أهالي صفاقس يسدّدون فاتورة العنصريّة نيابة عن الاستعمار
“لم يعد بإمكاننا حتّى اقتناء قارورة ماء من متجر في مدينة صفاقس..فالجميع يرفض بيعنا أيّ شيء أو التعامل معنا نهائيا..إنّ الأهالي يرفضون وجودنا أصلا كأنّنا كائنات قذرة قادمة من بالوعات المجاري وليس بشرا مثلهم..أنظر إلى قدمي لقد اعتدى عليّ صاحب المنزل الذّي أقطنه على وجه الكراء بسيْف ما تسبّب في قطع اصبعين من قدمي لأنّني حاججته ورفضت الرّضوخ له عندما قرّر طردي من المنزل دون سابق إنذار تفاعلا مع الحملة العنصرية التّي تفجّرت فجأة في صفاقس ضدّ السّود”..جوناثان، 31 سنة مهاجر كونغولي دون وثائق رسمية في تونس، لن يتمكّن لاحقا من لعب كرة القدم بسبب الضرر الذّي لحق قدمه اليمنى بالإضافة إلى كسور أخرى في مستوى الأضلع ورضوض في الرّقبة. جوناثان وصل إلى تونس منذ نحو ثلاث سنوات قادما من الكونغو عبر الجزائر بعد أن جرّب حظّه في المغرب وليبيا على أمل الالتحاق بناد لكرة القدم على اعتبار أنّه كان يمتهن كرة القدم في بعض الأندية الهاوية في موطنه
:التحرير
إنّ حال الدونيّة الاقتصاديّة والحضاريّة والسياسيّة التي تكابدها إفريقيا جنوب الصّحراء هي نتيجة طبيعيّة وحتميّة للجرائم التي اقترفها الاستعمار الغربيّ ـ ومازال ـ في حقّ المنطقة وشعوبها من نهب ممنهج للثّروات وتفقير وتجهيل وتآمر وصراع دوليّ وحروب أهليّة وأخرى بالوكالة وانقلابات عسكريّة ومجازر مروّعة، ما حوّلها إلى شبه محتشد مفتوح لا يطيب العيش فيه، ودفع أهلها دفعا إلى مغادرتها والهجرة نحو السيّد الأبيض..ورغم ما لأوروبا من مسؤوليّة تاريخيّة وأخلاقيّة وحضاريّة تجاه المنطقة وشعوبها، إلاّ أنّها تفصّت من تبعات الأزمة وتسلّحت بمنتهى البراغماتيّة ونكران الجميل، وأوصدت أبوابها في وجه منظوريها ومريديها وضحاياها..ولم تكتف بالتفصّي من جرائمها ضدّ القارّة السّمراء، بل حاولت تصدير مشاكلها وتبعاتها إلى دول شمال إفريقيا بوصفها مخفر حراسة متقدّما للضفّة الشماليّة للمتوسّط وخطّ دفاع أوّل عن أوروبا من عاديّات الهجرة غير الشرعيّة، وممتصّ صدمات يضطلع نيابة عنها بدور نقطة التّفتيش وغربال الانتقاء ومحتشد الإيقاف والشّرطيّ والسجّان والجلاّد، وكلّ ما يترتّب عن ذلك من أعمال قذرة..كما يسدّدون فاتورة العنصريّة نيابة عن الاستعمار، حيث أنّ الاضطلاع بتلك المهامّ تجاه الأفارقة السّود من شأنه أن يصمهم بعار العنصريّة وشنارها ـ شاؤوا أم أبوا، قصدوا أم لم يقصدوا ـ فالمسلمون عموما والتونسيّون خصوصا أبعد ما يكونون عن النّظرة العنصريّة والممارسات العنصريّة، وما قام به أهالي صفاقس ما هو إلاّ تعبيرة انفعاليّة عمّا لاقوه من (الأجص) من ويلات بلغت حدّ الخطف والتّهديد والقتل والسّرقة..دون أدنى خلفيّة عنصريّة