احتجاجات إيران: بين الدّوافع الدّاخلية ومكر الدّول الإستعمارية
تشهد إيران منذ الأيام الأخيرة من عام 2017 تظاهرات إحتجاجية إنطلقت من مدينة مشهد طالب فيها المتظاهرون باستعادة أموالٍ خسروها في مشاريع وهمية أو شركات مالية كانت تعلق آمالاً على انتعاش اقتصادي بعد الاتفاق النووي.
ولم تلبث الاحتجاجات أن انتشرت إلى عدد من المدن بما فيها العاصمة طهران ، وامتدت لتشمل مدن شيراز وأصفهان و المناطق المهمشة في كرمنشاه غربي البلاد . وتتميز هذه الاحتجاجات بمشاركة قطاعات من الفئات الفقيرة في مقابل انتفاضة عام 2009 (الحركة الخضراء) التي انطلقت من فئات الطبقات الوسطى في المدن وطلبة الجامعات ورفعت منذ البداية مطالب سياسية متعلقة أساساً بالحريات ونزاهة الانتخابات.
في البداية أشير إلى أنّ ما يجري في إيران ليس ثورة ، و إنّما هو عبارة عن تظاهرات وإحتجاجات ، ولكنّه قد يصبح ثورة إذا انخرطت فيها شرائح اجتماعية أوسع خاصة من الطبقات الوسطى ، حيث يتركّز جمهور هذه الاحتجاجات على الطبقات المهمشة والفقيرة،. كما تتسم هذه الاحتجاجات بأنّها بلا قيادة سياسية أو دعم من أي تيارٍ سياسي حتى الآن، وبعبارة أخرى، ليس هناك تنظيم يقود الاحتجاجات ولا ما يشير إلى وجود تحالفات تعكس وحدة الأهداف بين المحتجين.
الوضع الاقتصادي منطلق الأزمة
ثمة إجماع على أن التردي الاقتصادي يمثل السبب الرئيس وراء الاحتجاجات الأخيرة، وأن هذا العامل مرتبط بنتائج الاتفاق النووي الذي وقعته إيران مع القوى الكبرى (5+1) في صيف 2015. فمع توقيع الاتفاق النووي، ارتفع سقف التوقعات وساد إيران حالة من التفاؤل بأن الوضع الاقتصادي سوف يتحسّن.
قبل ذلك، ومنذ مرحلة نجاد، بدأت مؤسسات مالية في إطلاق وعود وتقديم إغراءات لتشجيع المواطنين على استثمار أموالهم في مشاريع تشرف عليها. ويبدو أن بعض تلك المؤسسات كان وهمياً هدفه استغلال أحلام المواطنين بتحقيق أرباح سريعة.
من جهة أخرى، وأمام التأخر في تنفيذ رفع العقوبات المرتبطة بالاتفاق النووي، تأثر القطاع المالي في إيران، ويبدو أن هذا التأثير امتد إلى شركات ومؤسسات غدت عاجزة عن إعادة أموال المودعين الذين طالبوا باستعادتها.
ومع فشل الحكومة في تأدية دور لحماية المواطنين، ورفضها تعويض الجزء الأكبر من الخسارة، ثار غضب أولئك المودعين فكانت تلك الشرارة التي دفعت المتظاهرين للخروج في مدينة مشهد.
إضافة إلى الانتقاد العام لمشروع الموازنة المقترحة من حكومة حسن روحاني البالغة 104 مليارات دولار، والتي تنوي تقليل الاعتماد على النفط إلى نسبة 35 في المئة، مع رفع للدعم عن بعض السلع ورفع سعر المحروقات، وزيادة في الضرائب.
لقد كان الغضب من الاستثمارات الوهمية التي خسر بعض الإيرانيين أموالهم بسببها الشرارة التي أطلقت التظاهرات، لكن انتشارها يشير إلى مشاكل اقتصادية ومعيشية كبرى يعانيها المجتمع الإيراني كله؛ فالمؤشرات الاقتصادية الكلية حول إيران سلبية إجمالاً، إذ يبلغ معدل التضخم نحو 17 في المئة، وهناك ارتفاعات مطّردة شهرياً في الأسعار، ما يعكس ضعف القوة الشرائية للريال الإيراني، كما وصل معدل البطالة وفق الأرقام الرسمية إلى نحو 12 في المئة، في حين تتحدث الأرقام غير الرسمية عن ضعف هذه النسبة أي نحو 24 في المئة. وبحسب تقديرات مختلفة، هناك نحو 25 مليون نسمة يعيشون تحت خط الفقر في إيران في بلد يفوق تعداد سكانه الثّمانون مليون . ويزيد الأمور تعقيداً بالنسبة إلى الوضع الاقتصادي انخفاض أسعار النفط عالمياً.
