أمّة بلا ماضٍ, أمّة بلا مستقبل
الخبر:
حل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الإربعاء الفارط 6/12/2017 بالجزائر، بدعوة من رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة.
واستقبل الرئيس الفرنسي من قبل رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح بحضور الوزير الأول أحمد أويحيى وأعضاء من الحكومة.
وحسب بيان لرئاسة الجمهورية، فإن هذه الزيارة تندرج في إطار الشراكة الاستثنائية التي ما فتئت الجزائر وفرنسا تعملان على بنائها وتعزيزها.
كما أنها ستكون سانحة للبلدين ولاسيما خلال المباحثات التي ستجرى بين رئيسي الدولتي لإيجاد السبل الجديدة لتعزيز التعاون والشراكة بين الجزائر وفرنسا والتشاور حول المسائل الإقليمية والدولية محل اهتمامهما المشترك”.
التعليق:
على منوال نظيره الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند الذي وصف استعمار بلاده للجزائر بأنه “وحشي وجائر”، استخدم الرئيس الفرنسي الحالي في حملته الانتخابية السابقة كلمات قوية نالت الاستحسان في الجزائر لكن عاد اليوم يحمل في طيّاته رسالة الأولويّات الاقتصادية ناشرا لثقافة التسامح والسلم جاعلا الشباب محور زيارته كما فعل الأسبوع الماضي أثناء جولته في غرب أفريقيا حيث صرّح أنه “لا يمكن أن نبقى حبيسي الماضي”.
استعمرت فرنسا الجزائر لما يقارب 132 سنة وارتكبت مجازر وحشيّة هناك، وبالرّغم من اعتراف ماكرون بذلك إلا أن قوله هذا لا يسمن ولا يغني من جوع، ولا تمحو التأشيرات السّنوية لدخول فرنسا التي يمنحها للجزائريين بشاعة وفظاعة ماضيهم الأسود في الجزائر.
لماذا على إخواننا في الجزائر وضع ماضيهم طيّ النسيان بحجة أنّه ليس بما اقترفت أيدي الرّؤساء الحاليين لفرنسا بينما تعلن الأمم المتحدة يوم 27 كانون الثاني/يناير يوما دوليا سنويا لإحياء ذكرى ضحايا الهولوكوست لأنه يوافق اليوم الذي حرر فيه الجيش السوفياتي في عام 1945، أكبر معسكر من معسكرات الموت النازية في أوشويتز بيركيناو (بولندا)؟! بل من المفارقات أن يكون محور اليوم الدولي لإحياء ذكرى ضحايا محرقة اليهود لسنة 2017 “إحياء ذكرى محرقة اليهود: التثقيف من أجل مستقبل أفضل” في حين تدعو الدول الأوروبية مستعمراتها بالتطلّع إلى مستقبل أفضل ونسيان الماضي.
وتقبع أكثر من 18 ألف جمجمة تعود لرعايا جزائريين من بينهم مقاومون قُطعت رؤوسهم على يد الاستعمار الفرنسي وتتبجّح فرنسا بوضعها في متحف الإنسان بباريس، في حين تقوم الأمم المتحدة بمعارض وأنشطة في دول عديدة بحضور وزراء وسفراء وإعلاميين وممثّلين تندّد فيها بما حصل لليهود، وقد قالت إيرينا بوكوفا، المديرة العامة لليونسكو “إن تاريخ الإبادة الجماعية لليهود خلال الحرب العالمية الثانية لا ينتمي إلى الماضي، بل إنه “تاريخ حي” يهمنا جميعاً، على اختلاف أصولنا وثقافاتنا وأدياننا. وبعد محرقة اليهود، تم ارتكاب إبادات جماعية أخرى في عدة قارات. فهل هناك عِبر أفضل من العبر التي يمكن استخلاصها من أحداث الماضي؟”
إن سعي ماكرون لنزع الطابع الاستعماري عن العلاقات الفرنسية الجزائرية هو فاشل لا محالة، وإننا ندعو إخواننا في الجزائر أن يعتبروا من الماضي لأن من ليس له ماضٍ ليس له حاضر أو مستقبل. فلا يخدعنّكم اعتراف رئيس فرنسا بأخطاء الاستعمار ولا تستهوينّكم الصورة الجديدة لفرنسا المتحررة من طابعها الاستعماري التي يريد ماكرون تمريرها، فلا مجال للصفح لأن المؤمن لا يُلدغ من الجحر الواحد مرتين.
م. درة البكوش