استراتيتجية إدارة ترامب تجاه إيران والاتفاق النووي
أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الجمعة ١٣/١٠/٢٠١٧، عدم تصديقه على التزام إيران بالاتفاق النووي، وهدد أن بإمكانه إلغاء الاتفاق في أي وقت، متهماً إيران بعدم احترام روح الاتفاق، واستمرار سعيها لامتلاك السلاح النووي، ووضع ترامب الكرة في ملعب الكونغرس من أجل معالجة “العديد من نقاط الضعف العميق في الاتفاق”، الأمر الذي يعني أن قرار إعادة فرض عقوبات على إيران من عدمه سيكون بيد الكونغرس وليس بيد ترامب، وهدد ترامب قائلاً “لكن إذا لم نتمكن من إيجاد حل من خلال العمل مع الكونغرس وحلفائنا فإن الاتفاق سينتهي. إنه يخضع للتدقيق الدائم ويمكنني كرئيس إلغاء مشاركتنا في أي وقت”.
وأبرز ما تضمنه خطاب ترامب:
– هذا النظام الراديكالي نشر الموت والدمار والفوضى في أنحاء العالم، مذكرا بما حدث في السفارة الأمريكية في طهران وبحزب إيران في لبنان عامي 1983 و1984، وقتل تفجير آخر مدعوم من إيران 241 أمريكيا يخدمون في ثكناتهم في بيروت عام 1983.
وفي 1996النظام (الإيراني) قاد عملية تفجير أخرى ضد مساكن لعسكريين أمريكيين في السعودية وقتل 19 أمريكيا بدم بارد. ودور إيران في العراق والسعودية وأفغانستان وتقديم الدعم لكل حركات (التطرف والإرهاب) وتطوير الأسلحة والصواريخ فضلا عن قمع رعاياه… هذه أبرز النقاط التي وردت في الخطاب، ويحسن بنا أن نذكر أهم بنود الاتفاق:
- (تمتنع إيران عن تركيب أجهزة الطرد المركزي الجديدة، وعن استخدام الآلاف من الأجهزة التي تمّ تثبيتها بالفعل، ولم يتم استخدامها في تخصيب اليورانيوم بعد.
- لن يُسمح بزيادة مخزون الوقود النووي الإيراني إلى أكثر من مستوياته الحالية خلال ستة أشهر، وهذا يعني أنّ إيران أمام خيارين، إما وقف تخصيب اليورانيوم، أو تحويل الوقود النووي إلى لوحات معدنية.
- موافقة إيران على وقف إنتاج كل ما يسمى “باليورانيوم المخصب بنسبة 20%”، وهذا نوع من الوقود يمكن تحويله بسهولة إلى يورانيوم عالي الخصوبة، ويستخدم في صنع القنابل النووية.
- يجب تحويل مخزون إيران من الوقود النووي المخصب بنسبة 20% إلى معدن، أو مزجه مع اليورانيوم الطبيعي للحدّ من نقاوته، مع العلم أن وزن الوقود أقل من 450 باوند.
- توقف إيران عن بناء قضبان الوقود وغيرها من المكونات في منشأة آراك للبلوتونيوم.
- خضوع المنشآت النووية الإيرانية لمراقبة غير مسبوقة، وزيارات يومية من قبل المفتشين الدوليين، الذين سيحصلون على تسجيلات فيديو عن بعد من خلال كاميرات المراقبة.
- ستتلقى إيران حوافز اقتصادية بقيمة 7 مليارات دولار، على مدى ستة أشهر من توقيع الاتفاق المؤقت.)
