أمريكا تحاول من جهة أخرى الولوج في الجزائر

أمريكا تحاول من جهة أخرى الولوج في الجزائر

نقلت صحيفة ” الخبر” الجزائرية عن مساعد منسق سياسة محاربة الإرهاب بالخارجية الأمريكية رافي غريغوريان قوله في لقاء مع صحفيين بمقر السفارة الأمريكية بالجزائر يوم 22\10\2017 بأن “الجزائر تملك جيشا قادرا على وضع حد لتهديدات الإرهاب في ليبيا، ولكن قدرته على التدخل خارج البلاد محدودة دستوريا” وقال المسؤول الأمريكي :” إنه يتفهم رفض الجزائر التدخل عسكريا خارج حدودها”مضيفا :” ولكن بإمكانها تقديم نصائح لجيرانها الذين يواجهون الإرهاب”. وأشاد بالإمكانيات المادية والتقنية التي بحوزة القوات الجزائرية قائلا بأنه “معجب بها”. فيظهر أن أمريكا تريد أن تقحم الجيش الجزائري في الحرب في ليبيا، فما مغزى ذلك؟!

ووصف المسؤول الأمريكي قوة دول الساحل الإفريقية الخمس التي شكلتها فرنسا بقوة 5 آلاف جندي بأنها عاجزة بسبب فقرها، وقد تحفظت أمريكا عن تمويلها، فقال المسؤول الأمريكي “إن برودة تعاطي الولايات المتحدة مع هذه الآلية من جانب مالي يعود إلى أن الأمم المتحدة لا تمول إلا المشاريع التي تتبع لها مباشرة” واستدرك قائلا:” غير أن ذلك لا يمنعها من تقديم الدعم السياسي للمشروع الذي تحرص عليه فرنسا بشدة”. أي أن أمريكا ترفض التحالفات والوى التي تشكلها فرنسا الاستعمارية فلا تريد مساعدتها ولا تطلب من الجزائر المشاركة فيها، أفلا يدل ذلك على تنافس استعماري؟!

ومن قبل، وبالضبط قبل سنتين، كانت الجزائر قد رفضت طلبا أمريكيا بالمشاركة في إنشاء “قوة عسكرية عربية”، فقد نقلت صحيفة “الخبر” الجزائرية يوم 22\10\2015 عن دبلوماسي جزائري رفيع أن” الجزائر ردت بالسلب والنفي القاطع على المقترح الذي تعمل عليه مصر والإمارات والأردن المتعلق بتشكيل قوة عسكرية عربية حيث تكون مستعدة للتدخل عند الحاجة في أي منطقة من المناطق التي يتهدد فيها أمن الدول العربية” وذكرت الصحيفة يومها أن “هذه الدول تحاول الضغط على الجزائر وتونس لكونهما من دول الجوار الليبي وخاصة الجزائر بصفتها تملك شريطا حدوديا طويلا مع ليبيا يفوق 900 كيلو متر حيث أعطت هذه الدول الثلاث للجزائر ضمانات بأن تكون “قوة التدخل السريع تحظى بغطاء سياسي دولي”! وذكرت أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لم يخف في كلمة تلفزيونية مطولة.. وجود اتصالات مع كافة الدول العربية بخصوص “القوة العربية العسكرية” مبرزا حديثه عن دول الجوار الليبي..” منها الجزائر وتونس. فلماذا تركز أمريكا الجزائر بالدرجة الأولى؟!

