اتحاد الشغل و”مؤتمر التمديد”: الديمقراطية في خدمة الفاسدين

اتحاد الشغل و”مؤتمر التمديد”: الديمقراطية في خدمة الفاسدين

جعل كهنة المعبد من الديمقراطية بوصفها حكم الشعب من الشعب الإله الذي يسود على بقية الآلهة مثل الحريات الأربع والتعددية -شريطة ألا تتجاوز حدود المعبد- والتداول على السلطة عبر انتخابات لا تحمل مراكبها إلا البضائع المزجاة. وغيرها من الأوثان المنتصبة بأروقة وساحات المعبد يعكف عليها الكهنة والسدنة والدراويش محاطة بهالة عظيمة من الاجلال والتقديس ويغدقون عليها الهبات والقرابين وفي المطلق تكون القرابين المقدمة أقوات المستضعفين وكرامتهم فضلا عن دمائهم وأرواحهم.

وكسائر الديانات التي صنعت وحيكت في محاريب الضلال والتضليل وتدار حسب الأهواء وما تهواه الأنفس المريضة، تتلون الديمقراطية وتتكيف وفق مصالح وأطماع كهنتها والقائمين على أداء طقوسها، فوثن التداول على السلطة ترى القوم حوله رُكّعا سُجّدا إذا كان المشهد يقتضي استبدال وجوه بأخرى ولا تسمع إلا التسابيح بحمده والترنم بقدسيته وعظمته.. أما إذا كانت مصالح حراس المعبد وكهنته تستوجب الابقاء على نفس التركيبة لغاية في نفس المسؤول الكبير ومن بعده أذياله يداس هذا الوثن وتنزع عنه القداسة لفائدة وثن آخر من أوثان المعبد, وعادة ما يكون استفتاء الناس على تحوير وتغيير ملامح وثن ثالث والذي هو في الغالب دستور لم تعد فصوله أو بعضها تلبي حاجة حماة المعبد الديمقراطي, وهذا ما أقدم عليه المخلوع “بن علي” الذي تسلل إلى كرسي الحكم ولم يمر عبر أروقة المعبد لكنه تلافى الأمر سريعا وجثم على ركبتيه في خشوع أمام الوثن الأعظم وأقسم بجميع الأيمان الديمقراطية بأنه سينصر إلهه وإلاه أسياده ويستجيب لدعواه بإلغائه معصية الرئاسة مدى الحياة وأردف قسمه بقسم آخر أعظم وأغلظ بأن لا يبقى في قصر قرطاج أكثر من عهدتين مدة الواحدة خمس سنوات لن يزيد عنها يوما واحدا ثم فسح المجال لجوقة الدجل والنفاق لتطبل لهذا التمشي الديمقراطي وتشيد بتعفف “بن علي” عن السلطة التي لولا حبه لتونس وأهلها وتقديسه للديمقراطية ما طلب ودها عن طريق انقلاب قيل عنه أنه هو أيضا ديمقراطي ولا علاقة له بالانقلابات التي تمجّها الديمقراطية لا من قريب ولا من بعيد.

استتب الأمر ل “بن علي” وتمكن من إحكام قبضته على البلاد بعد أن عادت آلة القمع والبطش إلى سالف نشاطها وانطلق “بن علي” من حيث توقف “بورقيبة” تفقير وتجويع، تشريد وتجهيل زائد التعامل مع استخبارات “كيان يهود” مع اطلاق أيادي بطانته لتعيث في البلاد فساد وإفساد وأثناء ذلك “بن علي” ملتزم بما يأمر به الوثن الأعظم, حيث كرس التعددية الحزبية لكنها من محض الصدفة كل الأحزاب التي تعارضه لا تعشق من الألوان إلا اللون البنفسجي ولا تعرف من شهور السنة الشمسية إلا شهر نوفمبر ولا تحسن العد بعد سبعة ليغرق العباد والعباد في ظلمة السابع من الشهر الحادي عشر الحالكة.