والناظر في هذه البنود يجد أنها بنود ذلة ومهانة لإيران وتنازل وخيانة، وأن الاتفاق النووي لصالح الغرب ويهود بشكل واضح لا لبس فيه، ولكن ما الذي دفع أمريكا لعقد هذا الاتفاق، وما الذي تغير حاليا ليجعل من إدارة ترامب تطالب بتغيير بنوده وتعديله أو التهديد بإلغائه؟
فإن الجواب على ذلك هو أن الظروف التي حدثت في المنطقة من ثورات الربيع العربي التي نشأت بتحرك ذاتي مفاجئ للغرب قد زاد من حدة مأزق الغرب بعامة وأمريكا بخاصة في المنطقة، ولم تكن بيد أمريكا آنذاك الكثير من الأوراق لتحريكها وهي أصلا مأزومة في التورط بالعراق وأفغانستان ومأزومة ماليا واقتصاديا، مع تصاعد القوى الإقليمية في أكثر من مكان حيوي في العالم، وكان أكبر الخطر في ثورة الشام شعار الإسلام ورايته وذكر الخلافة، وهم يدركون عظمة الخلافة وقوتها وشوق الأمة لها، فمن الذي سيقف في وجه الأمة ومشروعها في ظل الأزمة الأمريكية السياسية والمالية وضعف مصر صاحبة الدور المحوري لا بل قد أصابها الربيع فأشغلها بذاتها، وضعف هيمنة أردوغان ومحدودية قدرته وحركته في الداخل فضلا عن الخارج، مع وجود قوى مناوئة له حقيقة ووجود أدوات لدول مناوئة لأمريكا ولا تسير معها في المنطقة تشوش عليها خططها مثل بلاد الحجاز إبان حكم عبد الله آل سعود والخليج بعامة، إذاً نحن أمام موقف معقّد؛ مأزق أمريكا السياسي والعسكري والمالي وضعف الأدوات مع تشويش آخرين عليها، ولا يوجد غير النظام الإيراني في المنطقة الذي يعادي مشروع الأمة عقائديا، وكان سبق لأمريكا أن استخدمته في كل من العراق وأفغانستان وقام بدور خياني كبير جدا، ولولاه لغرقت أمريكا في الوحل كما سبق واعترف رفسنجاني الرئيس الأسبق لإيران، وكانت إيران آنذاك مكبلة بقيود دولية ومصنفة على محور الشر ومعزولة عالميا وتوجد قوانين أمريكية وغربية تمنع من التعامل مع إيران أو الاستثمار فيها، وهذه القيود تمنع إيران من حرية الحركة وقدرتها على تمويلها والدور الذي يجب أن تقوم به، ولا يوجد غيرها آنذاك بيد أمريكا، فكانت أمريكا بأشد الحاجة لإطلاق يد إيران ورفع القيود المكبّلة لها والمقيّدة لتقوم بالدور المرسوم، ومن هنا نفهم تشدد إدارة أوباما لعقد الاتفاق مع إيران برغم معارضة الجمهوريين لدوافع حزبية وليس سياسية استراتيجية وبرغم معارضة كيان يهود للدور العسكري في المنطقة وموقف نتنياهو منه، ولكن حاجة أمريكا لدور إيران كان كبيرا بالرغم من كونه مذلا لإيران لكنه يرفع القيود التي تكبّل إيران خاصة تلك القيود الاقتصادية والمالية وحجز الأموال لتنفق إيران على الدور الذي يحتاج إمكانيات هائلة، لذا كان هذا الاتفاق، بل يجب أن يكون الاتفاق في ذلك الوقت لإنقاذ مصالح أمريكا في المنطقة والوقوف في وجه الأمة وكل من يشوش على المخططات الأمريكية، وحُصِر هذا الدور بإيران لأنها الوحيدة القادرة إن رفعت تلك القيود.