من هذه الأخبار يفهم أن أمريكا تلف وتدور حتى تلج في الجزائر! فمرة تأتيها من جهة الاقتصاد والتنمية حتى تجد مجالا للتأثير على الحكم وإثارة المشاكل الاقتصادية له، وكذلك لكسب قوى اقتصادية وغير اقتصادية، ومرة تأتيها من جهة تأسيس استراتيجية مشتركة وإقامة قواعد عسكرية لمحاربة الإرهاب ونقل مركز أفريقوم إلى الجزائر وهي قيادة القوات الأمريكية الاستعمارية في أفريقيا حتى تصبح أمريكا مرابطة في داخل الجزائر وجاثمة عليها، وتبدأ بالضغط على الحكم وتوجيهه في محاولة للانقضاض عليه، وعندئذ يصعب قلعها مثلما أقامت قواعد عسكرية في تركيا حيث دخلتها أولا بإقامة القواعد العسكرية وبالمساعدات الاقتصادية والعسكرية وهي تفعل مثل ذلك في دول الخليج حيث اقامت فيها القواعد العسكرية، أو تأتي بدفع الجزائر للمشاركة في قوة عسكرية عربية للتدخل تحت قيادة عملاء أمريكا في مصر كما حاولت قبل سنتين عن طريق عميلها السيسي في مصر، وعندئذ تتمكن أمريكا من توريط الجزائر في حروب في العالم العربي من أجل بسط النفوذ الأمريكي ويصبح الباب مفتوحا أمام أمريكا للاتصال بالجيش الجزائري المشارك عن طريق النظام المصري الذي يقوم بعمل السمسرة أيضا لصالح أمريكا بشراء العملاء. وللتذكير فإن أمريكا اشترت حاكم سوريا حافظ أسد عام 1971 عن طريق النظام المصري فتحول حافظ أسد من عمالته لبريطانيا إلى العمالة الأمريكية فبقي النفوذ الأمريكي في سوريا حتى اليوم حيث ورثه ابنه المجرم بشار أسد بدعم أمريكي. ومرة أخرى تأتي أمريكا من الناحية السياسية والاتصال بالشخصيات السياسية وبالأحزاب السياسية، وكذلك الاتصالات الدبلوماسية حتى تكسب عملاء في الوسط السياسي وبين المسؤولين السياسيين وهكذا تأتي من كل جهة وجانب كالشيطان الذي يأتي الناس من بين أيديهم أو من خلفهم ويستفز رجاله وخيله.

وهذه المرة تأتي من جهة دفع الجزائر للتدخل العسكري في ليبيا مما يتيح لأمريكا فرصة للولوج في الجيش الجزائري، لأنه عندما يتدخل في ليبيا فإنه سيحتاج إلى مساعدات عسكرية وخبرات ومعلومات، بل يفرض عليه التنسيق مع أمريكا التي تحارب في ليبيا من أجل تركيز نفوذها فيها. وعندئذ تبدأ اتصالات الأمريكان بالضباط في الجيش الجزائري وتبدأ محاولات الكسب وشراء الذمم.

والجدير بالذكر أن أمريكا استطاعت أن تكسب عملاء في ليبيا بعدما تورطت ليبيا القذافي في حرب تشاد في الثمانينات من القرن الماضي لحساب بريطانيا، حيث كانت تشاد في تلك الفترة تتبع أمريكا على عهد حسين حبري، فاتصلت بقائد القوات الليبية هناك خليفة حفتر الذي وثق به القذافي وأرسله ليقود جيشه في تشاد، وكان أحد رفقائه في الانقلاب الذي طبخته بريطانيا عام 1969 لتقوية نفوذها في ليبيا وتغيير عميلها الملك السابق محمد إدريس السنوسي. وهكذا استطاعت أمريكا أن تشتري حفتر فحملته من تشاد إلى أراضيها ليعيش فيها مسمنا من قبلها حيث أغدقت عليه المال وأسكنته مرفها بجانبها 20 عاما، حتى يقوم بالدعاية ضد نظام القذافي ويعمل على الاتصال بالضباط من رفقائه في ليبيا ويمولهم بأموال أمريكية لقلب حكم القذافي، وعندما تحين الفرصة ترسله إلى ليبيا ليقود العمل الذي تنيطه به في محاولة لبسط نفوذها هناك، ولهذا أرسلته بعد اندلاع الثورة في ليبيا عام 2011 ليقود الثورة ففشل، ولكنها دعمته ليقوم بمحاولة انقلاب عام 2014 ليسيطر على الحكم وما زالت تدعمه عن طريق النظام المصري حتى تفرضه على الحكم في ليبيا أو تجعله يسيطر ويستلم الحكم فيؤول الحكم لها عن طريق هذا العميل الرخيص الذي يعمل لحساب أمريكا على حساب بلده وأمته من أجل اشباع رغباته الشخصية بأن يصبح رئيس دولة عنده المال والجاه يأمر وينهى ضمن الأوامر والنواهي الأمريكية.

وهكذا تعمل أمريكا على الولوج إلى البلدان فما تترك وسيلة ولا أسلوب إلا استعملته ولا جهة إلا أتتها حتى تلج في البلد وتشتري الذمم وتكسب العملاء في مختلف المجالات العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية والفكرية والإعلامية وغيرها، ولكن الأهم عندها كسب الجيش صاحب القوة في البلد الذي تتمكن بواسطته من السيطرة على الحكم وبالتالي على كافة مرافق الحياة السياسية والاقتصادية وغيرها، وهذا ما فعلته في مصر عندما بسطت نفوذها هناك عن طريق الجيش عندما اشترت الذمم الرخيصة وكسبت العملاء من أمثال عبد الناصر والسادات عام 1952، وما زالت تتحكم في الجيش حيث حركته ليقوم بانقلاب بقيادة عميلها السيسي عام2013، حيث أصبح الجيش المصري هو الذي يتحكم في مصير الحكم في البلاد. وكذلك في السودان عندما طبخت انقلاب النميري عام1969 وانقلاب عمر البشير عام 1989.