وهو ينعم في فساده وإفساده رفقة زمرته تذكر “بن علي” العهد الذي قطعه على نفسه بين يدي إلهه في معبد الديمقراطية وقسمه بأن لا يعصي أوامر وثنه ويكرس شعيرة التداول السلمي على السلطة وأفاق على ورطة كبيرة. ما العمل ؟ وقد شارفت عهدته الثانية على النهاية. وسيترك الكرسي لفاسد غيره يستفيد من قوانين وتشريعات النظام الديمقراطي الفاسد. صاح “بن علي” وهرع إليه من في المعبد جميعا بين مهرول وزاحف واصطفوا خلفه في خشوع يتذرعون لوثنهم الأكبر-الديمقراطية- عله يغيث “بن علي” ويغيثهم ويجد له مخرج ولا يغادر قصر قرطاج. في سرعة البرق حظر الحل وحالهم الإله الأعظم على آلهة من صلبه ألا وهي استفتاء الشعب –استفتاء صوري- على تنقيح الدستور والتنصيص على تمديد فترة حكم “بن علي” وهذا ما تم بالفعل, واستمر “بن علي” يسوم الناس سوء العذاب قرابة ربع قرن.

فرّ “بن علي” وترك خلفه الطابور الخامس المتكون من المناشدين والمبيضيين للإجرام والفساد “النوفمبري”. تركهم ووثنهم الذي لم يبرحوا عليه عاكفين وملتزمين بما توحيه أليهم شياطينه، ويتقدم هؤلاء زمرة من الأحزاب واتحاد الشغل الذي طالما تزلف لبن علي وأشاد بسياسته إلى حدّ مناشدته بتمديد فترة بقائه في الحكم, كيف لا والاتحاد يعد من أهم ان لم يكن أهم كهنة المعبد بعد البرلمان فالاتحاد لم ينتظر طويلا بعد فرار “بن علي” وانخرط سريعا في الثورة وانقلب على مواقفه السابقة تجاه سياسة المخلوع وفق ما تمليه عليه تعاليم المعبد الديمقراطي علما أن للاتحاد وثن موضوع على الرف يشبه إلى حد كبير الدستور اسمه القانون الأساسي الداخلي, ولم يسبق لأحد أن تجرأ على هذا القانون وخاصة فصله رقم 20 الذي ينص على أن أعضاء المكتب التنفيذي يتم انتخابهم لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة. كل المكاتب التنفيذية للاتحاد دانت رقابها لهذا الفصل وخضعت له ومع انتهاء عهدة كل مكتب تنفيذي والشروع في انتخاب آخر تنهمر الخطب من كل حدب وصوب تشيد بالتزام أعضاء الاتحاد بتعاليم الديمقراطية ويتبجحون بأن الاتحاد هو القلعة التي تحمي المعبد وأن ارواح أعضاء الاتحاد كلها فداء له وما تشبثهم بفريضة التداول على رئاسة الاتحاد الا دليل عل صدقهم وإخلاصهم وصفاء سريرتهم، إلى أن جاء المكتب التنفيذي الحالي برئاسة “نور الدين الطبوبي”. ويبدو أن الالتزام بتعاليم الفصل 20 يتعارض مع مصالح القائمين على المنظمة الشغيلة أو أنهم لم يحققوا بعد كل مآربهم ولم يبلغوا ما بلغه أسلافهم في حصد المكاسب أو أن أحد المسؤولين الكبار راض عنهم تمام الرضا ولا يرغب في استبدالهم.. لجأ الأمين العام للاتحاد إلى نفس ملجأ “بن علي” وهو إحدى ضلالات الديمقراطية والمتمثلة في أجراء استفتاء حول تنقيح القانون الداخلي وقد حشد الطبوبي لهذا أعضاء المجلس الوطني للتصويت على عقد مؤتمر استثنائي غير انتخابي لتنقيح القانون الداخلي، تحصل “الطبوبي” على ما يريد وبنسبة 96 بالمائة –على حد زعمهم- وسيتجه الان لعقد مؤتمر استثنائي لتنقيح القانون الاساسي للسماح لأعضاء المكتب التنفيذي الحالي الترشح لعهدة ثالثة. حصل هذا رغم موجة الرفض العارمة داخل الاتحاد لحركة أمينه العام.

المؤيد يقدم البرهان والدليل على أن هذا الاجراء من صميم تعاليم الديمقراطية والمعارض له يجزم بأنه عمل من رجس الشيطان وكفر بوثن الديمقراطية وخروج عن أوامر ونواهي المعبد. كل يكيف ما تدعوا له الديمقراطية حسب ما تمليه مصلحته ومصلحة الجهة التي ينفذ أجنداتها شأنه شأن الحكام والأحزاب التي اتخذت من الديمقراطية إله يعبد من دون الله, والجميع في غيهم يعمهون ما داموا لا يرجون لله الواحد الأحد وقارا ولا يحتكمون لأحكام شرعه.

حسن نوير

CATEGORIES
TAGS
Share This