اتفاقية ”الأيليكا”.. تهديد لما بقي من لقمة عيش التونسي..

اتفاقية ”الأيليكا”.. تهديد لما بقي من لقمة عيش التونسي..

يقوم المعهد العربي لرؤساء المؤسسات هذه الأيام على إعداد مؤشر تقبل لإتفاق التبادل الحر الشامل والمعمق بين تونس والإتحاد الأوروبي, المعروف إختصارا باسم “أيليكا”, الإتفاق الذي يقول منظروه أنه يؤسس «لفضاء اقتصادي مشترك», هذا الإتفاق الذي يكاد يكون سريا في المفاوضات الدائرة حوله دون ضجيج إعلامي ولا إعتبار جدي لخطورته على جل القطاعات الحيوية في البلاد وتهديده للأمن الغذائي خاصة. فوفق ما أوردته وكالة تونس إفريقيا للأنباء يوم 9 جوان 2017 فإن العدد، الذي أسنده القطاع الخاص لهذا الإتفاق، (في حدود 56 نقطة)، لا يدل بشكل جلي عن رفض أو قبول إعتماد الإتفاق وفق النسخة الثانية من مؤشر تقبل الأيليكا في تونس.

وللإشارة نذكر أنه قد تم إعتماد مخطط العمل للشراكة المميزة بين تونس والاتحاد الأوروبي سياسيا منذ نوفمبر 2012 الذي وقع عليه آن ذاك السيد حمادي الجبالي رئيس حكومة الترويكا المنبثقة عن انتخابات 2011 دون استشارة أي طرف والذي تم التوقيع عليه من طرف السيد مهدي جمعة رئيس حكومة التكنوقراط خلال الدورة العاشرة لمجلس الشراكة التونسي الأوروبي الذي انعقد يوم 14 أفريل 2014 أيضا دون أي احتراز.

المفاوضات التي انطلقت تحت مسمى اتفاق الشراكة الكامل والعميق ALECA  تندرج في سياق مخطط العمل المبرم بين الطرفين في سنة 2012 (plan d’action 2013 -2017) وهذا المخطط يرسم الخطوط الكبرى للشراكة بين الطرفين في جميع المجالات الأمنية والإستخباراتية والاقتصادية والثقافية والعلمية والمالية والتجارية وغيرها, لذلك لا بد للمتتبع من الإطلاع على هذا المخطط نظرا لما يتضمنه من تعهدات من قبل الطرف التونسي بالقيام بجملة من الإصلاحات مقابل حصول تونس على مرتبة الشريك المميّز مع الإتحاد الأوروبي.

بعد دمار الصناعة باتفاق سنة 1996 يأتي الدور على الفلاحة باتفاق (أيليكا)

إتفاق سيكون وبالا على البلاد بشهادة عديد المختصين في الإقتصاد و منظمات المجتمع المدني وأولها إتحاد الشغل و المنتدى الإقتصادي والإجتماعي, حيث أن الموقعين على هذا الإتفاق من وزراء ومسؤولين لم يعيروا للوضع التنموي المعدوم في البلاد أي اعتبار, وساروا في التفاوض بشأنه لتنفيذه دونما تشاور مع اصحاب الشأن في تونس, رغم علمهم بما خلفته اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الاوروبي لسنة 1995 من دمار للنسيج الصناعي الداخلي التي مكنت من تدفق البضائع المصنعة أوروبيا بشكل كبير بعد أن تم تخفيض المراقبة الديوانية عليها ما سبب خسائر كبرى للسوق التونسية و”تبخيس” الإنتاج المحلي بحكم ضعف آليات الإنتاج وساهم بشكل كبير في ازدياد نسبة البطالة, بعد أن أفلست المئات من المؤسسات المتوسطة والصغرى وبضعة عشرات من المصانع الكبرى وذلك لعدم قدرتها على المنافسة والصمود أمام الشروط والترتيبات الغير عادلة, كما أن غياب البنية التحتية اللازمة والتكوين الأمثل وعدم التساوي في الأداءات والمصاريف وتحديد مواصفات على مقاس الأجانب رجحت الكفة لفائدتهم وزجت بمؤسساتنا المحلية في عديد الصعوبات أدت ببعضها إلى الإفلاس والغلق,  وبعد كل هذا فلا شك من علم سلطات الإشراف بما سيخلفه مشروع التبادل الحر الشامل والمعمق بلا شك من دمار وخسارة لقطاعي الفلاحة والخدمات.

