إضراب الأساتذة : مشكلة قطاع أم مشكلة منظومة ؟
ونحن على أبواب الأسبوع المغلق للثلاثي الثاني تحركت نقابة أساتذة التعليم الثانوي ملوحة بالإضراب والامتناع عن إجراء الامتحانات ما لم تستجب الوزارة لمطالب القطاع المتمثلة بالأساس في تحسين الوضعية الماديّة لرجال التربية…ومن المعلوم أن قطاع التربية والتعليم منسي نسبيا من الموازنات المالية للدولة : فهو القطاع الوحيد الذي لم يتمتع بالزيادات منذ ثلاث سنوات رغم غلاء المعيشة والأزمة الاقتصادية الخانقة التي مرت بها البلاد ومازالت تحت ضغط صندوق النقد الدولي وإجراءاته المؤلمة والمتمثلة في رفع الدعم عن المحروقات والمواد الأساسية وتجميد الأجور ووقف الانتدابات وخصخصة القطاع العمومي والترفيع في الضرائب… هذه الإجراءات من الطبيعي أن تنعكس سلبا على المقدرة الشرائية لرجال التربية وبالتالي على مردودهم وأدائهم لاسيما والحال أن أجورهم تراوح في مكانها منذ ثلاثة مواسم…والوزير في تصريحاته يقول إنّه استجاب للأساتذة خاصّة في مطلبهم بإصلاح المنظومة التّربويّة أمّا بالنّسبة إلى المطالب الماليّة فأوصاهم بالصبر والتّريّث وفي أثناء هذا وذاك يبشّر بحل الأزمة ولكنّ العجيب أنّ الوزير يدعم الالتجاء إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي لإنجاز مشروعه المتمثل في إصلاح المنظومة التربوية، وهو بذلك يستنسخ تجربة 1992 التي أدت إلى ما يتخبط فيه القطاع اليوم من مشاكل وأزمات: ففي ذلك التاريخ قدم حاتم بن عثمان كاتب الدولة لدى وزير التربية ملف إصلاح التعليم إلى صندوق النقد الدولي لبحث إمكانية تمويله وقد تبنى الصندوق ذلك المشروع بشروط مجحفة عكرت حالة القطاع وزادت في طين أزمته بلّة عوض إصلاحه وخلقت صلبه مشاكل مؤجلة بعيدة المدى مازال القطاع يعاني من تبعاتها إلى اليوم وإن عالجت بعض الإشكاليات علاجا ظرفيا وقتيا لا علاجا جذريا … وبقدر ما كان تشخيص رجال التربية لعلة القطاع صائبا كان رد الوزير بسيطا سطحيا يشي بقصر نظره وافتقاره للاستشراف وللحلول الجذرية : فحسب الوزير إن مبدأ الاقتراض والالتجاء إلى صندوق النقد الدولي قدر محتوم لامفر لتونس عنه , فليس أمام الدولة والوزارة من حل لإصلاح المنظومة التربوية وتجاوز مشاكل قطاع التربية إلا عبر التداين من صندوق النقد أي مزيد ربط المنظومة التربوية بما تحيل عليه من ثقافة وحضارة وانتماء وخصوصية وقدرات ومهارات وسيادة… بسياق التغريب والانبتات والعولمة الثقافية وسوق الاستثمار ورهن البلاد والعباد والمقدرات للغرب الاستعماري : وهل جيء بالناجي جلول )نداء تونس) إلا لإنجاز هذه المهمة… وفيما تتواصل التجاذبات بين الوزير والوزارة من ناحية والأساتذة والنقابة من ناحية أخرى يظل السؤال الأساسي معلقا مطروحا :
هل إن المنظومة التربوية في تونس مناط إصلاح وترقيع أم مناط هدم ونقض وإعادة بناء…؟
الأستاذ بسام فرحات