اذا سألت أحدهم من هو اتحاد الشغل؟ بجيبك دون تردد هو منظمة نقابية تدافع عن حقوق التونسيين وعلى رأسهم الطبقة العاملة والطبقة المهمشة وسائر الرازحين تحت نير الحيف والمكتوين بنار الجور والتعسف. هذه هي اجمالا الصورة التسويقية لاتحاد الشغل منذ تأسيسيه في 20 جانفي سنة 1947 إلى اليوم وكلما اهتزت تلك الصورة ترى أسراب الغربان المتمعشة من موائد الاتحاد تنتشر في كل مكان تدافع عنه بكل ما اوتيت من قوة لتنفي عنه تقاسم الأدوار مع السلطة تارة ومزايدته عليها تارة أخرى لغاية في نفوس قادته تحلق جميعها بعيدا عن مصلحة البلاد وأهلها هذا فضلا عن احاطة الاتحاد بهالة حصينة من القداسة تجعله فوق المحاسبة والويل كل الويل لمن ينتقد الاتحاد أو أحد “مناضليه” فكل من يتجرأ على نقده يرمى بالخيانة ويتهم بخدمة أجندات أطراف متربصة بتونس.
وبناء عليه ظل اتحاد الشغل فوق المحاسبة حتى وإن أتى الشيء ونقيضه وقام بتحركات لا صلة لها لا من قريب ولا من بعيد بحقوق الطبقة العاملة ولا بالشريحة المهمشة فقط هي تحركات لا تتخطى أرباحها دائرة بعض النقابات وروافدها. فأكمة النضالية التي يعتليها قادة اتحاد الشغل وراءها ما وراءها فهو اما مساند للسلطة أو مناوئ لها حسب ما يغنمه من مكاسب فالنضال لديه غير محدد المعالم وله أوجه متعددة والثابت غير المتحرك هو ما يغنمه قادته ومن يدور في فلكهم, ومن ثوابت اتحاد الشغل أيضا وهذا هو الأهم السهر بمعية من في السلطة على حماية النظام الديمقراطي الوضعي فهما كانت الساق التي يرقص عليها الاتحاد فهو لا يتزحزح قيد أنملة عن الطريق المرسوم سلفا من قبل القوى الاستعمارية وهو ترسيخ وترسيخ النظام الديمقراطي والوقوف مع أية حكومة كانت وسواء عارضها أو ساندها ضد كل ما من شأنه أن يقوض هذا النظام المشؤوم .
نضاليته زمن “بن علي”
كان اتحاد الشغل ولا يزال بوقا بيد من يضمن له المكاسب والمغانم بعد ضمان مصالح دولة المسؤول الكبير والاطمئنان على استمرار ضخّ خيراتنا في خزائنها. هذا البوق استنجد به المخلوع “بن علي” طيلة فترة اقامته في قصر قرطاج وساعده إلى أبعد حدّ في اطالة بقائه فيه وإطالة سياسة القهر والسحق والسحل التي مارسها “بن علي” وزبانيته فالمسؤول الكبير في ذلك الوقت كان يعول على القمع والاستبداد ليستمر النظام الوضعي ويستمر هو في نهب وسلب خيراتنا وقد وجد ضالته في “بن علي” كما وجدها من قبل في “بورقيبة” وسائر حكام بلاد المسلمين وبدوره وجد “بن علي” ضالته في اتحاد الشغل القوة الضاربة في البلاد حيث لا نكاد نذكر للاتحاد اضرابا واحدا بعد 7 نوفمبر 2007 حتى وإن حصل وشنت نقابة ما اضراب هنا أوهناك فهو بأمر من المخلوع وبترتيب منه ليذكر الناس ببعض اكاذيب الديمقراطية من جهة ولخصم من جراية المضربين من جهة أخرى حتى أنه كان يغضب وبشدة حين يضرب الاتحاد ليوم واحد وكان