فبالنسبة للقطاع الذي سيتأثر بشكل سلبي ومباشر من هذا الإتفاق حد الإنهيار هو قطاع الفلاحة والصيد البحري الذي تم الإتفاق بشأنه على تسعة محاور وهي:

– دعم وضع برامج سنوية للتنمية الفلاحية والريفية (ENPARD).

– دعم وضع إستراتجية وطنية للتنمية الفلاحية وتعزيز الأمن الغذائي والإستغلال المستدام للموارد الطبيعيّة وتعزيز التصدير والتأقلم مع التغيرات المناخية.

– متابعة وتعزيز التعاون وتبادل المعلومات والخبرات في مجال السياسات الفلاحية.

– دعم رفع مستوي القطاع الفلاحي للضيعات الفلاحية والمؤسسات الفلاحية والهياكل الداعمة لها.

– تطوير وتدعيم  المؤسسات المهنية التونسية في مجال الفلاحة بتحسين التمثيلية داخلها وجدواها في ترويج وتنظيم القطاعات الفلاحية والصناعات الفلاحية.

– تعزيز الشراكة بين الهياكل المهنية الفلاحية التونسية ونظيرتها الأوروبية  لتطوير دورها في الإحاطة في مجال التكوين والتعميم والإرشاد والتسويق.

– وضع سياسة إستراتجية وطنية للفلاحة البيولوجية ودعم تطابقها مع التشريعات والسياسات الأوروبية.

– وضع سياسة إستراتيجيّة وطنية في قطاع الصيد البحري للاستغلال المستدام لموارد مصائد الأسماك وتعزيز البنية التحتية للموانئ وتثمين منتوجات الصيد البحري ورفع قدرتها التنافسية وترويج تربية الأسماك في المياه العذبة.

– تطوير التعاون مع الإتحاد الأوروبي في إطار المنظمات الجهوية لإدارة الصيدORPs) ( CICTA

(CGPM) لاستغلال مستدام للموارد.

محاور وردت في صيغة مطلقة دونما توضيح للجانب العملي سواء المالي أو الإجرائي حيث يكتنفها الغموض في الغاية من انجازها, فكما تم التعتيم على كيفية التفاوض، وهوية الفريق الذي يقود عملية التفاوض وخاصة الحدود السياديّة  التي يتحتم التمسّك بها وعدم المساس به, يتم التعتيم على كيفية تفعيل نوعية من الإستشارة وتكوين مؤشر لن يعكس حقيقة موقف المؤسسات المستهدفة منه مباشرة. فلعل الأمر مقصود لغاية في نفوس الأوروبيين المستعمرين, كي يبقى مفاوضوهم متمكنين ومن هامش كبير من المناورة وتمرير الشروط وتحقيق المكاسب من هذا الإتفاق دونما أي فهم من الطرف التونسي الراضخ بطبعه بعد أن قبل بالإنفتاح الكلي للإقتصاد التونسي أمام أوروبا رغم علمه بانعدام التكافؤ بين المؤسسات التونسية والأوروبية  والتفاوت الكبير في مستويات الإنتاج والمقدرة الإنتاجية ما يجعل تونس عاجزة على الإستفادة من هذه الإتفاقية تماما.

فبهذه البنود سيزداد حجم العجز لدى الفلاح وترتفع تكاليف الإنتاج مباشرة بعد دخول مستثمرين ومنتجين من الضفة الأخرى بأساليب ووسائل إنتاج متطورة, يصبح التنافس في السوق الداخلية حينها غير متكافئ ولا متجانس نظرا لعدم تنصيص الإتفاق على شروط لدخول الأوروبيين إلى تونس بحيث يمكنهم التوافد دون قيد, في حين يشترط دخول التونسيين إلى أوروبا الحصول على تأشيرة ترفض دول الإتحاد منحها إلا “للنخبة” الإقتصادية, أي لأصحاب رؤوس الأموال النافذين أو أصحاب الخبرات العلمية التي ستتمكن من الإستفادة من وجودهم فيها.

