إنا لكم ناصحون وبنصر الله متيقنون فعوا وارشدوا
يمر علينا هذه الأيام من المحَن الكثير، التي لا تعد ولا تحصى، وليس آخرها إغلاق مسرى نبينا المسجد الأقصى المبارك وتدنيس يهود له، فأصبحنا في أمس الحاجة لأصحاب القوة المخلصين لهذا الدين ومقدساته التي قدسها رب الخلق من فوق سبع سماوات، لكننا نلقى السكون القاتل من قبل من صدعوا رؤوسنا بالكلام الأجوف المفعم بالجهل والغرور المفرط والمبطن بالحقد، فحق لنا أن نسأل: أين أصحاب القلوب المؤمنة بوعد الله للمخلصين ووعيده للمقصرين المتخاذلين؟
أما أين هؤلاء من الحكام، فإنهم كلهم وبلا استثناء عملاء مخلصون لأسيادهم الذين أوهموهم بإبقائهم على كراسيهم المعوَجّة، مشغولون في خدمة أعداء الله ورسوله عليه الصلاة والسلام. فحكام الحجاز الذين يسهرون على خدمة سيد البيت الأبيض في اليمن وليبيا والشام، حركوا جيوشهم إلى اليمن السعيد وألقوا بحممهم على رؤوس المسلمين هناك للتحضير لإيجاد عميل آخر واستبدال الموجود به، ليذيق المسلمين ويلات ذاقوها من قبل، بل وأنفقوا الأموال السياسية القذرة لشراء الذمم في بلاد الشام وحرف الثورة المباركة عن مسارها. أما حكام مصر الكنانة فهم في شغل عظيم، حيث نجدهم في شرق البلاد وغربها إما محاصرين لأهلنا في غزة هاشم مانعين عنهم الماء والهواء خدمة لأمن يهود، أو باعثين للطائرات تقصف المسلمين في ليبيا عمر المختار. أما ما تبقى من حكام المسلمين في باقي بقاع الأرض من المشرق فحدث ولا حرج، من حكام باكستان الذين هم في عبثهم في باكستان وأفغانستان شاغلون، وعن أقرب الأراضي لهم (كشمير، وبورما) منشغلون، حتى عن أرضهم التي تصول فيها طائرات الأمريكان وتجول لتقصف من تشاء من غير حسيب ولا رقيب، إلى الآخرين الذين جعلوا حصار قطر أهم من قضية أرض الإسراء والمعراج، فأرسلوا جنود المسلمين الأتراك تنفيذًا لمخطط لا يوصف بأقل من أنه قمة في النذالة والخذلان، إلى الذي يسمي نفسه زورًا وبهتانًا بأمير المؤمنين فهو في سبات عميق. أما حكام المغرب العربي الذين نكاد ننسى أنهم موجودون فهم أشباه أموات، كحكام أرض المليون شهيد (الجزائر). كل هؤلاء قد نفضت الأمة يديها منهم، فليسوا منها وليست منهم، بل هم أشد الناس عداءً لها ولدينها الحنيف، فلا ينتظر منهم أحد يختم حياته الملطخة بالعار والخذلان والفسق والفجور بشيء يمحو ما في صفحاته السوداء القاتمة.
أما أين هؤلاء من جنودنا البواسل؟ فهؤلاء من عتبنا عليهم، الذين ما انفكوا يدافعون عن الرويبضات ويمكنون لهم حكمهم ويحكمون قبضتهم على أنفاسنا بظلمهم. أين أنتم وأين نخوتكم التي هي أملنا والخلاص لهذه الأمة التي أنجبتكم وجعلتكم حماة لها ومدافعين عنها وعن عقائدها ومقدساتها؟ أين سلاحكم الذي أنفقنا عليه من قوت أطفالنا وحرمنا أنفسنا من أجله؟ ألا تحرك الأحداث الدم في عروقكم؟ ألا ترون ماذا يحدث لأمتكم ومقدساتها؟ إن أصغر جندي يأتمر بأمركم لو أراد لأذاق يهود من العذاب وجعلهم عبرة لمن يعتبر. ألا تعلمون أنكم تستطيعون -والأمة من ورائكم ومعكم- أن تنسوا أعداء الله وساوسهم وتخضعوهم لكم؟ فهلا سعيتم إلى عز الدنيا وثواب الآخرة! هل منكم رجل رشيد يزلزل أركان الوجود؟ نحن نعلم أن فيكم صلاح الدين وخالد بن الوليد والمظفر قطز ومحمداً الفاتح والسلطان عبد الحميد… نعلم أنكم تتوقون لإعادة أمجادهم بدل أن تكونوا منزوعي الشجاعة والكرامة والنخوة. لم يبق من الزمان بقدر ما سلف، والله متمّ نوره ولو كره المشركون، وهو قادر على استبدال ما يحب وترضى عنه الأمة بكم، فسارعوا إلى مرضاة الله عز وجل قبل أن يتنزل غضبه عليكم فتصبحوا ملومين متحسرين على ما فاتكم من الأجر العظيم.
