقول: إنّ السلطة تتمثّل في من يباشرها وهو الحاكم، وفي من يسندها، وفي الوسائل التي تساعد على إسنادها.

السؤال: أين تكمن السلطة في تونس؟ هل يمتلكها الشعب حقّا أم يمتلكها غيره؟ وما هي وسائل دعمها وتثبيتها: الجيش أو الشرطة أو رؤوس الأموال أو النقابة أو…؟ وهل تستند السلطة في تونس على سند طبيعي (الشعب/الأمة) أم سند غير طبيعي (قوة أجنبية)؟ وإذا كانت السلطة مستندة على سند طبيعي (بمعنى: الشعب يريد)، فهل يظهر هذا في القرارات والاختيارات والسياسات أم لا يظهر؟ وإذا كانت السلطة مستندة على سند غير طبيعي (قوة أجنبية)، فهل هي بريطانيا أم فرنسا أم أمريكا أم…؟ وكيف يمكن لنا أن نحدّد السند؟

  1. النظام

يميل فريق من علماء السياسة إلى بحث النظام ضمن مبحث السلطة مكتفيا بثلاثة عناصر للدولة؛ لأنّ السلطة الحاكمة تقتضي وجود نظام حكم تحكم به، ولكننا خيّرنا اعتماد هذا التقسيم الرباعي للفصل والتوضيح.

“يقوم النظام على معتقدات وأفكار مستقرة في المجتمع، ويرجع استقرار هذه المعتقدات إما إلى التعوّد عليها، وإمّا إلى تمسّك النظم القائمة في المجتمع بها (كالأسرة والمدرسة والمصنع والنادي)، وإما إلى تبني السلطة العامة لها. ورغم تعدد النظم الاجتماعية بتعدد المجتمعات، إلا أنّه يمكن تصنيف المجتمعات إلى نوعين من حيث النظام الاجتماعي. فهناك مجتمعات ذات نظام اجتماعي فردي، ومجتمعات ذات نظام اشتراكي” (عن: عن النظم السياسية في العالم المعاصر، للدكتورة سعاد الشرقاوي، ص49). فالنظام هو عبارة عن الأفكار والمفاهيم والقناعات والمقاييس والقيم المتعلّقة بالحكم التي ترتضيها الجماعة لتسيير شؤونها ورعاية أمورها. والغالب – كما مرّ – حصر علماء السياسة للنظم المطبّقة في العالم في نظامين: الرأسمالي والاشتراكي.

السؤال:هل تونس رأسمالية أم اشتراكية أم هي خليط بلا هوية؟ من وضع هذا النظام؟ هل ارتضى الشعب هذا النظام؟ هل يعبّر هذا النظام عن هويتنا الثقافية والحضارية؟ هل عالج هذا النظام المطبّق علينا مشاكلنا الاقتصادية والاجتماعية وغيرها؟ هل ساهم هذا النظام في رقينا ونهضتنا أم هو سبب انحطاطنا وتأخرنا؟ أين الإسلام من هذا النظام؟ هل يجوز لنا كجماعة مسلمة أن نطبّق الرأسمالية أو الاشتراكية ونرفض تطبيق الإسلام؟ من الذي يملك القول الفصل في مسألة تبني الدولة لنظام ما؟ وهل يمكن لنظام غير منبثق عن عقيدتنا أن ينهض بنا؟…

خاتمة

أسئلة كثيرة سألناها، فإذا ما تمّت الإجابة عنها بموضوعية ونزاهة كانت كاشفة لواقع هذه الدولة التونسية، ومرشدة إلى الطريقة الصحيحة لتناول مبحث الدولة وكيفية إقامتها على أسس سليمة منسجمة مع هويتنا الثقافية والحضارية ومتناغمة مع موروثنا التاريخي، ومبشّرة بمستقبل مشرق نستردّ فيه عزّتنا وسيادتنا وحرّيتنا ودورنا العالمي كأمّة قائدة رائدة.

CATEGORIES
TAGS
Share This