الحمد لله والصلاة والسّلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
ذكّرنا السيد قيس سعيد رئيس الجمهورية، أثناء الاحتفال بالمولد النّبوي، بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «قُلْ: آمَنْتُ بِاللَّهِ، ثُمَّ اسْتَقِمْ». وهذا الحديث الصحيح من جوامع الكلم، فما هو معناه وما المقصود بالكلام؟
جاء في شرح صحيح مسلم للنووي ما يلي: “قال القاضي عياض رحمه الله هذا من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم وهو مطابق لقوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا الله ثم استقاموا أي وحدوا الله وآمنوا به ثم استقاموا فلم يحيدوا عن التوحيد والتزموا طاعته سبحانه وتعالى إلى أن توفوا على ذلك وعلى ما ذكرناه أكثر المفسرين من الصحابة فمن بعدهم وهو معنى الحديث إن شاء الله تعالى هذا آخر كلام القاضي رحمه الله وقال ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله تعالى فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع القرآن آية كانت أشدّ ولا أشقّ عليه من هذه الآية ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه حين قالوا قد أسرع إليك الشيب فقال شيبتني هود وأخواتها”.
وقال الشيخ الطاهر ابن عاشور في أصول النظام الاجتماعي في الإسلام:
“أعمال العاملين تجري على حسب معتقداتهم وأفكارهم، فجدير بمن صلحت عقائده وأفكاره أن تصدر عنه الأعمال الصالحة، ولذلك كان أسلوب الإسلام في الأمر بالأعمال الصالحة والنهي عن أضدادها أن يبتدئ بإصلاح العقيدة… وفي حديث مسلم أن أبا عمرة الثقفي قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، قُلْ لِي فِي الْإِسْلَامِ قَوْلًا لَا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا غيركَ، قال: «قُلْ: آمَنْتُ بِاللَّهِ، ثُمَّ اسْتَقِمْ»، فإصلاح العمل هو الاستقامة، كما أن إصلاح التفكير هو ما رمز إليه بقوله «آمَنْتُ بِاللَّهِ»”.
وقال في التحرير والتنوير:
“والاستقامة حقيقتها: عدم الاعوجاج والميل، والسين والتاء فيها للمبالغة في التقوم، فحقيقة استقام: استقل غير مائل ولا منحن. وتطلق الاستقامة بوجه الاستعارة على ما يجمع معنى حسن العمل والسيرة على الحق والصدق قال تعالى: {فاستقيموا إليه واستغفروه}، وقال: {فاستقم كما أمرت}، ويقال: استقامت البلاد للملك، أي أطاعت، ومنه قوله تعالى: {فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم}. فاستقاموا هنا يشمل معنى الوفاء بما كلفوا به وأول ما يشمل من ذلك أن يثبتوا على أصل التوحيد، أي لا يغيروا ولا يرجعوا عنه.ومن معنى هذه الآية ما روي في صحيح مسلم عن سفيان الثقفي قال: قلت: يا رسول الله قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا غيرك. قال: «قل آمنت بالله ثم استقم». وعن أبي بكر {ثم استقاموا}: لم يشركوا بالله شيئا. وعن عمر: استقاموا على الطريقة لطاعته ثم لم يروغوا روغان الثعالب. وقال عثمان: ثم أخلصوا العمل لله. وعن علي: ثم أدوا الفرائض. فقد تولى تفسير هذه الآية الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم. وكل هذه الأقوال ترجع إلى معنى الاستقامة في الإيمان وآثاره، وعناية هؤلاء الأربعة أقطاب الإسلام ببيان الاستقامة مشير إلى أهميتها في الدين”.
فهل يمكن الحديث عن توحيد يكون فيه الإنسان هو المدبّر لأمور الدنيا، وهو المشرّع لقوانين الحياة وأنظمتها؟ وهل يمكن الحديث عن توحيد تنقضه اللائكية قولا وعملا وتشريعا؟ وهل يمكن الحديث عن توحيد يجعل الخلق لله والأمر للإنسان يصرّف حياته كيف شاء؟
وهل يمكن الحديث عن استقامة (بمعنى لزوم طاعة الله فيما شرّع)، وأحكام الإسلام مغيّبة وقوانينه ملغاة وأنظمته معاداة وشريعته مستبدلة بشريعة الإنسان؟
أليس في هذا الحديث حجّة على من استدلّ به تلزمه بتطبيق الشّرع وأنظمته في المجتمع والدولة؟ أليس في هذا الحديث حجّة على من استدلّ به تأتي يوم القيامة سائلة: عرفت، فهل التزمت؟