الآذان شعيرة الإسلام والمسلمين

الآذان شعيرة الإسلام والمسلمين

لم يتخلف المسلمون عن ركب العالم نتيجة لتمسكهم بدينهم, وإنما بدأ تخلفهم يوم تركوه وتساهلوا فيه, وسمحوا للحضارة الأجنبية أن تغزو ديارهم, وللمفاهيم الغربية أن تحتل أذهانهم.

فالمسلم هو الغيور على دين الله, يغيظه أشدّ الغيظ أن يرى أحكام الكفر منتشرة وأهلها ظاهرون, بينما الحق وأهله مستضعفون يخافون أن يتخطفهم الناس, ويغضب لأن العزّة هذه الأيام ليست لدين الله ولا لرسوله ولا للمؤمنين.. ولا يفرح ويبتهج صدره إلا لمجيء نصر الله عزّ وجلّ قال تعالى ( ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم ).

ومع  تكالب الأعداء على أمتنا شرقا وغربا وضربهم لكل ما يجعل للإسلام شوكة أو أثرا في المجتمع والدولة, يمكرون بالليل ونهار, تارة باستعمال القوة الصلبة وأحيانا بالقوة الناعمة تحت مسمى حرية الرأي واحترام الآخر, ومن المؤسف أن نجد صدى لهذه الحرب عند البعض من بني جلدتنا رويبضات كما وصفهم المصطفى صلى الله عليه وسلم, التافه الذي يتحدث في أمر العامة, مزجوا بين العمالة والجهالة فصاروا يتجرؤون على ثوابت الإسلام وآخر ما جادت به قريحتهم الدعاوي المتكررة لمنع مكبرات صوت المآذن في إطار حملة ممنهجة يدركها كلّ ذي بصيرة.

فهذا كيان يهود الذي دفعته الظروف الدولية وظروف المسلمين خاصة على مزيد التطاول على أمة الإسلام فأصدروا قانونا “يمنع استخدام مكبرات الصوت لبث رسائل دينية أو وطنية أو بهدف مناداة المصلين للصلاة” وذهبوا أبعد من ذلك، حين تطاولوا على الإسلام، ووصفوا الأذان بـ”المكرهة الصحية”، وأن “صوته في ساعات الفجر والمساء يثير الفزع والرعب في نفوسهم ونفوس أطفالهم”. فتقابله قناة إماراتية بهجوم شديد  شنته فنانة مصرية حين وصفت الأذان بـ”الجعير” ويسبب فزعة للأطفال وعبّرت عن خشيتها من سماع الأجانب لأصوات “الجعير” في إشارة للأذان.

واعتبر رئيس القطاع الديني بوزارة الأوقاف المصرية جابر طايع، أن تصريحات الفنانة المصرية نابع عن غيرة زائدة على الإسلام.  كما أثار كاتب صحفي سعودي استضافته قناة “أم بي سي” السعودية, جدلاً واسعاً، عندما تحدث عن أن الأذان بات مرعبا ويثير الفزع في السعودية. وفي إطار هذه الجوقة لم تنس بعض القنوات التونسية تمرير نفس الرسالة عن طريق “إعلامية” أصبحت تفتي في الآذان والمؤذنين ومكبرات الصوت ولا حول ولا قوة إلا بالله.

إنّ الله عزّ وجلّ وعد رسوله بأن يظهر دينه على الدين كله وأنه متمّ نوره ولو كره الكافرون, فجعل له من الأسباب العقائدية والتشريعية, وأحاطه بشعائر ليبقى ظاهرا ومشعّا إلى قيام الساعة. فحتى في أشدّ حالات ضعف المسلمين كانت الشعائر من العلامات البارزة لوجود الإسلام ورسوخه في ديارهم ولم يتجرأ المستعمرون -رغم قوتهم- على المسّ بهذه الشعائر لإدراكهم لحساسية هذا الأمر وما فيه من  تحد لمشاعر للمسلمين في أنحاء المعمورة.

ويبقى الآذان من أبرز شعائر الإسلام لما يعبر عن شعارات الإسلام من إيمان بالله وتوحيده والشهادة لمحمد بالرسالة، وبأن الركن الأعظم بعد الشهادتين هو الصلاة التي تجمع المسلمين. الآذان الذي نسمعه في حياتنا بشكل متكرر أكثر من أي شيء آخر، ويعرف نداءه كل مسلم، ويحفظ كلماته حتى أطفال المسلمين وصبيانهم، بل يمكن القول أن عدد المرات التي يسمع فيها المسلم الأذان في حياته يفوق أي كلمات أخرى تتكرر على سمعه.

