أما آن لهذه الثورة أن تتصدّر الأمة؟!

أما آن لهذه الثورة أن تتصدّر الأمة؟!

ها هي الأيام والسنون تمر علينا وعلى ثورة الشام المباركة، نرى ونسمع عنها من الأخبار الكثير مما لا يخلو من التنغيص واستهلاك الطاقات وهدر القدرات والتضحية بالأرواح. لهذا دعوني استحضر بعض المفاهيم، إنه كما نعلم فإن أية ثورة يكون لها مقومات وأهداف وطريقة لتحصيل النتائج المرجوة منها، وعندما بدأت ثورة الشام استبشرنا فيها الخير، واستحضرنا الأحاديث النبوية الشريفة التي فيها تباشير النصر والمدح لأهل الشام، حيث كانت ثورة نقية صافية لا يشوبها شيء يوجهها إلى غير وجهتها الصحيحة، لكن سرعان ما تحولت من غير تنظيم إلى ثورة مسلحة مما جعلها مغنمًا لضعفاء النفوس وعملاء الغرب الكافر المستعمر.

وهنا علينا أن نتوقف قليلًا، ونعيد ترتيب أوراق هذه الثورة المباركة، لنكتشف فيها الخطأ ونستفيد منه، حتى نعود إلى جادة الصواب. يجب أن يكون لأي ثورة مفكرون ذوو نظرة ثاقبة وأفق غير محدود، وقيادة توجهها وتسير بها نحو الهدف الذي من أجله قامت، وكذلك طريقة واضحة يسلكها الثوار في سبيل تحقيق هدفهم، وأخيرًا والأهم هو وجود الهدف المشترك الذي يسعى لتحقيقه الثوار. إذا نظرنا إلى ثورة الشام المباركة نجد أن بدايتها كانت واضحة المعالم بهدفها السامي بتطبيق شرع ربنا، ولكنها كانت – وما تزال – تفتقر إلى قيادة مخلصة وفكرة تتضمن طريقة، فسعينا منذ بدايتها إلى ترشيدها وإلحاقها بمقومات النجاح، حيث عرضنا عليها  -وما نزال-  تبنّي الفكرة الصحيحة، وهي ليست التحرر من السفاح فقط، بل من نظامه واستبدال نظام إسلامي راشد به، ولم نكتفِ بهذا، بل عرضنا على الثورة أن نقودها سياسيًا من أجل إنجاحها فمكتسباتها سوف تذهب سدى مع أطماع العملاء وضعاف النفوس.

مع هذا كله لن نفقد الأمل في هذه الثورة وغيرها، فنحن جنود لله  -سيرنا إلى ما يحب ويرضا -، لذلك يجب أن نستذكر بعض الأحداث التي مرت بها الثورة حتى نستفيد منها في الحاضر والمستقبل. هذه الثورة عندما كان هدفها واضحًا بتطبيق الإسلام وقلب النظام كانت الأمة كلها معها قلبًا وقالبًا، وكانت في زخمها ترعب أعداءها وتبشر بالخير، حتى إن أعداء الإسلام والمسلمين لم يتركوا وسيلة خبيثة إلا واستخدموها لإجهاضها، فاستثمروا العملاء من أبناء جلدتنا في سوريا من أصحاب الفكر العلماني وأوجدوا لهم منصات وهيئات وتجمعات ورفعوهم حتى تصدروا الأضواء، واستمالوا من كان عنده نوع من الإخلاص وجعلوه في بوتقتهم باستثارة مشاعره الإسلامية المفتقرة إلى الوعي السياسي، فساروا مع أصحاب العمائم في الحجاز وقطر وتركيا، واستغل الغرب مرتزقة تسترزق من دماء المسلمين. فجمعت هذه الثورة المتناقضات، حيث منصات تتكلم من القاهرة وإسطنبول والحجاز وحتى روسيا وتتصدر الإعلام لتتكلم باسم الثورة المباركة والثورة منها براء، وفصائل قبلت أن تحارب أهلها وتقتلهم باسم الثورة ورضوا بأن يكونوا أدوات مسلمة بأيادي دول التحالف فتراهم على أبواب سوريا يحرسون النظام ويقاتلون من يقاتلونه ويأتمرون بأوامر الكافر المستعمر الحاقد؛ وآخرون لا نعلم متى سوف يرشدون ويعون إلى أي فريق ينتمون، فتجدهم بعد تحريرهم لمنطقة من أيادي النظام الجائر بتضحية الآلاف من الرجال، تجدهم يفاوضون النظام ويهادنونه ويصالحونه على تلك المنطقة! وما هذا سوى جهل سياسي وقصر في النظر، وها هم يتفاوضون على اللاجئين في لبنان من أجل نقلهم إلى إدلب، دون ملاحظة الغاية من هذا الفعل في هذا التوقيت ومن وراءه، حيث إن هذه الحركة الخبيثة لا تخدم سوى النظام وأعوانه بفتح الطرق لهم من أجل أن يستخدموها في حربهم… وآخرون يظنون أنهم أصحاب إمبراطورية في الغوطة، يفاوضون النظام ويهادنون أعداء المسلمين الحاقدين الروس ويجتمعون معهم ومع المخابرات المصرية، ويوقعون معهم اتفاقيات الخزي والعار، كأنهم لا يدركون أنهم بهذا يعودون إلى حضن الطاعة والانصياع للنظام حتى يخفف عنهم ضرباته، وآخرون أصبحوا متوغلين في العمالة واقفين على الحدود الأردنية منصاعين للنظام الخائن العميل، وآخرون يحرسون النظام التركي ويأتمرون بأمره مع أن هذا النظام لم يترك وسيلة خبيثة إلا واستخدمها لحرف الثورة وتجييرها لمصلحة سيدته أمريكا، وتلك حلب التي ساعد في تسليمها لنظام الأسد وتركيع أهلها.

ألم يحن الوقت كي نرشد ونعي على من يعمل لمصلحة الثورة ومن هم أعداؤها؟ إن الغرب يسير الأمور بمخطط قذر يدفع بثوار الشام إلى الهاوية مضحيًا بدمائهم، علينا نحن أبناء الأمة وثوارها المخلصين أن نعي أن هذه الثورة لن تنتصر بالسير وراء ركب الغرب وعملائه، وأن الثورة لا تزال تفتقر إلى قيادة واعية مخلصة تقودها نحو النصر، فمهما طال الزمان أو قصر سوف يتحقق ما دبر الله لنا ولهذه الثورة، مهما طال الزمان أو قصر سوف يتحقق وعد الله لهذه الأمة بأيدينا أو بأيدي غيرنا، مهما طال الزمان أو قصر سوف تقوم لهذه الأمة قائمة وترفع راية رسولها عليه الصلاة والسلام فوق الرؤوس، ومهما طال الزمان أو قصر سوف نشهد الفتح العظيم ونرى حسرات المقصرين الخائنين، مهما طال الزمان أو قصر سوف تقوم الخلافة على منهاج النبوة رضي من رضي وأبى من أبى، فانتظروا موعدها الذي اقترب، والعاقبة للمتقين.

د. ماهر صالح – أمريكا

CATEGORIES
TAGS
Share This