خبرا عن محاضرة ألقاها وزير الدّفاع عبد الكريم الزبيدي “في إطار انعقاد اجتماع اللجنة المشتركة العسكرية التونسية الأمريكية وبدعوة من معهد الولايات المتحدة الأمريكية للسّلام المتخصّص في دعم جهود السلام في العالم” يوم الأربعاء 1 ماي 2019 بواشنطن، وتضمنت المداخلة قضايا تتّصل بالوضع الأمني في المنطقة المغاربية ودور تونس الإقليمي في المنطقة وطبيعة العلاقات التونسية الأمريكية والتحديات التي تواجهها تونس في ضوء التحولات الإقليمية والدولية الحاصلة اليوم. ومما جاء فيها:
أن المنطقة المغاربية تعيش تحولات عميقة ممّا جعلها تشهد حالة من عدم الاستقرار صراعات سياسية، بالإضافة إلى العامل الخارجي والمتمثل في تضارب المصالح بين القوى الدولية في المنطقة واختلاف المقاربات في معالجة الأزمات بين مؤيّد للحلّ السياسي وآخر مناصر للحل العسكري.
وأنّ ما يحدث في القوس الساحلي سببه غياب الدولة والحوكمة الرشيدة والوضع الاقتصادي والاجتماعي المتردي الذي أجّجته الصراعات السياسية والقبلية، “ممّا خلق مناخا خصبا لتنامي الإرهاب والتهريب والجريمة المنظمة”.
وأشار إلى أن التجربة الديمقراطية الناشئة التي تعيشها تونس تسير ببطء لكنها بخطى ثابتة في سبيل بناء دولة القانون والمؤسسات بالرغم من الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة والتحديات الأمنية.
وتباهى بعراقة العلاقات التونسية الأمريكية ومستوياتها الرفيعة بفضل الثقة المتبادلة ومثمّنا دعم الولايات المتحدة الأمريكية لتونس في انتقالها الديمقراطي والاقتصادي والأمني ومنحها صفة الحليف الاستراتيجي غير عضو في منظمة حلف الشمال الأطلسي بما مكّنها من أن تكون شريكا استراتيجيا في قطاعي الدّفاع والأمن.
وأكّد أن تونس تتفاعل بإيجابية مع هذه القضايا من منطلق إيمانها بالقيم الكونية.
إلى وزير الدّفاع:
لقد اطّلعنا على مضمون مداخلتك في واشنطن وإليك ما يلي:
اعتبرت أنّ ما تشهده المنطقة من صراعات وصلت في بعض الأحيان إلى الحرب الأهليّة كما في ليبيا يعود في الأساس إلى أسباب داخليّة (صراعات سياسيّة والقبليّة التي أدّت إلى غياب الدّولة وغياب الحوكمة ومن ثمّ تردّي الأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعيّة… ) وكدتتقول أنّ سبب ما يحدث في المنطقة من مصائب وكوارث يعود إلى الثورة، نعم أشرت إلى التدخّلات الخارجيّة دون أن تسمّيها وجعلتها في مرتبة ثانويّة من حيث التسبّب في مشاكل الشّعوب، إذ قصرت تدخّلها على تضارب المصالح ثمّ جعلتها أي الدول الخارجيّة المتدخّلة في المنطقة تتدخّل لإيجاد حلول ولكنّ تضارب الاقتراحات هو الذي أخّر الحلّ والاستقرار في المنطقة، وهو منطق يبرّئ الدّول الأجنبيّة ممّا يحدث في المنطقة بل تجعلها صديقة وجزء من الحلّ، وتدعوها ضمنيّا إلى مزيد من التّدخّل، بدليل إشادتك بقرار الولايات المتّحدة الأمريكيّة جعل تونس حليفا غير عضو في حلف شمال الأطلسيّ، ومن ثنايا الكلام نرى أيّها الوزير أنّك تعتبر أمريكا دولة سلام وتبحث عن السّلام وذهبت لتحاضر في معهدها للسّلام، وهنا نسألك هل أمريكا دولة سلام؟ وهل نشرت السّلام في العالم؟؟
أيّها الوزير:
