اتحاد الشغل: منظمة نقابية أم مؤسسة حكومية؟

اتحاد الشغل: منظمة نقابية أم مؤسسة حكومية؟

ليس عيبا أن يشتغل أحدنا بالسياسة وأن تكون له مواقف سياسية من القضايا الجارية، فالكل راع والكل مسؤول عن رعيته كما هو مفترض، ولكن أن يصبح العمل النقابي والدفاع عن العمال مطية وغطاء لممارسة العمل السياسي فذلك ما قد يفقد صاحبه جزء من المصداقية، أما إذا تحول هذا الدور النقابي إلى ممارسات سياسية دورية تنوب الحكومة في أعمالها وتغطي فشلها عبر امتصاص غضب الناس فذلك هو التضليل السياسي بعينه.

دور اتحاد الشغل في تونس

لم يعد غريبا على الناس أن تجد الاتحاد العام التونسي للشغل في كل مناسبة سياسية هامة تمر بها البلاد، باعتباره ممثلا لطبقة العمال والكادحين في الظاهر أو ربما باعتباره “القوة الأولى في البلاد” كما يريد أن يقنع بذلك نفسه، حيث كاد يدخل موسوعة “غينيس” للأرقام القياسية في شن الإضرابات العامة فوق حصوله على جائزة نوبل للسلام باعتباره إحدى قوائم الحمار الوطني الأربعة الذي تمتطيه الديمقراطية الناشئة في تونس إلى يوم الناس هذا.

للإتحاد تاريخ عريق في ممارسة الإستقطاب السياسي، بدأ منذ اغتيال فرحات حشاد رحمه الله، حيث صارت الحادثة أشبه بقميص عثمان، لا تكاد تخلو مناسبة من الاستثمار فيها، وكأن عصابة “اليد الحمراء” لم تقم بهذا العمل الإرهابي إلا من أجل إسناد هذا الدور السياسي للمنظمة الشغيلة.

اضرابات، اعتصامات، مظاهرات، مفاوضات تنتهي بمسك العصا من الوسط، كلها مراحل مدروسة مع النظام لاحتواء غضب الشارع، حيث كانت كل تحركات الإتحاد الجهوية تتم بالتنسيق مع البوليس السياسي بعناوين نضالية مختلفة، يرفعها الأمين العام للإتحاد طيلة العام في نفس الوقت الذي يحضر فيه احتفالات السابع من نوفمبر.

آخر حلقة من حلقات النضال الذي خاضها الإتحاد ضد نظام بن علي، كانت يوم 12 جانفي 2011 في صفاقس، يوم أن اقترح الكاتب العام السابق محمد شعبان خريطة طريق تتكون من عشر نقاط للعدول عن الثورة والعودة إلى حضن النظام بعد “إجبار” حكومة محمد الغنوشي على تبني هذا المقترح “النقابي” الفذ.

ولذلك، لا يجب أن نتفاجئ حين نعلم أن نفس هذا الكاتب العام قد ترشح مؤخرا بحضور كل من نورالدين الطبوبي وعبد السلام جراد في سابقة فريدة من نوعها بعد أن تمّ تكريمه وتوديعه في المؤتمر السابق الذي شهد انتخاب الهادي بن جمعة الكاتب العام الحالي.

ليس مهما عند الاتحاد أن يفرق الناس بين النقابي والسياسي، فصداقته العجيبة مع منظمة الأعراف، وتدخله في تعيين الوزراء ورؤساء الحكومات وتوقيع الإتفاقيات مع جهات أجنبية نيابة عن الحكومة والتفاوض مع مؤسسات النهب الدولي ولقاء قياداته بسفراء الدول الأجنبية وتدخله في شؤون المساجد ووصايته على الخطاب الإسلامي وغيرها من الأعمال السياسية التي تقفز على دور الدولة ومؤسساتها، كلها تعطيه السلطة الأدبية لإقناع منظوريه بأنه بصدد الدفاع عن مصالحهم وأن كل ما أسند إليه من أدوار هو فقط من أجل تحسين كتلة الأجور وبالتالي تحسين القدرة الشرائية للبسطاء الذين يجب عليهم تصديق هذا الكم الهائل من الإخراج السينمائي وإقناع أنفسهم بأنهم يسيرون نحو الأفضل بوقوفهم مع تونس على حد قول رئيس الحكومة الحالي.

الأكثر من ذلك، أن كل الوعود الزائفة التي أطلقتها الحكومات المتعاقبة كانت برعاية اتحاد الشغل ليس آخرها وعود الحكومة لمعتصمي الجنوب التونسي حيث عادت تنسيقية الكامور تحتج من جديد أمام مقر ولاية تطاوين ودخلت في اعتصام مفتوح معتبرة أن ما تم الاتفاق عليه في شهر جوان الفارط بقي حبرا على ورق.

