«إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ»

«إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ»

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه ومن والاه،

 قال الله تبارك وتعالى: ( إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ (119) وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ)120البقرة، الله تبارك وتعالى أرسل رسولهﷺ بالإسلام دين الحق المبين، يقضي على ضلالة المضلين وتلبيس الملفقين، ودعوى الكفاروالمنافقين، (بَشِيرًا) للمؤمنين الذين أطاعوا الله ورسوله ﷺ فأقاموا دين الله وتمسكوا به واتبعوا رسوله ﷺ ولم يغيروا بعده وينقلبوا على أعقابهم خاسرين، يبشرهم ربهم برضوانه وجنات النعيم (وَنَذِيرًا) لمن كفربه وجحد رسالته ينذره بسخط الله وعذابه ( وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ ) ولا يسألك الله عن كُفر من كفر ( فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ) 40 الرعد، (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ) بمعنى أن اليهود والنصارى لن يرضوا عن رسول الله ﷺ ولا عن ملته، فقد عزموا عداوتكم وكفروا بدينكم وبرسولكم وبما جاء به، فلا تركنوا إليهم ولاتوادوهم ولاتتحالفوا معهم ولاتنصروهم، ولا تسعوا وراء ما يرضيهم، فلن يرضوا عنكم أبدا ( حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ) حتى تصبحوا مثلهم وتكفروا كفرهم وتعيشوا حياتهم، ( قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى )  وهدى الله هوالصراط المستقيم الدين الحق المبين، الذي بعث الله به جميع الأنبياء والرسل، دين التوحيد والطاعة المطلقة لله وتنفيذ أمره والإنتهاء عن نهيه، أيها المسلمون التزموا دينكم وتمسكوا به وأقيموه واتبعوا رسولكم ﷺ، ولا مساومة ولا مداهنة في طاعة الله وطاعة رسوله ﷺ، ولا تلتفتوا لملة الكفر ولا تتبعوا أهوائهم ولا تنصاعوا لأمرهم ولا توادوهم، يرضى عنكم ربكم وتفلحوا في الدارين، (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ) وهذا تهديد ووعيد شديد للمسلمين، يحذرهم الله من اتباع أهل الأهواء واليهود والنصارى، كما هو حال حكام بلاد المسلمين هذه الأيام ومن افتتن وانضبع بالغرب!، فقد اتبعوهم وناصروهم وتحالفوا معهم وتماهوا بأهوائهم وطلباتهم، ولئن اتبعتوهم ما لكم (مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) لا ينصركم الله ولا يأبه بكم ويترككم لشر أعمالكم!، أطيعوا الله وأطيعوا رسولهﷺ، والتزاموا شرع الله ونفذوا أمره وانتهوا عن نهيه، ولا تأخذوا شيئا من عقائد الكفار وملتهم وأنظمتهم وقوانينهم وثقافتهم، فلن يأتوكم بخير، الإسلام منهج حياة قائم بنفسه ينظم حياة الناس ويحكمها بالعدل والإنصاف، ويضمن رعايتهم وإنجاز مصالحهم وتحقيق ما ينفعهم، وقال الله تبارك وتعالى: ( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) 124 البقرة، إن الله تبارك وتعالى جعل إبراهيم عليه السلام إماما للناس يتبعونه ويقتدون به، وقد أطاع الله وقام بما كلفه الله به من رسالة ودعوة وتوحيد الله واتباع شريعته والتزام أمره والإنتهاء عن نهيه، فكان أمة حنيفا قانتا لله شاكرا لأنعمه، قال الله تبارك وتعالى: ( إِنَّ إِبۡرَٰهِيمَ كَانَ أُمَّةٗ قَانِتٗا لِّلَّهِ حَنِيفٗا وَلَمۡ يَكُ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِين (120) شَاكِرٗا لِّأَنۡعُمِهِۚ ٱجۡتَبَىٰهُ وَهَدَىٰهُ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ(121)  النحل، وطلب سيدنا إبراهيم عليه السلام أن تكون إمامة الناس في ذريته ( قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) الظالمين من يظلم نفسه بالشرك والكفر والولاء لغير الله ورسوله ﷺ، ولايحكم بما أنزل الله على رسوله ﷺ، الظالمين البغاة المتسلطين على رقاب المسلين، المتصرفين بأموال المسلمين كأنه مال أمهم وأبيهم، هؤلاء ليس لهم عهد عند الله بإمامة المسلمين، ولا  في إمامة الدعوة والرسالة، ولا إمامة الخلافة والدولة ولا إمامة الصلاة ولا في أي رئاسة وقيادة للمؤمنين أي كانت، حتى ولو كانوا من ذرية سيدنا إبراهيم عليه السلام فمنهم من هو( ظَالِمٞ لِّنَفۡسِهِۦ مُبِينٞ ) لأنه لا يؤمن بالله العظيم، ولا يطيع الله ولا يحكم بما أنزل على رسوله ﷺ، فلا إمامة له فقد خان عهده وخرج من دين الله وطاعته، فيجب تغيره والخروج عليه ونفيه من الأرض!