يقول ” ألم نتفق أن يقوم الاتحاد بإضراب بيومين لخصم جرايتهما…”أي انها اضرابات تفتعلها قيادات الاتحاد ليخصم “بن علي” من اجور الموظفين ويدخره لنفسه. وبلغ نضال الاتحاد زمن “بن علي ذروته إلى حد مناشدته للترشح إلى الرئاسة سنة 1994 وفي سنة 2004 يصدر بيانا يدعو فيه قواعده مساندة “بن علي” في الانتخابات الرئاسية. وقد بعث الأمين العام للاتحاد للمخلوع ببرقية يؤكد له فيها ولاء الاتحاد المطلق لصانع التغيير, جاء فيها “… لقد قررت الهيئة الإدارية الوطنية للاتحاد بعد نقاش حر ديمقراطي مساندة ترشحكم للفترة الرئاسية المقبلة ودعت النقابيين والعمال إلى التصويت لفائدتكم تجسيما لهذا القرار.. كما أن هذا القرار هو تأكيد أخر على دعم النقابيين لنهج الاصلاح والتغيير الذي أرسيتموه منذ التحول من أجل انجاح مسيرة بلادنا.. ” واستمر الاتحاد في نضاله زمن “بن علي” إلى الرمق الأخير من فترة حكمه إلى أن هبت رياح الثورة وعصفت بكرس “بن علي” وبات النظام ومن ورائه مصالح دولة المسؤول الكبير في خطر.
تغيير الجبة بعد الثورة
بمجرد بزوغ شمس يوم 14 جانفي 2011وتأكد الجميع أن فترة حكم “بن علي” أصبحت من الماضي غير اتحاد الشغل اتجاه بوصلة نضاله نحو الضفة الأخرى أين يقف الساخطون والثائرون على “بن علي” وزبانيته” ومزق قادته البيان الذي اصدروه يوم 13 جانفي 2011 يساندون فيه المخلوع ويصفون الخارجين عليه بأبشع النعوت وانخرطوا جميعهم في سب وشتم ولي نعمتهم بعد تأكدهم من هبوط طائرته بأحد مطارات “السعودية” دون رجعة وارتدى كل واحد منهم جبة نضال مغايرة وانحازوا للثائرين واصبح الاتحاد الناطق الرسمي لمن شردهم وجوعهم “بن علي” وضاقت بهم سجونه وأقبية أمنه واستخباراته.
فجأة أصبح الاتحاد همه الوحيد هو مشاغل الناس وفي لمح البصر تحول من مساند ل”بن علي” باسم الديمقراطية إلى لاعن له وساخط عليه تحت نفس المسمى ، الديمقراطية وما انبثق عنها. وفي هذا لم يكن الاتحاد مراوغا أو مخاتلا لأن زمن العصا الغليظة ولى وانقضى ولم يعد من الممكن جلوس من على شاكلة “بن علي” على الكرسي” فالناس ثاروا على الظلم والقهر وهم في طريقهم إلى معرفة مكمن عذابهم ومعاناتهم في عهدي “بورقيبة” والمخلوع ومن ثمة ستفقد القوى الاستعمارية حصانتها المكفولة بتطبيق النظام الديمقراطي الوضعي, لهذا وقف الاتحاد في صفّ من ثار على “بن علي” وسار في ركب الثورة دون أن يتخل عن أحد ثوابته وهو اغتنام الفرص وتحقيق المكاسب وهذا يفسره مزايدته على السلطة واستغلال مثالب النظام لفائدته والصاق كل مثلبة فيه بها. فالرقم القياسي للاضطرابات التي نفذها الاتحاد بعد الثورة كانت لخدمة حزب على حساب أخر ولمصلحة أشخاص دون أشخاص وتبقى أم المصالح هي استمرار هذا النظام الوضعي الفاسد التي يمثل الاتحاد شأنه شأن السلطة التي ساندها بالأمس ويساندها اليوم أحد وجهيها.