الأحزاب “الحداثية” بيوت عناكب, بل هي أوهن

الأحزاب “الحداثية” بيوت عناكب, بل هي أوهن

على عكس فترة حكم المخلوع “بن على” عرفت الساحة السياسية في تونس ميلاد العشرات والعشرات من الأحزاب حيث تجاوز عددها المائتين. منها من مات في المهد ومنها من تمكن من العيش لمدة وجيزة ثم تلاشى, وأحزاب اندمجت مع أخرى حتى يتمكن القائمون عليها من الاستمرار في الصراع على غنيمة الحكم. باستثناء ثلاث أحزاب أو أربع ظلت كما هي وحافظت على شكلها ولم تتغير، والقاسم المشترك بين هذه الأحزاب وعلى اختلاف أسمائها وشعاراتها هو الخروج جميعها من رحم العلمانية وتربت في أحضان الحداثة لتكون لاحقا ما يسمونه بالعائلة الديمقراطية واسمها بالكامل العائلة الديمقراطية الوسطية. وقد اتفق أفراد هذه العائلة أن تجمعهم المصالح وتفرقهم الأطماع.. لهذا تراهم على هيئة الرجل الواحد وليس قلبه كلما أزف موعد تقسيم الغنائم وناد المنادي معلنا على حلول موسم الانتخابات لترى أو العكس ترى نفس أفراد العائلة يتناحرون وكل يغني على ليلاه لأن يجد مصلحته في الخروج على العائلة وهذا طبعا دون أن يحيد على ما تربى عليه من أفكار الحداثة ومفاهيم العلمانية وحتى لا ينعت بالمارق عن العائلة يتهم باقي أفرادها بأنهم ليسوا على شيء وجميعه مسيء للديمقراطية ولم يفقهوا أبعادها وأهدافها أو لم يحسنوا التعامل معها  لأن عود الديمقراطية لم يشتد بعد في أذهانهم وسلوكهم, وبالتالي هو الأجدر بحمل لواءها والأقدر على نفع البلاد والعباد دون سواه.

أصل الداء

بالكاد تجد من يؤمن بقدرة ولو حزب واحد من الأحزاب المتناثرة هنا وهناك على إخراج البلاد من عنق الزجاجة وانتشالها من الضياع سواء كانت معارضة أو جالسة على سدة الحكم. جميعها استنفدت أرصدتها ولم تعد قادرة على المزايدة على بعضها وعاجزة تمام العجز عن التمويه والمناورة، فالسيل بلغ الزّبى وطفح الكيل. فالكل أدرك حقيقة الأحزاب “الديمقراطية الحداثية العلمانية” الموجودة في تونس التي لا محرك لها غير المصالح والمكاسب الذاتية، فهي استغلت رياح الثورة لتدفع بمراكبها نحو مراسي السلطة والتنعم بما يغدقه عليها كرسي الحكم من مغانم أثمنها وأغلاها بالنسبة للقائمين عليها هو رضا أي مسؤول كبير امريكيا كان أو فرنسيا أو انجليزيا.. فمن كان الأسرع والأذكى والأقوى هو من يكسب ولاء حزب من الأحزاب المصطفة في طوابير تنتظر تقديم فروض الولاء والطاعة لمن يتمكن من شراء ذممها قبل غيره أما المقابل فهو ثابت لا يتغير وفيه هو الحكم بما شرع شياطين الغرب وزينوه لهم وهو فصل الإسلام عن الحياة ونبذ أحكامه وراء ظهورهم, هذا أولا وقبل كل الشيء. أما المقابل الثاني فهو فتح أبواب البلاد على جميع مصارعها لتنهب خيراتها بموجب قوانين هي في الأصل املاءات تأتي تترا من و راء البحار، وبعدها يترك الأمر للقائمين على تلك الأحزاب ليتفننوا في الكذب وممارسة جميع صنوف الشعوذة والدجل لإقناع الناس بقدراتهم الهائلة ووفرة خبرائهم وعظمة برامجهم وحسبنا هنا التذكير بما جادت به قريحة “الباجي قائد السبسي” أثناء حملته الانتخابية فوقتها رفض إخبارنا ببرامج حزبه نتيجة خشيته علينا من الإغماء إن نحن اطلعنا على ما أعده عباقرة حزبه من برامج تقفز بتونس إلى مصاف الدول المتقدمة, هذا إن لم تصبح هي الأولى في جميع المجالات.

هذا هو دأبهم وهذا هو منهجهم, كذب وتدجيل والسبب هو ما يحتكمون إليه, نظام ديمقراطي قائم على الكذب والخديعة لأن ركنه الأساسي هو المنفعة أولا وأخيرا وهنا يكمن أصل الداء، ولهذا ترى أبنية تلك الأحزاب تحسبها ذات قوة ومتانة وهي عبارة على بيت عنكبوت لا يقي من حر ولا يمنع من برد شأنه شأن النظام الديمقراطي “الحداثي” غير قادر على رعاية شؤون العباد لأنه ببساطة ليس من وحي رب العباد. إذن فالديمقراطية هي الداء والحداثة المغشوشة هي كل البلاء, والأحزاب المعارضة والحاكمة هي من تصل ليلها بنهارها لتسلطه علينا فهي التي تمثل الدولة وتمثل روافدها, والنتيجة ضنك وشظف عيش وعناء..

حسن نوير

CATEGORIES
TAGS
Share This