، قال الله تبارك وتعالى: (وَبَٰرَكۡنَا عَلَيۡهِ وَعَلَىٰٓ إِسۡحَٰقَۚ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحۡسِنٞ وَظَالِمٞ لِّنَفۡسِهِۦ مُبِينٞ ) 113 الصافات، فاستحقاق الإمامة والقيادة وولاية أمر المسلمين يكون بالإيمان والتقوى والصلاح، والتزام دين الله وتطبيقه وطاعة الله وطاعة رسوله ﷺ وتحقيق العدل والإنصاف بين الناس، بالحكم والتحاكم لشرع الله، وغيرذلك يكون إدعاء وتسلط وحكم بغيرما أنزل الله، بالأحكام والقوانين الوضعيه والأهواء  والإستعانة بأهل الكفر، كما هو حال حكام بلاد المسلمين هذه الأيام، وقال الله تبارك وتعالى في سورة الأنعام على لسان سيدنا إبراهيم عليه السلام، وهو يرد على قومه وهم يخوفونه غضب آلهتهم: ( وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ) 82 الأنعام، يتعجب سيدنا إبراهيم عليه السلام وكل مؤمن بعده، من بجاحة الكفار وجهلهم يخوفون المؤمنين من سخط وغضب الهتهم العاجزة القاصرة الموهومة، وحتى لو كان في الكفار قوة بطش واستبداد، فهم في واقعهم وفي حس المؤمن وتقديره، أمام قدرالله وقدرته وعظمته سبحانه وتعالى عما يشركون (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ) الفرقان 44، فالكفارأحق بالخوف من الله من المؤمنين، وعليهم أن  يتصوروا ما ينتظرهم من عذاب الله وسخطه، و(الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ) الذين أمنوا وأخلصوا دينهم لله ولرسوله ﷺ، وصدقوا الله ورسوله ﷺ، وعملوا بشرع الله، وأقاموا دين الله وطبقوا شريعته وحكموا وتحاكموا لكتاب الله وسنة رسوله ﷺ، ونظمواحياتهم بشرع الله حصريا، ولم يكن ولائهم إلا لله ولرسوله ﷺ وللمؤمنين (أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ) عَنْ عبدِ اللَّهِ بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عنْه، قالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هذِه الآيَةُ: ( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ ) شَقَّ ذلكَ علَى أصْحابِ النَّبيِّ ﷺ، وقالوا: أيُّنا لَمْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ؟ فقالَ رَسولُ اللَّهِ ﷺ: ليسَ كما تَظُنُّونَ، إنَّما هو كما قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ: ( يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) 13 لقمان، صحيح البخاري، لقد شق الأمر على الصحابة رضوان الله عليهم، فمن من المسلمين لا يظلم نفسه بتقصيرها عن واجباتها، فقال رسول الله ﷺ: ليس كما تظنون، إنما كما قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ: ( يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) والشرك هنا بمعنى من يجعل لله ندا يقر له بحق التشريع وتنظيم حياة الناس وحكمها، قال الله تبارك وتعالى : ( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ )31 التوبه، عن عدي بن حاتم قال: أتيت رسولَ الله ﷺ وفي عُنُقي صليبٌ من ذهب، فقال: يا عديّ، اطرح هذا الوثنَ من عنقك ! قال: فطرحته، وانتهيت إليه وهو يقرأ في سورة براءة، فقرأ هذه الآية:  ( اتخذوا أحبارهم ورُهبانهم أربابًا من دون الله )، قال قلت : يا رسول الله ، إنا لسنا نعبدُهم ! فقال: «أليس يحرِّمون ما أحلَّ الله فتحرِّمونه، ويحلُّون ما حرَّم الله فتحلُّونه ؟ قال: قلت: بلى! قال: فتلك عبادتهم لهم»!، فهم لم يتوجهوا للرهبان والأحبار بالشعائر التعبدية من صلاة وتعظيم وتقديس، بل التزموا بالأنظمة والقوانين والأحكام التي شرعها الرهبان والأحبار لتنظيم حياة الناس، أي انهم حكموا الناس بغير ما أنزل الله، خلافا لأمرالله وأمر رسوله ﷺ، فكانت تلك عبادتهم لهم من دون الله، بمعنى أن من يرفض الحكم بما أنزل لا يؤمن بالإسلام، وأن المرء يعبد من يشرع له ويتبعه في الحكم والتشريع، فليحذر المسلمين حكاما ومحكومين من الحكم والتحاكم لغير شرع الله!، قال الله تبارك وتعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) 65 النساء، يقسم الله تبارك وتعالى بأن هؤلاء الذين يزعمون الإيمان ولا يتحاكمون إلى ما أنزل الله على سيدنا محمد ﷺ، ليسوا بمؤمنين ويعلق إيمانهم بحكمهم بكتاب الله وسنة رسولهﷺ على وجه الحق والصدق ( وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) والحكم بما أنزل الله شرط الإيمان الذي لا يصح بدونه إسلام، ومطلوب من  كل الناس على الإطلاق أن يحكموا ويتحاكموا لشرع الله (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) لا يؤمنون حقا وصدقا ولا يقبل لهم إيمان إلا بالحكم والتحاكم فعلا لكتاب الله وسنة رسولهﷺ، ولا يكون في أنفسهم ضيق ولا حرجا، بل القبول والرضى والتسليم بشرع الله تبارك وتعالى وحكمه، مسيرا ومهيمنا ومنظما لشؤون الحياة والحكم، بالتزام الشريعة الإسلامية تنظيم حياتهم وتحكمها، لدفع التظالم وفصل التخاصم وتحقيق العدل والإنصاف بين الناس ورعايتهم، من هنا كانت السيادة للشرع بمعنى أن المهيمن والمسيطر والمنظم لشؤون الحياة، هو الشريعة الإسلامية حصريا، ذلك أن الحكم بما أنزل الله لا يأتي لكم إلا بالخير في الدنيا والآخرة فالتزموا دينكم وتمسكوا به فإنه طاعة ربكم وطاعة رسولكمﷺ، والتزموا هدي نبيكم ونهجه ومنهاجه، والله من وراء القصد عليه التكلان ومنه الرحمة والغفران،ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الكَافِرينَ، رَب اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ ولمن له حق علي، وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين،

 ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾.

CATEGORIES
Share This