فقد استعصت دول شمال أفريقيا على أمريكا وخاصة الجزائر الدولة الأكبر والأقوى في المنطقة والمستهدفة من قبلها في الدرجة الأولى، حيث تتبع الجزائر على عهد بوتفليقة النفوذ البريطاني، وقد عمل على تصفية النفو الأمريكي والفرنسي فقام بتصفيات في الجيش وأحكم قبضته عليه. فإذا بسطت أمريكا نفوذها في الجزائر فإنها ستتمكن من بسط نفوذها في ليبيا وتونس وفي غرب ووسط أفريقيا حتى تقلع النفوذ الأوروبي من هذه المناطق وخاصة النفوذ البريطاني والفرنسي. فالصراع في هذه المنطقة هو صراع استعماري بامتياز، والعملاء هم أدواته المحلية بالإضافة إلى الأدوات الأخرى من التدخل المباشر مثل إقامة قيادة أفريقوم والتنسيق الأمني وإرسال الخبراء والمخابرات والمدربين بذريعة محاربة الإرهاب والتدخل المباشر وإقامة القواعد كما هو حاصل في عدة بلاد بالنسبة لفرنسا، وقد أقامت أمريكا قاعدة عسكرية في النيجر قرب الجزائر وتقوم طائراتها المرابطة في البحر على ظهور السفن قبالة السواحل الليبية لتضرب في ليبيا ومثل ذلك في الصومال، وقد أقامت أمريكا قاعدة لها في جيبوتي بجانب القاعدة الفرنسية. وهكذا تصول القوات الاستعمارية وتجول في البلاد وتحلق في الأجواء لتحكم سيطرتها على البلاد فتنهب خيراتها وتذبح شعبها لتبقيه بائسا كئيبا يعاني الفقر ويصارع المرض ويكابد الحياة التعيسة، فيحول دون نهضتها ودون عودة الإسلام إليها.

إن أمريكا وأوروبا وخاصة بريطانيا وفرنسا لديهم قدرات مادية كبيرة في مختلف المجالات تمكنهم من شراء الذمم الرخيصة وكسب العملاء ومن ثم الولوج في البلاد، والذي يسهل لهم ذلك هو قابلية الكسب عند الأشخاص الذين يعملون على كسبهم بسبب الثقافة الغربية التي تسيطر على العقول والتي تشبع بها كثير من العساكر ورجال الأمن والعاملين في السياسة وفي المجالات الأخرى، حيث أن الثقافة الغربية التي غزت بلادنا مع الغزو الاستعماري تجعل أفئدة الناس تهوى العمل مع الغرب وتجعل عقولهم تتجه نحوه وهو العدو من حيث لا تدري لتقتبس منه الأفكار والحلول لمشاكل البلاد وخاصة السياسية والاقتصادية، لأن هؤلاء بعيدون عن الثقافة الإسلامية السياسية فلا يدركون الحلول والمعالجات الإسلامية للمشاكل السياسية والاقتصادية خاصة، فعندما يتصل بهم الأجنبي مسلحا بثقافته السياسية العلمانية حاملا لهم حلم النهضة والتقدم الكاذب ولديه الإمكانيات المادية فسرعان ما ينجذبون نحوه. ولهذا وجب على الحزب السياسي القائم على مبدأ الإسلام أن يقوم بنشر الثقافة الإسلامية السياسية وتركيزها لدى الناس وإيجاد الرأي العام وهو يتصل بالناس جنودا ومدنيين على مختلف مستوياتهم وأنواعهم وتوجاهتهم حتى نفوت على المستعمر فرصته بكسبهم أو استمالتهم أو التحالف معهم واستخدامهم فنحصّن المجتمع من الفيروسات والميكروبات الاستعمارية وننقذه من براثنه ونبني دولته العظيمة دولة الإسلام، الخلافة الراشدة على منهاج رسول الله صلى الله عليه وسلم التي ستؤتي ثمارها اللذيذة فينعم الناس بالأمن والأمان وهداءة البال وصلاح الحال والإطمئنان فيسعد الناس في الدنيا والآخرة فيرضى عنهم ربهم رب العباد.

 

أسعد منصور

CATEGORIES
TAGS
Share This