كلمة آمل أن تصل مسامعكم: إن هذه أمتكم ونحن منكم وأنتم منا، وما هؤلاء الحكام سوى امتحان لكم في دينكم، فلا تسمحوا لهم بأن يلقوا بكم إلى التهلكة، وهم لا سلطة لهم من غيركم، فإن تخليتم عنهم والتصقتم بأمتكم فهذا هو الفوز العظيم والنصر الكبير على من أذاق أمتكم كل أصناف العذاب وأنتم على ذلك شهود. إن الأمور بخواتيمها فاجعلوا خاتمتكم بما يحب الله والرسول e ويثلج صدور المؤمنين من أبناء أمتكم، فهم لكم خير عون ونصير، ولموت في عزة وكرامة خير من عيش في ذل ومهانة، فسارعوا وقدموا لأنفسكم عملًا يكفر عنكم سيئاتكم بحق أمتكم، وستجدون الخير كله عند الله وهو الأعظم، وبين أحضان أمتكم الدافئة.
أما أين هؤلاء من علمائنا أو من يُسمّون بذلك؟ فإننا نلومهم على سكوتهم المميت، فكأنهم رضوا بالحياة الدنيا من الآخرة، وقبلوا على أمتهم ما هي عليه من ذل وهوان بسكوتهم وحجبهم الحق الأبلج! فلم نسمع منهم ما يشفي الصدور وما يعذرهم أمام خالقهم، فكأنهم نسوا أن العلماء هم أكثر الناس علمًا بالله وقدرته وبطشه وجبروته! وكأنهم نسوا أن الله يمهل ولا يهمل! وكأنهم نسوا أن التقوى تكون بالبعد عن غضب الله وليس البعد عن بطش أعوان الشياطين! وكأنهم نسوا أنهم هم من وقع على عاتقهم حمل هذا الدين ونشره وتطبيقه والدفاع عنه وعن مقدساته! أين أنتم يا ورثة الأنبياء عن الدفاع عن مسرى رسولنا؟ أين إنكاركم للمنكر وأمركم بالمعروف؟ فلا نصر لنا إن لم ننصر دين الله. إننا نعلم أن الخير لا يزال ينبض في هذه الأمة، ولله في خلقه شؤون يقدم لعباده الفرصة تلو الأخرى للنجاة من عذابه ونيل رضاه، فهل ستظلون في صف حكامكم الذين انبرت ألسنتكم في الدفاع عنهم؟ أم ستتذكرون أن هذه الدنيا ما هي إلا دار ابتلاء؟
أيها العلماء, كفاكم خوضًا في صغار الأمور واقتصارًا على ما يلهي الأمة ويحرفها عن آخرتها، كفاكم حفظًا لعروش الطغاة والدعاء لهم، متى ستطلقون كلمات كالرصاص عليهم وعلى من يعاونهم ويثبتهم؟ كفاكم جبنًا وتخاذلًا وخذلانًا لهذه الأمة، قد آن أوانها الآن وليس لاحقًا، كلمة حق تكتب في صحائفكم تحاجون بها عند الله يوم القيامة، يوم لا ينفع مال ولا بنون ولا جاه ولا نسب. أقول لكم كلمة آمل أن تصل مسامعكم: إن من زحزح عن النار وأُدخل الجنة فقد فاز، وليس من باع دينه بعرض من الدنيا، فذلك الخاسر وبئس الخاسر. إن ما بقي من عمركم فيه فرصة لكم وباب إن دخلتموه تبدلوا بدنياكم جنة عرضها السماء والأرض، فكونوا على قدر المسؤولية التي وضعت على أعناقكم، واعملوا لآخرتكم، ولا تَدَعوا الشيطان يطغى عليكم ويتسلط، فقد اقتربت ساعة الحساب، فأروا الله من أنفسكم موقفًا يحبه فيغفر لكم ما قد أسلفتم في الأيام الخالية. إننا لا نطلب منكم ما ليس باستطاعتكم، بل ما هو فرض عليكم بأن تبينوا لهذه الأمة الكريمة سوء حكامها وتقصيرهم في رعاية شؤونها، وأن تحثوا أهل القوة والمنعة لنصرة هذا الدين والعاملين له، فكونوا عند حسن ظننا بكم، ولا تملأوا صفحاتكم بما تندمون عليه يوم لا ينفع الندم ولا عودة ولا استدراك لما سلف.
أخيرًا؛ إننا متيقنون من الخير الكثير في هذه الأمة، بأن فيها من القادة العظماء والعلماء الأنقياء الأتقياء، وأن هذا الزمان هو فترة تمحيص للخير والشر، المخلص والمنافق. إن هذه الأمة التي أنجبت القادة العظام الذين سطروا أمجادهم في صفحات التاريخ لن تعقر على إنجاب أمثالهم، فهي لا تزال في ريعان شبابها وقمة عطائها، وسوف يخرج منها أمثال أبي بكر وعمر بن الخطاب وخالد بن الوليد وصلاح الدين والعز بن عبد السلام والسيد قطب… إنما الأمور تسير بقدر، وقدر الله لا شك حاصل ولا تبديل له، بهذا نحن متيقنون، ولنصر الله عاملون، ولآخرته متشوقون.
د. ماهر صالح – أمريكا