اعتصام أبناء العائلات المعوزة من أصحاب الشهائد العليا: ما أحوجنا الى دولة الاسلام دولة الرعاية

اعتصام أبناء العائلات المعوزة من أصحاب الشهائد العليا: ما أحوجنا الى دولة الاسلام دولة الرعاية

بدأت مجموعة من أبناء العائلات المعوزة,أصحاب الشهائد العليا, اعتصاما أمام وزارة الشؤون الاجتماعية منذ ما يزيد عن ستّ أشهر. وبعد قد قرّر هؤلاء المعتصمين فكّ الاعتصام و ترحيله الى الجهات للضغط من هناك على الجهات المسؤولة ,لتحقيق مطالبهم. وهم يعتقدون أنّ باعتصامهم سيجدون من يستمع إليهم في ظلّ نظام ليبرالي متوحّش .لا ينظر الى الانسان إلّا غنيمة ينهبها.

فالنظام القابع على كاهلنا, لا يمكنه البتّة رعاية شؤون النّاس, لأنّه بكلّ بساطة لا ينظر الا الى تضخيم الانتاج وتحقيق الأرباح, ولا يحسب للإنسان حسابا. فكلّ همّ القائمين عليه تحقيق المعادلة في الموازنات ,إمّا ميزان مدفوعات, أو ميزان تجاري .. أي أن تربح الدولة وناهبوها, ولا يهمّ إن جاع الانسان او احتاج, فهو بكلّ بساطة لا يملك أساليب التنافس للوصول الى الثروة. وبذلك يقبع أغلبية النّاس في غياهب الفقر والجوع حتى في دول تشهد نموّا اقتصاديا مرتفعا, فالمشكلة للمعتصمين ليست عند وزير الشؤون الاجتماعية, فهذا الوزير لم يُطالب بإيجاد حلول لهم, حتى وإن أراد التّحدّث إليهم. فمهمّته الأساسيّة هي التظاهر بالعمل على إيجاد حلول لأزمة الصناديق الاجتماعية, والتّمهيد تدريجيا للتفويت فيها إلى الخواصّ القادرين على انعاشها “حسب ما يدعون”, وجعلها مؤسّسات مربحة. وهي في الأصل مُجمّعة من أموال النّاس ,على أساس أنّ النّظام لا ينظر إلّا للذي يعمل ويدفع الضرائب, لعلّه حينها يمنّ عليه بخدمات .ويُسمّيه مواطنا.

إنّ عجز النّظام الرّسمالي على رعاية النّاس جعله يُلفّق نفسه ظاهريّا بهذه الصّناديق الاجتماعية, التي أضحت مؤسسات ربحيّة, تتمّ سرقتها في كلّ مرحلة سياسية. وحتى ما يُسمّى بمنظمات المجتمع المدني التي أقنعت الشباب المعتصم بفكّ الاعتصام والتفرّق الى الجهات, زعما بأنّ الضغط على الجهات المسؤولة في الولايات سيكشف الغُمّة, ما هي إلّا مُسكّنات, توفّر للمسؤولين كلمااشتدت عليهم وطأة المطلبو المتنفس المؤقت إلى حين تجد الوزارة مخرجا أو سلسلة من المبرّرات لتسردها على المعتصمين.

إن ظنّ المعتصمين المتنقلين بمطالبهم نحو السلطات الجهوية,بأنّها ستقدر على إيجاد الحلول, هو ظنّ من يرى السّراب ماء. فهؤلاء المتخرجون من الجامعات التّونسيّة, لم يُدركوا أنّ المدرسة التّونسية منذ تأسيسها, لم تكن أبدا تبني الإنسان, بل كانت أهدافها –التي أسسها لوي ماشويل الفرنسي منذ 1908, والتي ركزها جون دوبياس في وريقاته التي سمّاها “اصلاح التعليم في تونس” سنة 1958 التي تعاقبت عليها كلّ الاصلاحات اللاحقة- كانت ترتكز أساسا على مواكبة المدرسة التونسية لمتطلبات السوق العالمية, أي يتم تخريج الشباب لكي يكون على ذمّة اصحاب المال والشركات الكبرى, ويموت في سبيل أن يحقق لهم القدر الأكبر من الأرباح.

إن هذه البطالة في صفوف أصحاب الشهائد العليا, كانت متوقّعة من قبل الخبراء منذ البدايات الأولى للمدرسة التونسية لأنّ هدفها الرئيس كان ولا يزال تخريج شخصيات على مقاس بعض الشركات النّاهبة التي تقوم بعمليّة الغربلة وتأخذ ما تحتاج إليهو في حين تبقى البقية تنتظر الدور حتى المشيب, .ففي النظّام الرّأسمالي تؤخذ الدنيا غلابا, و إنما الغلبة لمن يملك القوّة والمال.

وفي ظلّ الارتهان لشروط صندوق النّقد الدولي ,كانت سياسة التّقشف أو بالأحرى “نهب الجيوب” هي الأساس بالنسبة للدولة, وقد أعلنت في العديد من المراحل, أنها ستوقف الانتدابات في الوظيفة العمومية, وأنّها ستقوم بإصلاح المؤسسات العمومية في ظلّ الشراكة بين القطاع العام والخاص. أي أن نظرها على المؤسسة وليس على الإنسان .فلينتظر الشباب في هذه البلاد حتى يعمل في ظلّ إجارة إن أكل بها فطور صباحه لم يجد ما يسكت جوعة عياله في العشاء.

فالمشكلة أنّ النّظام من أساسه لا يستطيع أصلا أن يرعى شؤون النّاس.لأنه قام على أساس خاطئ و بنظرة خاطئة للإنسان. فهو الذي خلقه ربه, ولا يعرف خباياه إلا الحكيم العليم, محتاج لحاجيات أساسية معلومة,وهو يطلبها من نظام لا يعترف بها .فالأصل هنا أن يرجع الناس الى ربهم ويتبرؤوا من نظام الكفر الذي استعبدهم, فلا رعاهم و لا تركهم يأكلون مما تصنع ايديهم وتعرق عليه جباههم.

إن الإسلام العظيم هو النظام الوحيد الذي ينظر الى الانسان كانسان, دونما أي تمييز ولا تفريق كان, فكرمه وجعل له نظاما يرتكز أساسا على مفهوم الرعاية, والحماية. ولم يجعل له صناديق تنهب من الناس لعلهم يمرضون او يعجزون أو يحصل لهم طارئ .فالأصل في دور الدولة أن تحرص على توفير المتطلبات الاساسية لرعاياها جميعهم على حد السواء, الذي يعمل والذي لا يعمل للعاجز والطفل والمرأة و..

فكيف للمسلم أن يجوع في هذه البلاد, ويُطلب منه أن ينتظر الى حين ايجاد عمل له؟ فالمشكلة ليست في العمل .بل المشكلة الاساسية في أن الانسان خلقه الله ليعيش انسانا كما ارتضى له ربّه. ولم يخلق الله الإنسان ليلهث ويشقى جريا وراء اللقمة ليلا نهارا, وإنما خلقه لعبادته وحده, ولا تكون عبادة الله بالوجه الذي يُرضيه إلا في دولة تُطبّق شرع الله.

}أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا{. صدق الله العظيم

حاتم الخياري

CATEGORIES
TAGS
Share This