فقد عبر القطاع الفلاحي بعدد مسند في حدود 44 نقطة، عن رفضه إعتماد إتفاق (أيليكا) في تونس, وترى المؤسسات الفاعلة في القطاع أن الإتفاق هو بمثابة تهديد لنشاطها, هذا ولا يزال الموقف الجماعي والإجماعي للشعب بأكمله لم يتم التطرق إليه عمدا, لا من قبل السلطات المعنية ولا من قبل الإعلام لأن موقفه (الشعب) معروف في قضية كهذه التي تمس قوته وقوته وأمنه الغذائي.

فيما لم يدل قطاع الخدمات، المتحصل على 51 نقطة، بموقفه تجاه “الأيليكا” بالرفض أو القبول, ربما لعدم الإتصال بأغلب رؤساء المؤسسات الفاعلة في ميدان الخدمات من تعليم وصحة وسياحة  وصناعات تقليدية ونقل وثقافة وتعليم عالي وبحث علمي وغيرها, ولا شك في لحاقها بركب الموائد المقدمة للمالك الأوروبي.

بهكذا اتفاق يظهر البون جليا بين دول قائمة الذات تعقد الإتفاقات لتفتح أبواب الربح لرعيتها وتفرض الشروط والقيود والحدود علنا مقابل أشباه حكام يقبلون كل ما يفرض عليهم ولو كان عقد خراب للبيت الذي هم ساكنوه, مطأطئي الرأس مهطعين قانعين النفس بأنهم شركاء وعلى طاولة النقاش والتفاوض بعد أن رضوا الذل لأنفسهم و لمن خلفهم من ملايين الناس التي ما عاد ينطلي عليهم ما يمكرون.

مهما تكن نتائج هذا المؤشر  في نهايته, سواء قبولا أو رفضا, فإن النتيجة الحتمية لتطبيق هذا الاتفاق ستكون وخيمة و أخطرها تقليص دور الدولة في التصرف في القطاعات الحساسة والأساسية التي يرتكز عليها اقتصاد البلاد, خصوصا الفلاحة والطاقة والصحة وبذلك تفقد الدولة دورها في مراقبة المنافسة بين القطاع الخاص وما تشرف عليه مباشرة, ما سيجعل من “المستثمرين” الجدد والذين سيكونون أوروبيين بالضرورة نظرا لما سيلقونه من تسهيلات, متسلطين على رقاب الناس متحكمين في معاشهم, وفق ما سيشترطون بوصفهم مالكين وأصحاب وسائل الإنتاج, ويزيد من إحكام قبضة “المسؤول الكبير” على مفاصل البلاد في كل تفاصيلها بعد أن كان قد رسم الخطوط العريضة لتسييرها من داخل الوزارات  وفق نهجه ورؤيته الخاصة, برضا تام من مسؤوليها المحليين.

أبرز المحطات التاريخية للإتفاقات الاقتصادية بين تونس والإتحاد الأوروبي:

 _أول إتفاق تجاري بين تونس والسوق الأوروبية المشتركة (الاتحاد سابقا) في 1969، تبعها اتفاقية تعاون في 1976. في 1979، فتحت المفوضية الأوروبية مكتب بعثتها في تونس، الذي أصبح بعثة الاتحاد الأوروبي في 1 ديسمبر 2009.

_في 1995، أصبحت تونس أول بلد من جنوب المتوسط التي توقع اتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي

 لا يزال هذا الاتفاق الأساس القانوني للتعاون الثنائي بينهم. وأخيرا، خطة عمل الجوار، وضعت في 2005، أنشأت الأهداف الاستراتيجية لهذا التعاون، تم تجديده _في 2013 لمدة خمس سنوات..

_بعد الثورة التونسية في 2011، قرر الاتحاد الأوروبي رفع دعمه المالي لتونس، وتوسيع مجالات التعاون لتشمل المجتمع المدني والإعلام، والتنمية الإقليمية والمحلية، والإصلاح الاجتماعي.

_مستوى الشراكة المميزة بين الاتحاد الأوروبي وتونس تم توقيعه في 19 نوفمبر 2012، وهدفه الأساسي هو تطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية بهدف تنصيب اتفاق التبادل الحر الشامل والمعمق “أيليكا” الذي انطلق التفاوض بخصوصه يوم 13 أكتوبر 2015 بمناسبة الزيارة الرسمية للمفوض الأوروبي “سيسيليا مالموستروم”.

أحمد بنفتيته

CATEGORIES
TAGS
Share This