كم اهتدى بالاذان من كافر حين سمعه وتأثر به ؟

فمجتمع يطرق الأذان أسماعه خمس مرات في اليوم لن يزول الإسلام منه حتى يزول الأذان؛ ولذا كان من أوليات فتح البلدان أو خط المدن تشييد المساجد فيها؛ تأسيا بالنبي عليه الصلاة والسلام الذي باشر بناء المسجد فور وصوله المدينة. وكان أيضا من أوليات غزو الصليبيين والشيوعيين لبلاد المسلمين، هدم المآذن والمساجد، وقتل الأئمة والمؤذنين أو إسكاتهم؛ لأنه لا يمكن محو الإسلام إلا بمحو شعائره. يتذكر الشعب التركي يوم 16 جوان 1950م، بمزيجٍ من الأسى والفرحة حين نجح رئيس الوزراء عدنان مندريس، الملقب بـ”شهيد الآذان”، والذي تم إعدامه لاحقاً، بإقرار عودة الأذان باللغة العربية بعد مَنع أتاتورك رفع الأذان باللغة العربية لمدة 18 سنة في تركيا.

الآذان في أذن المولود

عن أبى رافع – رضى الله عنه – قال : ” رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم – أذن في أُذن الحسن بن على حين ولدته فاطمة”. تأتى هذه السنة في سياق تدعيم الفطرة السوية للمولود، وبث شعار الإسلام فى نفسه، وإعلان الإسلام في قلبه قبل أن تتلقفه نداءات الشيطان .

قال الإمام ابن القيم فى تحفة المودود : إن سر التأذين والله أعلم أن يكون أول ما يقرع سمع الإنسان كلمات النداء العلوي المتضمنة لكبرياء الرب وعظمته، والشهادة التي أول ما يدخل بها في الإسلام .

استحباب رفع الصوت بالأذان

1 – عن أبي هريرة‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال‏:‏ المؤذن يغفر له مد صوته ويشهد له كل رطب ويابس‏)‏‏.‏ رواه الخمسة إلا الترمذي‏.‏

‏ والحديث يدل على استحباب مد الصوت في الأذان لكونه سببًا للمغفرة وشهادة الموجودات ولأنه أمر بالمجيء إلى الصلاة فكل ما كان أدعى لإسماع المأمومين بذلك كان أولى ولقوله صلى اللَّه عليه وآله وسلم لأبي محذورة‏:‏ ‏(‏ارجع فارفع صوتك‏)‏ وهذا أمر برفع الصوت قيل هو تمثيل بمعنى أنه لو كان بين المكان الذي يؤذن فيه والمكان الذي يبلغه صوت ذنوب تملأ تلك المسافة لغفرها اللَّه له‏.‏

2 – وعن عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة‏:‏ ‏(‏أن أبا سعيد الخدري قال له‏:‏ إني أراك تحب الغنم والبادية فإذا كنت في غنمك فارفع صوتك بالنداء فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا يشهد له يوم القيامة. قال أبو سعيد‏:‏ سمعته من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏)‏‏.‏

رواه أحمد والبخاري والنسائي وابن ماجه‏.‏

الدعوة التامة والصلاة القائمة :

قال القرطبي وغيره : الأذان على قلة ألفاظه مشتمل على مسائل العقيدة لأنه بدأ بالأكبرية وهي تتضمن وجود الله وكماله، ثم ثنى بالتوحيد ونفي الشريك، ثم بإثبات الرسالة لمحمد – صلى الله عليه وسلم – ثم دعا إلى الطاعة المخصوصة عقب الشهادة بالرسالة لأنها لا تعرف إلا من جهة الرسول، ثم دعا إلى الفلاح وهو البقاء الدائم وفيه الإشارة إلى المعاد، ثم أعاد ما أعاد توكيدا.

ويحصل من الأذان الإعلام بدخول الوقت، والدعاء إلى الجماعة، وإظهار شعائر الإسلام

-كما أن في الأذان رسالة إسلامية إعلامية هامة جداً إلى غير المسلمين، لأن الأذان حين ينادى به يسمعه كل من يسمع، سواء كان من المسلمين أو من غيرهم من أهل الأديان الأخرى، لذلك يعد الأذان دعوة لهم للدخول إلى الإسلام وقد أسلم بعض السياح الذين قدموا إلى البلاد الإسلامية بسبب الأذان.

تشريع الآذان:

بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وبعد اجتماع الناس عليه بأن جعلوا له القيادة والحكم تم تشييد المسجد النبوي الذي كان يمثّل المقر الرسمي للدولة الإسلامية. ظهر الاهتمام على النبي الكريم بطريقة دعوة الناس إلى الصلاة، وعرف الصحابة المشكلة وهم الذين عايشوها, وبدأت الاقتراحات تتوالى على النبي صلى الله عليه وسلم, كلٌّ يُعطي طريقةً يراها مناسبةً للتجمُّع للصلاة.