كل هذا ليس مهما، ولكن المهم أن يقتنع جميعنا بأن جميع إنجازات الإتحاد العام التونسي للشغل وجميع إضراباته الناجحة طيلة هذه السنوات لم تكن تهدف البتة إلى ضرب القطاع العام لصالح القطاع الخاص سواء كان ذلك في مجال الطب والتعليم أم في الشركات الحكومية على غرار شركة الكهرباء والغاز وشركة فسفاط قفصة، حتى وإن كانت النتيجة العملية لتعطيل الإنتاج تفويت في القطاع العام وخصخصته بالكامل، لسبب وحيد هو أن اتحاد الشغل استطاع مؤخرا تغيير قيادته “الشريرة” بقيادة أطلقت حملة الدفاع عن القطاع العام، هذا كله في ظل الحفاظ على موقف “الحياد” من شركات النهب المنظم لثروات البلد واعتبار الخوض في مثل هذه المواضيع خطا أحمرا، لأن الحديث عن الشركات البترولية المنتصبة في تونس يتجاوز العمل النقابي على ما يبدو.

فهل سيبتلع بعضهم الطعم مجددا طمعا في تحسن القدرة الشرائية أم أن دور اتحاد الشغل صار أوضح من أن يشار إليه بالإصبع حتى داخل الإتحاد نفسه؟ إلى حين تجد البقية المتبقية الإجابة، سنحاول أن نقنع أنفسنا بأن هذه المنظمة لم تغرق بعد في مستنقع المال السياسي القذر ولم تتشوه بأدران الإملاءات الخارجية كباقي من يشتغل بالسياسة تحت سقف هذا النظام الرأسمالي القذر.

هل من بديل عن اتحاد الشغل؟

إن التدهور الاقتصادي المريع المتمثل في حالة الغلاء الطاحن، التي يكتوي بها أهل تونس، وتراجع قيمة الدينار وتعويمه، والتضييق على أعمال الناس بالجبايات المحرّمة وارتفاع نسب البطالة من أصحاب الشهائد العليا، وحصر المشكلة في وزير المالية حينا وفي محافظ البنك المركزي حينا آخر، كل ذلك إنما هو ثمرة لعقود من تطبيق النظام الرأسمالي وتحكم الاستعمار في اقتصادياتنا منذ أيام بورقيبة إلى يوم الناس هذا، والتفكير داخل منظومة هذا النظام الفاشل في معالجة مشكلات الناس، بل هو ثمرة الانصياع التام لوصفة صندوق النقد الدولي: (ما يسمى برفع الدعم – تقليل الإنفاق الحكومي على مصالح الناس من علاج وتعليم ومياه وبيئة وغيرها – خصخصة مؤسسات الدولة لتمكين الشركات الرأسمالية من نهب ثروات البلاد–تسريح أصحاب الوظيفة العمومية)، ويراد من تلك المنظومة من المعالجات الرأسمالية الفاشلة تأهيل البلاد لدفع القروض الربوية (صك العبودية الدائم).

إن معالجة الأزمات الاقتصادية، تبدأ بالتفكير خارج صندوق الرأسمالية لا التفكير داخل صندوق منظمات تقتات من النظام الرأسمالي ولا تمانع من بقائه، ولا شك أن التفكير العميق المستنير، إنما يقود إلى الإسلام العظيم وأحكامه، بوصفها العلاج الناجع لهذه المشكلات الاقتصادية، ولجميع مشكلات الإنسان مؤجرا كان أم أجيرا، وهذه الأحكام مؤصلة مفصلة في أدبيات حزب التحرير يطرحها لا من باب المزايدة السياسية وإنما بوصفها أحكاما شرعية.

أما التخلي عن نظام كامل شامل ضمن حقوق العمال ومن سواهم، والدفاع عن فئة من الناس من باب الرضا بترقيع اشتراكي للمنظومة الرأسمالية كأمر واقع، فهو فوق أنه يطيل عمر الأزمة من باب (وداوني بالتي كانت هي الداء) فإنه مخالف لأحكام الشرع الذي أمر بالاحتكام إلى الله ورسوله في كل أمر من أمورنا، اقتصاديا كان أم اجتماعيا أم سياسيا. قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا

أما تطبيق ذلك عمليا، فلا يكون إلا في دولة رعاية وحكم رشيد، هي دولة الخلافة القادمة قريبا بإذن لله.

وسام الأطرش

CATEGORIES
TAGS
Share This