التشريع تماما كالخلق هو حق الله وحده ولا يمكن لبشر أن ينازع الله فيه, لهذا كل دستور وضعي هو باطل وفاسد ولا حاجة لمناقشة جدوى فصوله من عدمها, فما بني على باطل فهو باطل وجوبا ولا فرق بين دستور وضعي وآخر مادام أساسه ليس العقيدة الإسلامية وصاغت بنوده وفصوله الأهواء والنزوات كما هو حال كل الدساتير عموما وتلك التي يكتوي بآثامها المسلمون خصوصا منذ هدم دولة الخلافة وتحويل بلاد المسلمين إلى مزق متناثرة لا يربط بينها أي رابط ولا يقام لها وزن, والأدهى أنها جميعها ترزح تحت نير الاستعمار وأطبق على أنفاس أهلها عن طريق حكام خونة أجلسهم على كراسي الحكم وبواسطة تلك الدساتير الوضعية التي صاغتها شياطينه لتخدمه وتجعله يصل إلى مآربه بالشكل الذي جعله يتخلى في احتلال أراضينا عن الجيوش والعتاد ولا يكلف نفسه غير إصدار الأوامر لخدمه وأذياله من الحكام وبطانتهم فينفذونها وهم خانعون صاغرون وكيف لا تكون تلك حالهم وهم أقصوا أحكام الإسلام من دساتيرهم وأداروا لها ظهورهم واستحبوا عليها أحكام الكفر وما تهوى أنفس المسؤولين الكبار وقواهم الاستعمارية, هذا من جانب, ومن جانب آخر دوما ما تكون فصول الدساتير الوضعية فصولا فضفاضة وحمّالة تأويلات لا نهاية لها وكما كانت صياغتها مبنية أساسا على الأهواء والأطماع كذلك هي تأويلات فصولها لا تتم إلا داخل بوتقة المصالح الضيقة والأطماع الذاتية, مما يجعل من تلك الدساتير حاضنة ومصنعة للأزمات وهذا ما تعيش على وقعه تونس هذه الأيام فبعد ما كان يعرف بأزمة التحوير الوزاري وأداء اليمين, طفت على سطح الأحداث أزمة جديدة عنوانها الصلاحيات فقد أستغل الرئيس “قيس سعيد” خطابه أمام عدد من القيادات الأمنية العليا ليعلن قيادته لكافة القوات المسلحة العسكرية منها والأمنية مستدلا على ذلك بقراءات وتأويلات لأحكام الدستور الحالي ولدستور 1959 وقد شدد على وجوب التقيد بما جاء في الدستور الذي يمنح صلاحيات يسعى خصومه إلى سحبها منه فهو القائد الأعلى لكل القوى المسلحة ومن يحاول تجريده من تلك الصلاحيات يهدف إلى زعزعة استقرار البلاد وتهديد أمنها وأكد “قيس سعيد” على أن الدستور هو الفيصل بينه وبين خصومه. وكان ما جاء في خطاب الرئيس “قيس سعيد” كافيا لاندلاع أزمة لا تضاهيها لا أزمة كرونا ولا أزمة تردي أوضاع المعيشة ولا غيرها من الأزمات العديدة والمتعددة التي تتخبط فيها البلاد فبمجرد إنهاء “قيس سعيد” لخطابه حتى عكس خصومه الهجوم وبضراوة شديدة, مستعملين السلاح ذاته الذي رفعه “سعيد في وجههم إنه الدستور وردوا إليه التهم ذاتها التي وجهها لهم ورموه بإثم مخالفته والتمرد عليه واستدلوا بقراءات وتأويلات تختلف مع تلك التي قدمها وأكدوا على أن الفصل 17 من الدستور ينص على الفصل بين الجيش والأمن, وبالتالي ما ذهب إليه “قيس سعيد” محاولة انقلاب ولا شيء غير ذلك وهي التهمة ذاتها التي وجهها لهم رئيس الدولة وحجتهم على صحة موقفهم هي نفس حجة “قيس سعيد” الدستور ولا شيء غير الدستور الذي تتوحد حوله كل القراءات والتأويلات كلما كانت مصالح الجميع متحدة, وتتضارب وتتباين كلما تباينت المصالح واختلفت. وما يدعيه المرجفون من كونه هو الجامع والضامن للحقوق بكافة أنواعها وأشكلها كذب وبهتان ولا وجود له إلا في محافل التزييف والتدجيل التي تعقد في المنتديات والمنابر الإعلامية المروجة للنظام الديمقراطي والممجدة للقوانين الوضعية التي لا تتعدى كونها زبد بحر سريعا ما يذهب جفاء كلما كانت هناك أزمة حقيقية لا كالتي يفتعلها المتسللون خلسة إلى الحكم ليصرفوا الأنظار عن فشلهم وعجزهم المتأتيان من فشل النظام الوضعي ودساتيرهم الوضعية وكل ما أملاه عليهم المستعمر وشياطينه.
كل ما خمدت نيران أزمة أشعلوا أخرى, وكل ما برزت هنات نظامهم وعوراته هرعوا إلى دستورهم علهم يجدون بين دفتيه ما يلهون به الناس ويشتتون انتباههم وبعدها يملؤون الأرجاء صراخا وعويلا نحن نمر بمأزق دستوري يتطلب منا إجراء حوار وطني شامل يخرجنا من الأزمة.. والحال أن دستورهم هو أم الأزمات وكل ما قاموا ويقومون به عبث نص عليه دستورهم وكفله لهم.