جاء عند أبي داود وغيره بسندٍ صحيحٍ: أن اهتمَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم  للصلاة، كيف يجمع الناس لها؟ فقيل له: انصب رايةً عند حضور الصلاة، فإذا رأوها آذن بعضهم بعضًا؛ فلم يعجبه ذلك. قال: فذُكِرَ له القُنْعُ يعني: الشَّبُّورَ فلم يعجبه ذلك، وقال: (هو من أمر اليهود). قال: فذُكِرَ له الناقوس؛ فقال: (هو من أمر النصارى(.
قال عبد الله بن زيد بن عبد ربه : لما أجمع رسول الله أن يضرب الناقوس وهو له كاره لموافقته النصارى أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت له ‏‏:‏‏ يا رسول الله، إنه طاف بي هذه الليلة طائف ‏‏:‏‏ مرّ بي رجل عليه ثوبان أخضران، يحمل ناقوسا في يده، فقلت له ‏‏:‏‏ يا عبد الله، أتبيع هذا الناقوس ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ وما تصنع به ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ قلت ‏‏:‏‏ ندعو به إلى الصلاة ، قال ‏‏:‏‏ أفلا أدلك على خير من ذلك ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ قلت ‏‏:‏‏ وما هو ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ تقول ‏‏:‏‏ الله أكبر الله أكبر ، الله أكبر الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، حي على الصلاة ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، حي على الفلاح ، الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله ‏‏.‏‏ فلما أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال ‏‏:‏‏ إنها لرؤيا حق، إن شاء الله، فقم مع بلال فألقها عليه، فليؤذن بها، فإنه أندى صوتا منك.‏‏

فلما أذن بها بلال سمعها عمر بن الخطاب، وهو في بيته، فخرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يجر رداءه، وهو يقول ‏‏:‏‏ يا نبي الله، والذي بعثك بالحق، لقد رأيت مثل الذي رأى, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ فلله الحمد على ذلك‏‏.‏‏

الآذان وإعلان دولة الإسلام سياسيا :

يذكر الدكتور “محمد رواس قلعه جي” في كتاب قراءة سياسية للسيرة النبوية عن مضامين الآذان يقول:

كان للآذان معنى آخر ومهمّة أخرى غير مهمّة الدعوة للصلاة، إنه إعلان رسمي صادر من مقر الدولة الرسمي بواسطة أداة إعلام رسمية, وهو المؤذّن الذي عيّنه رئيس الدولة بقيام دولة الله في الأرض بقيادة محمّد رسول الله صلى الله عليه وسلم , بعد أن جاوزت كل العقبات التي وضعها العتاة الظلمة في طريق قيامها, وفاق تدبير الله كل تدبير, وفاقت قوته كلّ قوّة.

تأمّل إن شئت كلمة “الله أكبر الله أكبر’ إنها تعني أن الله أكبر من هؤلاء الطغاة, وهو غالب على أمره.

“أشهد أن لا إله إلا الله” أي لا سيادة في دولة الإسلام لغير الله ولا حكم إلا له “إن الحكم إلا لله”

“أشهد أن محمّد رسول الله” أسلمه الله القيادة “وهذه حكمة تظهر من رؤيا الصحابة للآذان في المنام وهو إقرار ضمني ورضاهم لتسليم النبي قيادة الدولة فليس لأحد أن ينزعها منه, فهو ماض بها إلى أن يُكمل الله دينه, بما ينزّله الله من قرآن ويوحيه إليه من سُنّة.

“حيّ على الصلاة, حيّ على الفلاح” أقبل أيها الإنسان للانضواء تحت لواء هذه الدولة التي أخلصت لله, وجعلت من أهدافها تمتين علاقة الإنسان بخالقه, وتمتين العلاقة بين الإنسان والإنسان على أساس من القيم الإسلامية السامية.

“قد قامت الصلاة” نعم قد قامت هذه الدولة, ولولا قيامها لما جرُؤ أحد على عبادة الله.

“الله أكبر, الله أكبر, لا إله إلا الله” ثمّ يعود ليؤكد أن السيادة في دولة الإسلام لله تعالى وحده لأن الحكم فيها لشريعته.

كان حقا على كل مؤمن ومؤمنة أن يعظموا شعائر الله تعالى، ولا يستهينوا بشيء منها؛ فإن الله تعالى ما جعلها أعلاماً لدينه إلا لأنه رضيها لعباده، فكان تعظيمها من تعظيمه سبحانه وتعالى. {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}.

ياسين بن يحيى

CATEGORIES
TAGS
Share This