لقد عدّ أوباما هذا الاتفاق النووي من أعظم أعماله خلال ولايته، وهذا صحيح في تلك الفترة، ولكن ما الذي تغير؟
لقد طرأ تغير ملحوظ في المنطقة وبشكل كبير من الانتكاسات في الربيع العربي وتعددت الأوراق (العملاء) بيد أمريكا؛ فأصبح أردوغان قويا بعد محاولة الانقلاب الفاشلة والإجراءات التي اتخذها ضد المناوئين له، وانتقلت السعودية إلى حضن أمريكا بعد مجيء سلمان، ونوعا ما تعافت مصر وبدأت تعود لدورها القديم، وهذه قوى في المنطقة لا شك أنها تحتاج إلى دور حقيقي وظاهر وقوي أمام شعوبها لتقوم بما يناط بها خاصة بعد إدراك أمريكا ضعف القدرة الإيرانية في ثورة الشام واضطرارها لاستخدام ورقة روسيا مع كل ما استخدمته إيران من إمكانيات وطاقات وأدوات ومليشيات طائفية وجندت كل شياطين الأرض، وبرغم كل هذا عجزت عن القضاء على ثورة الشام، فضلا عن أن الدور الإيراني منبوذ ومحتقر من الأمة ولن ينجح، خاصة بعد دورها في العراق وأفغانستان والشام، وليس معنى هذا الاستغناء عن الدور الإيراني بعد صعود القوى وتعدد العملاء، بل الدور الإيراني استراتيجي بالنسبة لأمريكا ولكن تغير الظروف جعل من أمريكا تعيد النظر في شروط الاتفاق لتحجيمه وتحديده وإعادة تموضعه لإعطاء دور وأدوار لكل من تركيا ومصر والسعودية وإبراز هذه الدول وقيامها بخدمة المخططات الأمريكية في المنطقة وبكل قوة ما بين الدور السياسي (السهم المسموم) لتركيا والمال السياسي القذر للسعودية والدور السياسي لمصر في المنطقة، فاقتضى هذا التغير إعادة النظر في شروط الاتفاق، فالمسألة ليست شخصية لإدارة ترامب، فأمريكا دولة تحكمها مؤسسات وليس فردا بحيث ينقلب على الاستراتيجيات العميقة للكيان السياسي، ولو كان أوباما في الحكم لقام بما يقوم به ترامب حاليا.
هذا أبرز جانب في إعادة النظر في شروط الاتفاق، وهناك جانب آخر ينسجم مع دور ترامب في الحكم وهو القيام بشيطنة إيران وتأزيم العلاقة معها والتحدث بما تحدث به ترامب من أجل إخافة دول الخليج منها بحيث ترتمي وتطالب بالحماية الأمريكية وتقوم بعقد الصفقات العسكرية وشراء الأسلحة.
وهذه المسألة الجديدة في نظرة أمريكا – في عهد ترامب – وهي إلزام العالم بالدفع مقابل الحماية الأمريكية لهم، وقد طالب ترامب بشكل وقح بأن تدفع دول العالم لأمريكا مقابل حمايتها لها من الأخطار، وشمل الطلب كلاً من اليابان وكوريا، ودول أوروبا الأطلسية، ودول الخليج الغنية ليست استثناءً، بل هي أسهل الصيد، وهذا الأمر يقتضي حتما شيطنة إيران وإظهار خطرها على الخليج من أجل دفع الأموال لأمريكا مقابل الحماية وعقد صفقات الأسلحة ذات الأرقام الفكلية.
وأخيرا إن سياسة أمريكا تجاه إيران لا تؤخذ من تمتمات ترامب على التويتر ولا من التصريحات النارية ولا من الخطب الرنانة، وإنما تؤخذ من السياسة الفعلية على الأرض لما تقوم به أمريكا بعيدا عن التضليل والكذب والخطابات النارية والتهديدات الفارغة من الطرفين، فالعلاقة بين أمريكا وإيران استراتيجية بكل معنى الكلمة، وهي ليست وليدة الأحداث الحالية بل منذ الثورة الإيرانية ذات القطار الأمريكي، وحاجة أمريكا لإيران تفوق حاجة أمريكا لكيان يهود بل كيان يهود عبء عليها، أما إيران ودور إيران ومكانة إيران فتدركها أمريكا قديما وكانت من أوائل الدول في الصراع الدولي في المنطقة، فإيران مصلحة استراتيجية حقيقية، أما الدور المنوط بها اتساعا وتحديدا وقوة وضعفا وتموضعا فيخضع للنظر تبعا للظروف السياسية والموقف الإقليمي والإمكانيات وليس تغييرا في الاستراتيجيات.
بقلم: حسن حمدان