أنت أعرف النّاس بأمريكا فمتى كانت دولة سلام فأمريكا دولة معتدية جعلت العالم حربا في حرب، ألم تر أنّها دمّرت أفغانستان والعراق تدميرا بالكذب والتزوير والخداع؟ ألم تهاجم سنة 2001 أفغانستان وجعلتها ركاما بدعوى هجمات 11 سبتمبر الذي اتّضح فيما بعد للجميع أنّها تمّت بعلم من المخابرات الأمريكيّة (وهذا كلام صار يقوله أهل ضحايا البرجين) ثمّ هاجمت أمريكا العراق سنة 2003 بتقارير مزيّفة كاذبة عن أسلحة دمار شامل يمتلكها العراق وبان كذبها ومع ذلك واصلت أمريكا تحطيم العراق، والكلّ سمع تصريح مادلين أولبرايت وزيرة الخارجيّة السابقة لأمريكا حين سُئلت عن الحصار الأمريكي للعراق الذي منع الدّواء فسبّب وقتها موت 500 ألف طفل عراقي، فقيل لها هل كان الأمر يستحقّ فأجابت بكلّ وقاحة: ” نعم كان الأمر يستحقّ” فاعترفت أمريكا بقتلها مئات الآلاف ولأجل ماذا؟ لأجل نفط الخليج. ولأجل السيطرة والهيمنة، ثمّ تحوّلت أمريكا للشام حيث سوريا تدعم عميلها هناك بشار الأسد الذي صبّ البراميل المتفجّر على رؤوس المدليين العزّل صبّا، وما زالت تدعمه إلى الآن، ثمّ انتقلت أمريكا إلى اليمن التي تسيطر عليها بريطانيا تريد أن تأخذ نصيبا من الكعكة فدعمت الحوثيين ثمّ دعمت السعوديّة وأدارت هناك حربا بالوكالة وباعت أسلحة بأرقام فلكيّة (يتفاخر المجرم ترامب بها أما م الصحافة العالميّة إثباتا لمقدرته على البيع والتجارة)، وأمريكا هي التي دعمت وتدعم عميلها السيسي في مصر وتؤيّده في مذابحه التي اقترفها في حقّ العزّل في ساحات مصر على مرأى ومسمع من العالم، ثمّ هاهي أمريكا تدخل ليبيا عن طريق عميلها وصنيعتها “حفتر” الذي دعمته بالمال والسلاح وجعلت سيسي مصر يدعمه فأشعلها حربا ستأتي على ما تبقّى من ليبيا العزيزة، أمّا عن فلسطين فتلك قصّة أخرى فكيان يهود المسمّى “إسرائيل” لا يقترف جريمة ولا يسفك دما إلا بضوء أخضر من أمريكا، فيا أيّها الوزير، لا شكّ عندنا أنّك تعلم كلّ هذه الجرائم وتعلم أنّ أمريكا هي من يقترفها علنا وتصريحا. ثمّ تزعم أيّها الوزير أنّ أمريكا دولة سلام وأنّها دولة صديقة نحتاج إلى دعمها.
أيّها الوزير:
تعتبر أنّ جعل تونس حليفا مميّزا في حلف شمال الأطلسيّ مفخرة تباهي بها، وأنت تعلم أنّ حلف شمال الأطلسي ومنذ سنة 1995 يعتبر الضّفّة الجنوبيّة للبحر الأبيض المتوسّط ضفّة معادية لكونها تضمّ مسلمين، وأنت لا شكّ تعلم خشية الدّول الاستعماريّة من ثورة الأمّة الإسلاميّة التي تسعى إلى التحرّر من نفوذ الدّول الاستعماريّة ممّا يعني أنّ درجة العداوة زادت عن جماعة الحلف ولأجل ذلك فرضوا على تونس صفة الحليف المميّز ولا تظنّنّ أيّها الوزير أنّ الحلف الأطلسي يعتبر تونس صديقة له بل يعتبرها عدوّا ولأجل ذلك فرض عليكم الصّفة حتّى يفتح لنفسه مكاتب لجمع المعلومات عن المنطقة وليكنوا قريبين وجعلوا تونس حليفا ليستطيعوا المرور من أراضيها ولقد اعترف الباجي قايد السبسي أنّ أمريكا طيّرت من قاعدة سيدي أحمد ببنزرت طائرات دون طيّار للتّجسّس وجمع المعلومات الميدانيّة الحسّاسة عن المنطقة تمهيدا لتدخّل قد يكون ضروريّا لها، وبخاصّة وأنّ أمريكا تريد أن يكون لها موطئ قدم في الجزائر وهي تتحيّن الفرص لذلك منذ عقود، فها هي تونس على أيديكم تمهّد لها الأمر، فإن كنتم أيّها الوزير لا تعلمون فمصيبة أمّا إن كنتم تعلمون فالمصيبة أعظم.
