إعفاء المدير العام لشركة توزيع المياه: رمتني بدائها وانسلت
في منتصف شهر جويلية من العام الماضي أعفى الرئيس “قيس سعيد” الرئيس المدير العام لشركة توزيع واستغلال المياه, “مصباح الهلالي” وعين “أحمد صولة” رئيسا مديرا عاما للشركة, وفي شهر جويلية الحالي أعفا “قيس سعيد” مرة أخرى الرئيس المدير العام لشركة توزيع واستغلال المياه بعد مرور عام على تعيينه, وكان هذا الإعفاء مسبوقا بإعفاء طال رئيس إقليم المنار للشركة ذاتها بعد معاينة تسرب كميات من المياه الصالحة للشراب من أنبوب تابع لشركة توزيع واستغلال وتوزيع المياه, وتمت المعانية أثناء زيارة قام بها الرئيس “قيس سعيد” إلى إحدى مناطق الضاحية الغربية لتونس العاصمة.
لا شكّ أن من تمّ إعفاؤهم يتحملون جزء من المسؤولية على تردي الخدمات وعلى الأعطاب المتكررة في أنابيب توزيع المياه وعلى مشاكل عدة تعاني منها شركة توزيع واستغلال المياه, لكن هل ستنهي هذه الإعفاءات أزمة المياه في تونس؟ وهل الرئيس المدير العام المقال أخيرا والرئيس المدير العام الذي سبق وتم إعفاؤه, وجميع المديرين الذين سبقوهم هم السبب المباشر في حدوث أزمة المياه في تونس من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها, الجواب قطعا لا.
من أكبر مثالب القائمين على هذه الدولة, هو ترك سبب الأزمة وملاحقة نتائجها وأعراضها, فالمسئول الفاسد والوزير المتقاعس, والذي لا يملك الكفاءة, جميعهم نتيجة لأزمة من أبسط موظف وصولا إلى هرم السلطة هم نتيجة لأزمة, وهذه الأزمة لم تعد خافية على أحد, إنها أزمة نظام لا أزمة أشخاص ينتفي لديهم الإخلاص والكفاءة وما إلى ذلك, وكل الأزمات التي تعاني منها البلاد هي حتما نتاج دولة مأزومة ونظام متهالك, لا يصلح لرعاية شؤون الناس ومعالجة مشاكلهم.
الرئيس قيس سعيد أعفى الرئيس المدير العام لشركة توزيع المياه تزامنا مع إعفاءه لرئيس إقليم المنار, ولم يكتف بذلك, فقد أمر بفتح تحقيق عدلي في الغرض. لكن ماذا عن مناطق ومدن عدة وخاصة في الأرياف لا توجد فيها شبكة لتوزيع المياه أصلا, وأهاليها يقاسمون الدواب مشربها, ماذا عن عشرات المدارس لم يتم تزويدها بالماء الصالح للشراب مما جعل تلك المدارس بؤرا لتفشي مرض التهاب الكبد الفيروسي؟ لماذا عاين الرئيس أنبوب المنار ولم يعاين تلك المدارس المنكوبة التي توشك أن يهجرها “روادها” خشية الأمراض بسبب انعدام الماء. ماذا عن تدهور قطاع الفلاحة العائد وبنسبة كبيرة لندرة الماء؟ ماذا عن عجز الدولة على وضع برنامجا استراتجيا مواكبا للتغيرات المناخية وللفقر المائي الذي تعاني منه البلاد, وما زالت تعمل بنفس نسق سنوات الوفرة دون تجديد أو تغيير في سياساتها؟
ماذا عن إهدار الدولة للمال العام بدعمها للمهرجانات بعشرات المليارات حيث حظي مهرجان قرطاج وحده بأربع مليارات في شكل دعم من الدولة هذا دون الحديث عن المبالغ الطائلة التي أنفقتها الدولة على ترميم الملاعب, فقد بلغت تكلفة ترميم ملعب المنزه وملعب سوسة أكثر من مائة وعشرين مليون دينار, هذا دون الحديث عن مبالغ أخرى ضخمة جدا أنفقت في ما يضر ولا ينفع. ماذا لو أنفقت الدولة هذه الأموال على تحسين وتعزيز البنية التحتية في مجال المياه بإحداث سدود جديدة لتخزين المياه خاصة خلال فترة الوفرة؟ أكيد هذا لن ولن يحصل لأن هذه الدولة اهتمامها منصب على دعم ثقافة المجون وكل مجال فيه تشبه بوجهة نظر الغرب حتى تحصد إعجاب بل رضا كبار كهنة معبد النظام الديمقراطي الرأسمالي, وحتى نبقى في تبعية لهم فكريا وسياسيا واقتصاديا.
إذن فالمشكلة أعمق بكثير من أن تحلها مجرد إقالة رئيس مدير عام أو وزير أو حتى تغيير رئيس دولة. المشكلة وكما أسلفنا الذكر تكمن في الدولة ونظامها الوضعي. وكل ما يحصل من أزمات هو نتاج لهذه الدولة وذاك النظام, فكل القطاعات الحيوية ودون استثناء تعاني التهميش ولا مبالاة الماسكين بالسلطة, فلا قطاع الصحة ولا التعليم ولا الفلاحة ولا النقل توليه الدولة العناية الأزمة والضرورية لأنها دولة أخر اهتمامها هو رعاية شؤون الناس وتلبية احتياجاتهم الأساسية وهذا هو دأبها منذ تأسيها على يد “بورقيبة” وحالها حال باقي بلاد المسلمين التي تشرذمت وتمزقت فجاع وعطش وتشرد أهلها بمجرد فقدانهم لدولتهم دولة الخلافة الراشدة..
CATEGORIES كلمة العدد