لا شك أن الانتخابات الأخيرة فندت ادعاءات سياسية وأقاويل كان يرددها سياسيون، فنسب الاقبال وسقوط أحزاب وتقهقر أحزاب واندثار أخرى كانت تتكلم بصيغة الوصاية على الناس وعنجهية كبرى، ورفعت من تحركت ضدهم ماكينات اعلامية بتهم الارهاب والتطرف وحتى بإمكانية العلاقة بمن يرفع شعارات اسلامية أو يطرح بدائل ليست علمانية حداثية.
فرغم التجييش الذي مارسته قنوات واذاعات ورغم الأكاذيب والادعاءات الباطلة التي مارستها، ورغم سياسات التخويف ومحاولات تحريك الناس، رغم الأموال الطائلة التي صرفت في الدعايات والاشهارات السياسية، الا أنها لم تحسم النتيجة لصالح لوبيات استملكت البلاد وملكتها بفعل وسائل التظليل خاصة الاعلامية منها.
فنفس الاعلاميين الذين فرحوا وانتشوا في المباشر بانتصار السبسي وحزبه ، هم الذين شكلوا محاكم شعبية للناس فكانوا ناطقين رسميين باسم دكاكين سياسية.
بوبكر عكاشة أحد الاعلاميين البارزين صرح في مداخلة عبر امواج اذاعة “ifm ” “ان نتائج الانتخابات أصابت الإعلاميين بالصدمة لان في اغلبنا افكارنا يسارية صرفة وان الانتخابات اظهرت حدود تفكير الاعلاميين وان الشعب التونسي يعيش واقعا اخر غير الذي ندعيه” متابعا ” نسقط دائما في التطرف والاستعلاء على الشعب.
ووجه بوبكر عكاشة كلامه للإعلاميين ”جاء الوقت لنغير افكارنا ونراجع طريقة نظرتنا للناس فالأغلبية ليسوا تقدميين بل محافظين.
ولكن هذه النتيجة لم تكن سببا كافيا لمراجعة بعض وسائل الاعلام سياساتها الاعلامية بل زادت في فرعنتها وتهجمها الذي طال هذه المرة الشعب باعتبار أنه لم ينساق الى خياراتهم، فوصفوه بأبشع النعوت وحقروه وشتموه
قناة الحوار التونسي كانت من أبرز القنوات التي مثلت رداءة وانحطاط في برامجها ، وان كانت سياساتها التحريرية في أغلب برامجها منذ انطلاقتها في سنة 2011 تندرج ضمن غايات مضبوطة بأجندات سياسية ، تحرض أساسا على كل طرح اسلامي، تسفّه الثورة ، تدعم لوبيات الفساد وتنتج برامج التظليل ، الا أن نتائج الانتخابات وصراع اللوبيات أظهر فيها تشنجا أخرجها حتى عن سياق سياسات الاعلام الموجه ولكن بشكل ناعم ، حتى تشكل ضدها غضب شعبي وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي حملات لمقاطعة صفحتها مما أدى الى سقوط ملون متابع لها في ليلة واحدة ، وحملات أخرى من قبيل الدعوة لمقاطعة برامجها ومستشهريها ووصلت الى انتشار عرائض قانونية لمحاكمتها ومقاضاتها.
ان مثل هذه الوسائل الاعلامية لم تكن مجرد أداة لنشر الخبر وتغطية الأحداث، ولا هي منصة للترفيه أو للثقافة، بل كانت أداة لصناعة جيل يائس بائس، يقتدي بأبطال مسلسلات الرذيلة، يتأثر ببرامج التفكك الأسري، يتأثر ويتشكل فكره بما يطرح ثلة يدعون الفهم والحكمة… ولكن رغم ذلك اصطدموا بأن كل جهدهم لم يكن كافيا لتحقيق غايات تقف وراءها أجندات من وراء البحار تضمن تواصل الاستعمار واستمرار هيمنته.
الانتخابات الأخيرة بأرقامها ومعطياتها التي مثلت شريحة من الناس في تونس بينت أن التوجه العام لا يميل في اتجاه العودة الى الوراء ، فضلا عن المقاطعين الذين كانت وسائل الاعلام وما تنتجه من أبرز أسباب احجامه ومقاطعتهم.
فيما يبقى الطريق لبناء اعلام هادف وراقي, اعلام يخدم قضايا أمته وخال من اللوبيات والمرتزقة مازال طويلا وشاقا ولا يمر عبر الهيئات والوسائل الحالية ولاشك أن اصرار الفاسدين على مصالحهم رأس حربته وسائل اعلام واعلامين مرتزقة يدعون الى الفوضى والفتنة وتهديد الناس ووعيدهم.
م. محمد ياسين صميدة – عضو المكتب الاعلامي لحزب التحرير تونس