هجوم على السياسة الخارجية أيضاً
مع سوء الوضع الاقتصادي والانتقادات الموجهة إلى سياسات الحكومة في هذا المجال، تبدو السياسة الخارجية هدفاً للمتظاهرين الذي يستسهلون الربط بين الأوضاع الاقتصادية في إيران والمغامرات الإيرانية في الخارج، ويرون أن النظام السياسي لا يضع إيران والإيرانيين على رأس أولوياته؛ فالاستمرار في دعم حزب الله ونظام بشار الأسد في لبنان وسورية، وتدخلات إيران الإقليمية في اليمن و البحرين ومشاريعها في بناء النفوذ والسيطرة، تزيد من فقر الإيرانيين.
الرواية الرسمية للحكومة الإيرانية تبرّر التكلفة التي يتطلبها التورط العسكري المباشر الخارجي
بأنّ ما تقوم به من تدخلات في سورية وأماكن أخرى يهدف إلى حماية إيران وتأمين مصالحها .وهاته التبريرات والتعلّلات لم تعد مقبولة من الرأي العام الإيراني، الذي لديه تصورٌ مخالفٌ لما يحاول أن يفرضه النظام السياسي من تفسير لسياسته الخارجية ودوافعها في المنطقة، وهذا في حد ذاته يظهر أن ثمة فجوة كبيرة بين النظام الإيراني وقطاع واسع من الرأي العام.
المواقف الدولية
يبدو أن اللاعبين الدوليين متفقين في طريقة تعاطيهم مع الاحتجاجات، ففي الوقت الذي تبدو فيه إدارة دونالد ترامب مستعدة في الظاهرلدعم تلك الاحتجاجات، ولكنها الآن أصبحت تحذر من انزلاق إيران إلى السيناريو السوري ، فقد قالت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي الجمعة05 جانفي 2018 إن “التطورات في إيران تخص مسألة أساسية هي ضمان حقوق الإنسان للشعب الإيراني، إلى جانب أنها مسألة سلام وأمن دوليين”. و لكنّها في المقابل حذرت من خطر انزلاق إيران إلى السيناريو السوري، مشيرة إلى أن “العالم شاهد الفظائع التي تشهدها سوريا، والتي بدأت بعد رفض النظام الدموي حق الشعب في الاحتجاج السلمي”. ودعت المجتمع الدولي إلى منع حدوث ذلك، مشددة على ضرورة عدم “السماح بتكرار سيناريو سوريا في إيران”.
فمنذ بداية هاته التظاهرات في إيران تبنّاها المسؤولون الأمريكان بمن فيهم الرئيس ترامب ومجّدوها، كما مجّد من قبله أوباما ثورة سوريا وهو يقتلها، حتى يضفون لها الصورة السيّئة و الخبيثة بأنها تبع لأمريكا وصنيعة لها فيتركها الناس ، و لكن خاب أملهم و خسر رهانهم.
وفي حين ترى روسيا أنه ليس من المصلحة أن تتطور الأمور في إيران إلى عنف يهدد الدولة والمجتمع. وفي المقابل، ومع الانتقادات الأوروبية لردّ النظام الإيراني حول سقوط ضحايا بسبب هذه التظاهرات، لا يبدو أن الأوروبيين راغبون في حصول هزة سياسية كبرى غير محسوبة النتائج. فمنذ الربيع العربي يسود في أوروبا مزاجٌ معادٍ للتغيير في المنطقة. ومن جهة أخرى، لا يبدو أن للمواقف الغربية التي تبدي حرصاً على الديمقراطية وحقوق الإنسان في إيران أي صدقية لدى الرأي العام الإيراني الذي يرى أن تلك الدول لا تهتم إلا بمصالحها؛ لهذا سارعت إلى الحصول على جزء من “كعكعة” الاستثمارات وعقود البنية التحتية في إيران عندما تسابقت لتوقيع الاتفاق النووي من دون أي شروط متعلقة بحقوق الإنسان والمواطن في إيران، أو في سوريا وغيرها.