أين المرأة المسلمة في تونس من قضيتها؟
كتب أحمد ابن أبي الضياف سنة 1856 م رسالة في المرأة, عنوانها الأصلي: “أسئلة من تلقاء أوروبا و أجوبتها” تضمنت جوابه على 23 مسألة حول المرأة سألها بعض الفرنسيين. وكانت الأسئلة تحوم حول موضوع تعليم الإناث والميراث والمساواة وتعدد الزوجات والسفور.
وكتب المؤرخ التونسي حسن حسني عبد الوهاب سنة 1336هـ كتابا عن شهيرات تونس جاء فيه قوله: “كم دوى في آذاننا رنين الانتقاد على الشريعة الإسلامية السمحاء بأنها شريعة تسلب المرأة حقوقها وتجعلها مستبضعا بين يدي الرجل أو مستودعا لكامل سلطته واستبداده المطلق دون أن تخولها بإزائه أدنى حق. وقد أخطأ هؤلاء الناقدون خطأ فاضحا لا يغتفره لهم العلم والتاريخ, إذ لا حامل لهم عليه إلا أحد أمرين: إما التعصّب الأعمى أو الجهل المَمقوت”.وكتب الشيخ محمد العزيز جعيط سنة 1936م مقالا في المجلة الزيتونية عنوانه: “التشريع الإسلامي والمرأة” جاء فيه قوله: “كثيرا ما فوق المتعصبون من الغربيين سهام الانتقاد على الشريعة بتهمة الإجحاف بحقوق المرأة حتى أثر ذلك على بعض المنتمين إلى الإسلام ممن فتنهم زبرخ التّمدن الغربي فانصاعوا لأقوال أهله دون تمييز بين السمين والغثيث والطيب والخبيث، وأصبح النساء مثار فتنة من ناحية العدل في التشريع كما كنّ وما زلن حبائل فتنة من ناحية العفة والاستقامة.” والآن، وبعد مرور 161 سنة على مسائل ابن أبي الضياف، ومرور 100 سنة على كتاب محمد حسني عبد الوهاب، ومُرور 81 سنة على مقال الشيخ جعيّط، لا زال الغرب يشغلنا بالقضايا ذاتها، ويسألنا الأسئلة نفسها، ولا زلنا نبحث في مسألة تحرير المرأة من سلطة الرجل، ونبحث في عدل الإسلام مع المرأة، ونبحث في مسألة المساواة والميراث وغير ذلك.!
قبل بضعة أيام، صادق البرلمان على القانون الأساسي المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة، وكان محل إجماع، واعتبر كفتح من الفتوحات الثقافية والاجتماعية والسياسية رغم أنه يحمل في طياته مفاهيم هدّامة مناقضة للإسلام وللعرف الحضاري والثقافي للبلد؛ فمفهوم القضاء على العنف ضد المرأة مفهوم حقّ في ظاهره، ولكن في باطنه، أريد به الباطل.
ومع ذلك نسأل: بغضّ النظر عن أهمية هذا القانون، وبغض النظر عن تأثيره النهضوي والتقدمي في المجتمع، وبغض النظر عي أي شيء آخر، هل انتهت الآن قضية المرأة؟ هل يمكن لنا الآن أن نعتبر مسألة المرأة = كما أراد لها حزب الفرنكفونيين والإسلاميين العلمانيين واليساريين = مسألة منتهية في المجتمع؟
والجواب على هذا السؤال نجده في موقف منظمة هيومن رايتس ووتش حيث جاء فيه: “إن قانون العنف ضد النساء، الذي يشمل العنف الأسري، والذي أقره البرلمان التونسي في 26 يوليو/ تموز 2017، يُعدّ خطوة مفصلية لحقوق المرأة. على السلطات التونسية أن تضمن وجود ما يكفي من التمويل والإرادة السياسية لوضع القانون موضع التنفيذ الكامل والقضاء على التمييز ضد النساء… لمواصلة مكافحة التمييز الراسخ ضد النساء، على الحكومة أيضا أن تعالج قوانين التمييز الشخصية. رغم أن تونس لديها واحدة من أكثر قوانين الأحوال الشخصية تقدما في المنطقة، إلا أن القانون لا يزال يعيّن الرجل كرئيس للأسرة ويحرم بناته التونسيات من نصيب متساو من الميراث مع أشقائهن، وفي بعض الحالات مع أفراد الأسرة الذكور الآخرين. في حين أن قانون الأحوال الشخصية في تونس يضع شروطا متساوية للزواج لكل من الرجل والمرأة، إلا أن التوجيه الإداري الصادر عام 1973 يحظر تسجيل زواج المرأة المسلمة برجل غير مسلم.لا يوجد هذا القيد على الرجال المسلمين. قالت القلالي [مديرة مكتب هيومن رايتس ووتش في تونس]: (من خلال سن هذا القانون الجديد، أبدت السلطات التونسية التزاما بحقوق المرأة، وهي تضع معيارا يمكن أن يتبعه كثيرون آخرون. لكن ثمة حاجة إلى خطوات أخرى لتحقيق المساواة الكاملة)” (المصدر: https://www.hrw.org/ar/news/2017/07/27/307198). فالمسألة لم تنته بعد، وهذا القانون مجرّد خطوة تتبعها خطوات أخرى أي أنّ الغرب لم يحقّق بعد كل أهدافه، وهو يستخدم معنا أسلوب التدرّج في تغريب المجتمع والقضاء على ما تبقى من مفاهيم إسلامية فيه؛ فلا زال أمامه مسائل أخرى يريد إثارتها من أجل “تحقيق المساواة الكاملة” كما قالت آمنة القلالي.
والحقيقة، أنّ المسائل التي تثار حول وضع المرأة في بلادنا كلّها متعلّقة بموقف الإسلام من المرأة ومجمل الأحكام الشرعية التي شرّعها كأصول وفروع مؤسسة للنظام الاجتماعي الذي يرتضيه؛ فالحديث عن العنف ضد المرأة يقصد به قوله تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ}، والحديث عن رئاسة الرجل للأسرة يقصد به قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ}، والحديث عن الميراث يقصد به قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ۚ }، والحديث عن التساوي في الزواج يقصد به قوله تعالى: { وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} وقوله تعالى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ}، وهكذا كل المسائل فهي قوانين مناقضة للأحكام الشرعية والمفاهيم الإسلامية، ومعارضة للنصوص القرآنية والنبوية.
وإنّ ما يحزّ في النفس أنّ المرأة المسلمة في تونس بعيدة كل بعد عن قضاياها، وغير مهتمة بها، رغم ما يحاك ضدّها من مؤامرات تهدف إلى القضاء على هويتها وشخصيتها الإسلامية؛ فلا يمكن للرجل أن ينتصر في قضية متعلقة بالمرأة بمعزل عن المرأة ذاتها بل لا يمكن أن يتحقق النصر في قضية متعلقة بالمرأة إذا لم تخضها المرأة نفسها. فنحن نرى التيار النسوي التغريبي، اليساري اللائكي الفرنكفوني، يخوض قضيته بكل شراسة وقوة، ونرى كثيرا من النساء متجندات للدفاع عن رؤيتهن الغربية الحداثية الجندرية بما فيها من دعوة للمثلية والتحرر الجنسي، ولكننا لا نرى مسلمة متجندة للجهاد بقلمها وعقلها وعلمها وفقهها من أجل قضيتها العادلة، فأين المرأة المسلمة من كل هذا؟
ياسين بن علي