احتجاجات المظيلة وحركة الثورة المستمرّة في تونس
تشهد البلاد موجة جديدة من الإضرابات والاحتجاجات هذه الأسابيع شملت العديد من القطاعات ، ومن الوهلة الأولى نتبيّن أنّ هاته التحرّكات في تنوعها واستمرارها وتواصل بعضها منذ في بعض القطاعات منذ سنوات, لم تكن بالضرورة وراءها فئات مهمّشة تنتظر إعانات ومساعدات من الحكومة، بل تطالب بحقّها كاملا غير منقوص في الحياة الكريمة ، بعد أن حرمت منها جيلا بعد جيل، ونتبيّن كذلك أنّ أسباب هاته الاحتجاجات عكس ما هو شائع وأنّ مردّها إلى فشل الحكومات المتعاقبة وعجزها عن رعاية شؤون النّاس الرعاية الصحيحة، فعجز الحكومات وفشلها ليس بالأمر الجديد، وإنّما هو قديم قِدم وجودها, ولم تكن في يوم من الأيام تفكّر في النّاس ولا في رعايتهم، إلاّ أنّ الأمر المستجدّ هو حصول الوعي عند النّاس من أنّ الدولة تعني الرعاية وهم عازمون على استرداد دولة الرعاية واسترجاع سلطانهم عليها.
الحوض المنجمي : عود على بدء
على عكس توقّعات الذين استبشروا خيرا بعودة الفسفاط إلى نفس وتيرة الانتاج الكاملة، في مختلف مدن الحوض المنجمي، عاد التوتّر إلى مدينة المظيلة، حيث تواصلت موجة الاحتجاجات المطالبة بكفّ التتبعات القضائية التي طالت عددا من المحتجّين، وبتحديد حصّة المنطقة من برامج الانتداب الخاص بشركة فسفاط قفصة والمجمع الكيميائي التونسي، وبوقف نشاط هذا المعمل تكون كل أنشطة قطاعي الفسفاط والأسمدة بمعتمدية المظيلة قد تعطّلت كلّيا من جديد بسبب الاحتجاجات، إضافة إلى تواصل وقف أنشطة شركة فسفاط قفصة.
المظيلة :عودة للخيام والإعتصامات
وعادت الخيام على بوابات مقاطع الإنتاج ونقاط الشحن، وحاولت مجموعات من الشباب المحتجين مرات عديدة نصب خيام اعتصام جديدة، هذا الأمر اعتبره المتابعون بمثابة نهاية الهُدنة، وعودة إلى سالف الإضرابات وتعطيل الإنتاج قد تمتد إلى مدن أخرى إذا ما استمر الحال على ما هو عليه ولم تغيّر الحكومة بالخصوص سياستها القائمة على إغداق الوعود، وعدم الإيفاء بها، وإمضاء الاتفاقات وعدم تفعيلها.
قطاع الصحة: تواصل إضراب الأطباء الشبان والمقيمين
ومعهم طلبة الأقسام النهائية العاملون بالأقسام الداخلية على خلفية مطالب تحسين أوضاع كانوا رفعوها منذ أكثر من خمسين يوما، وحيث تكاد المرافق الصحية العمومية تشارف على التوقف نهائيا عن إسداء الخدمات الطبية الأساسية إلى المرضى, فإنّ سلطة الإشراف لا تحرك ساكنا غير أنها تواصل التلاعب بالاتفاقات والتراجع كل يوم عن التعهدات التي تقطعها في اليوم الذي سبقه.
قطاع التعليم الثانوي: إصرار على الإضراب العام وحجب الأعداد
يبدو أن المفاوضات وصلت إلى طريق مسدودة بين الوزارة والنقابة العامة، فنقابة الثانوي لازالت مصرّة
على إضراب عام بكل المعاهد والمدارس الثانوية يوم الثامن والعشرين من الشهر الجاري ومصرّة أيضا
على المواصلة في حجب الأعداد على الوزارة.
ولم يتوقّف الأمر عند الفسفاط والتعليم والصحة, بل تعدّاها هذه المرة إلى قطاعات اعتقد القائمون على
شؤون البلاد أنها لا تحتاج إلى استنفار من نوع خاص بل اعتقدوا أنها من القطاعات الهادئة نسبيا التي لا
تتحرك بشكل متواتر, وحتى لو تحرّكت فإنها عادة ما تصل إلى اتفاق وتعود إلى العمل بسرعة, ومنها:
قطاع المطارات والموانئ الجوية: حركة احتجاجية جديدة
حيث أعلنت النقابة الأساسية لفنيي الملاحة الجوية بديوان الطيران المدني والمطارات عن تنفيذ إضراب بـ 3 أيّام (23، 24 و25 مارس 2018)
وهذا الإضراب يأتي بسبب ما وصفته بـ«تعنت الإدارة ومواصلتها سياسة المماطلة والتسويف وعدم
الإلتزام بتعهداتها في تطبيق النقاط المدرجة ببرقية الإضراب والمتعلقة بعدد من المطالب الاجتماعية
والمهنية.
سوّاق واصحاب التاكسيات: اضراب وطني
يستعد سوّاق وأصحاب التاكسيات الفردية للدخول في إضراب وطني يوم 26 مارس الجاري حيث تعددت مطالبهم في الفترة الأخيرة أمام مماطلة وزارة النقل في الإستجابة لمطالبهم وعجزها عن إيجاد أرضية تفاهم مع هذا القطاع الهام
إضرابات مؤجلة
أضف إلى كل هذه التحركات الإضراب المؤجل في قطاع النفط والشركات البترولية، والوضعية
المتردية في التعليم العالي حيث لازال أكثر من أربعين في المائة من الطلبة لم يقدّموا امتحاناتهم.
تحوّلات وتحدّيات ومسؤوليات
إنّ بلادنا و سائر بلاد المسلمين تشهد تحوّلات محورية بعد استفاقة “موضعيّة” نتجت عنها احتجاجات عامة على حالة الفقر والقهر والظلم والذلّ والفساد والاستبداد ، فلا بدّ أن يدركوا أنّ ما يصلح أحوالهم يجب أن يكون نظاما قويما بديلا عن نظام يحوي بداخله لبِنات لصنع كل ما عاشوه ويعيشونه من ضنك الحياة, وأنّ كل محاولات الظفر بالقليل من الإصلاح ما هي إلا محاولات إقناع للنفس بأن ليس بالإمكان أفضل مما كان, وهي مقولة لا تتطابق مع واقع عامة الشعوب الإسلامية اليوم, فأهل تونس أول من تخطّوا حاجز الخوف واستطاعوا أن يفتكّا حقّهم في الكلمة وبإمكانهم افتكاك حقّهم في البلاد كلّها ليحضوا بالعيش الكريم وفق ما يرتضيه رب السماوات والأرض لا ربّ الهوى والنظام الموضوع من وراء البحار الذي سرعان ما يعود للبطش كلّما عاد أهل الباطل والظلم من مريدي الحكم بالهوى إلى قتالهم الشعب في سبيل المنصب والكرسي الدنيوي.
فالإسلام وحده فكرا و سياسة واقتصادا الذي يؤهلهم من إكتساب المعايير الحياة السليمة ومحاسبة كلّ من ينحرف عن جادة الحق.
محمد زروق
CATEGORIES محلي