قد تتحجّجون بقصّة الإرهاب، فكلّ العالم صار يعرف أنّ أمريكا هي أمّ الإرهاب وصانعته. وعليه فإنّ إدخال أمريكا والتعامل معها هو إدخال للإرهاب إرهاب أمريكا التي أربكتها ثورة الأمّة فلم تجد إلا الإرهاب تصنعه وتنسبه إلى المسلمين لتبرّر تدخّلها في بلادنا، وأمريكا حين تدخل بلادا لا تقنع بالقليل إنّها لا ترضى إلى بأخذ كلّ شيء. ولو كان ذلك بعد تحطيم البلاد ولك في العراق خير شاهد.
أشرت في محاضرتك أنّ تونس تؤمن بالقيم الكونيّة وبالشرعيّة الدّوليّة، ألا فلتعلم أيّها الوزير أنّ القيم الكونيّة المزعومة هي قيم الدّول الاستعماريّة المنتصرة في الحرب العالميّة الثانية هي قيم الرأسماليّة المتوحّشة زعمتها كونيّة (إيهاما وتضليلا) لتفرضها على العالم واستخرجت منها أحكاما جعلتها “قوانين” دوليّة ملزمة ليكون كلّ خارج عنها خارج عن القوانين الدّوليّة وعن الشرعيّة الدّوليّة المزعومة وليُعدّ بعد ذلك دولة مارقة تستحقّ العقوبة بل التحطيم والتّدمير أحيانا (كما حصل مع العراق وأفغانستان). ألا تدري أيّها الوزير أنّك بقولك هذا تتنكّر لقيم أمّتك دون أن تدري، فنحن في تونس (لو كنت تدري) مسلمون أنعم الله علينا بقيم ربّانيّة سامية هي الرّحمة، وهي وحدها التي نشرت السلام والرّحمة في العالم وأذكّرك أيّها الوزير أنّ جيش المسلمين حين كانت لنا دولة حقيقيّة كانت تنتظره الشعوب المقهورة ليخلّصها من القمع والمهانة،
أيّها الوزير كلّ كلامك إهانة لتونس ولشعبها, جعلتنا في ذيل الأمم زعمت أنّنا نحتاج إلى أمريكا المجرمة وإعاناتها المسمومة، وجعلت دور تونس خدمة لأعدائها.
أيّها الوزير إنّ الحكم مسؤوليّة وإنّه أمانة وإنّها يوم القيامة لخزي وندامة إلا من أخذها بحقّها وحقّها مسطور في كتاب الله العزيز معلوم لمن أراد أن يعلمه، وحقّها أيّها الوزير تطبيق لشرع الله فهو المعيار وهو الأساس وشرع الله يحرّم موالاة الأعداء والكفّار إذ يقول في كتابه العزيز: ” لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ۗ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ۗ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ”.
وختاما نقول لك أيّها الوزير
إنّ التحدّي الأكبر لتونس ولأهل المنطقة هو التحرّر الكامل من الاستعمار ومن نفوذه وعملائه وإقامة دولة تطبّق شريعة أنزلها ربّ العالمين وبلّغها لنا رسولنا الكريم صلّى الله عليه وسلّم، وإنّ المسلمين في تونس وفي العالم كلّه لساعون إلى هذا التحرّر وإنّهم لبالغوه بإذن الله قريبا فإنّنا ندعوكأن تنحاز إلى أمّتك ودينك وبلدك ضدّ الأعداء المستعمرين واعلم أنّ الله ناصر عباده، نقول لك هذا الكلام وقد أهلّنا شهر رمضان الكريم شهر تعبد فيه ربّك ولعلّك تتذكّر وتكون لك آذان تسمع به فتعقل فتعلم أنّ الله أكبر وأعزّ من أمريكا وبريطانيا ومن كلّ الدّول مجتمعة.
نحن أمّة أعزّها الله بالإسلام… فلماذا تذلّ نفسك في أمريكا؟