الأعمال السياسية المؤثرة في الحلبة الدولية
تعتبر الأعمال السياسية أو صنع الاحداث السياسية من أهم الاعمال التي تشغل حيزا كبيرا في السياسة الخارجية للدول الكبرى، وتكثر هذه الاعمال وتزداد حسب موقع الدولة في الحلبة الدولية، حيث تتصدر الولايات المتحدة الامريكية، الدولة الأولى في العالم، المرتبة الاولى في القرارات السياسية المؤثرة في صنع الاحداث وتوجيهها وفق مصالحها، وقد أنشأت من أجل ذلك إدارة أطلقت عليها ”إدارة الأزمات” عملها خلق الازمات للدول الاخرى ومتابعة سيرها.
والمقصود بالأعمال السياسية هنا إنما هي الأعمال التي تؤثر في السياسة الدولية تأثيراً واضحاً، وتؤدي بالتالي إلى إشغال الدولة حيزاً ملموساً في الساحة الدولية، وهو ما يجعل لها مكانة ووزناً بين دول العالم. ولذلك فإن القرارات السياسية أو الأعمال السياسية المؤثرة، إنما يقصد بها أعمال وقرارات الدولة الاولى في العالم والدول التي تزاحمها على هذا المنصب.
القرار السياسي صعب لكنه لازم:
واتخاذ القرار السياسي ليس أمرا سهلا، خاصة إذا تعلق القرار بمصير دولة ومستقبل أمة، ولكنه في الوقت نفسه لازم حتى لا يكون مصير البلاد والعباد بيد أعدائها.
ويجب اتخاذ القرار السياسي أو العمل السياسي بموضوعية بعد الدراسة والتمحيص، فقرار الرسول صلى الله عليه وسلم بعقد صلح الحديبة للتفريق بين الاعداء وتحييدهم عن الصراع للتفرغ لنشر الاسلام، لم ينتهي بالقضاء على قبيلة خيبر فحسب وإنما بالقضاء على قريش نفسها. كما أن القرار الحكيم الذي اتخذه ابو بكر الصديق رضي الله عنه في حرب المرتدين جميعا كان له أثر عظيم على الاسلام والمسلمين.
مكانة الدولة و السياسة الخارجية:
والدولة تحرز مكانتها الدولية وتؤثر في قرارات الدول الأخرى بقوتها، التي لا تنحصر في القوة العسكرية وإنما تتعداها إلى عناصر أخرى من أهمها: المبدأ الذي تحمله والقوة الاقتصادية والبشرية، بالإضافة إلى الأعمال السياسية والدبلوماسية.
وبخلاف السياسة الداخلية التي تتمثل في رعاية شؤون الأمة وفق المشروع الحضاري الذي آمنت به، فإن صياغة السياسة الخارجية تمثل تحديا لصاحب القرار. وصعوبة هذا الأمر مرده إلى أن الدولة تعيش مع دول أخرى ذات مصالح منافسة لمصالحها أو مناقضة لها، فتدخل معها في صراع من أجل تأمين مصالحها.
ونجاح الدولة في سياستها الخارجية نجاح لها يغنيها عن استعمال القوة العسكرية. من هنا تأتي أهمية الأعمال السياسية والقرار السياسي للدولة لتحقيق مصالح الامة والحفاظ عليها.
سياسة التخمين
وتضع كل دولة قراراتها على ضوء تصرفات الدولة الخصم الفعلية أو المتوقعة، لذلك فهي في حاجة لمعرفة قرارات الدولة الخصم. وغالبا ما تتوصل الدوائر السياسية في الدولة إلى معرفة قرارات الخصم من خلال ما يسمى بلعبة التخمين، فتتخذ قراراتها المضادة على ضوء نتيجة تخمينها.
ولعبة التخمين أو المعرفة المسبقة بردة فعل الخصم، تحتاج إلى معرفة المصالح الحيوية والمصالح الثانوية للدولة الخصم، فالمصلحة الحيوية لا تخضع للمساومة وغالبا ما تكون ردة الفعل المتوقعة للدولة عندما تهدد أحد مصالحها الحيوية، الاستعداد للمواجهة العسكرية، فخطأ هتلر في تقدير ردة فعل بريطانيا تجاه احتلاله بولندا أدى إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية وهزيمة ألمانيا. أما المصالح الثانوية فهي دونها أهمية وتخضع للمساومات والتنازلات.
المصالح الحيوية
والمصالح الحيوية تختلف من دولة لأخرى، وهي تزيد وتنقص تبعا لقوة الدولة أو ضعفها، فقد تحدد دولة ما قائمة بمصالحها الحيوية التي لا يجوز المساس بها: كنشر مبدئها وسلامة أراضيها، وعدم تنامي قوة مناوئة عن حد معين أو عدم امتلاكها لأسلحة فتاكة كالسلاح النووي، أو عدم احتلالها لموقع استراتيجي، وعدم اختلال موازين القوى في منطقة معينة وقد تعيد النظر في هذه القائمة إذا أصابها الضعف والهزال.
ومن هنا فإن النجاح في السياسة الخارجية يقتضي دقة في صياغة المصالح والاهداف وفي كيفية تحقيقها، فكما لاءمت بين الاهداف وقدرات الدولة فإنها تلائم بين قدرات الدولة ووسائل تنفيذ تلك السياسة، وأي خطأ في ذلك يؤدي إلى كوارث.
والقرارات الصائبة في السياسة الخارجية يقتضي فهما صحيحا للعالم وللموقف الدولي وللعلاقات الدولية فيه، وعلى ضوء ذلك يقع تصنيف الدول المعادية والمحايدة والصديقة، كما يقع تحديد مصالح كل دولة ووسائل تنفيذها ومدى التزام كل دولة بمواثيقها وتعهداتها. وقد يتم ذلك من خلال ما يقع جمعه من معلومات أو بناء على سياسة التخمين.
الزاوية الخاصة للأعمال السياسية
وحتى تكون القرارات السياسية أو الأعمال السياسية الخارجية مؤثرة في الحلبة الدولية، يجب أن ترتكز إلى زاوية خاصة يُنظر من خلالها إلى جميع الأحداث السياسية في العالم، ومن دون هذه الزاوية لا قيمة للأعمال السياسية التي تُباشرها الدولة، وهذه الزاوية غالباً ما تكون ثابتة لا تتبدل ولا تتغير في الدول المبدئية، وعليها تُبنى جميع الأعمال السياسية الدولية.
الاعمال السياسية لدولة الخلافة
وبالنسبة لدولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة فإن نشر الدعوة الإسلامية إلى العالم هي الزاوية الخاصة الثابتة والدائمة التي تُبنى عليها القرارات السياسية والخطط والاستراتيجيات.
وتركز هذه السياسات على القواعد التالية:
-
تحديد العدو الرئيسي للدولة الذي يجب حصر الأعمال السياسية تجاهه. فلو اعتبرت دولة الخلافة أن أمريكا هي العدو الرئيسي للإسلام والمسلمين، فإن معرفة ردة فعلها يقتضي دراسة قيمها وأحوالها النفسية والاجتماعية وتجربتها التاريخية وموقعها الجغرافي، بالاضافة لقوتها المادية لان ذلك يوصل ليس فقط الى معرفة كيف ستحارب وانما يوصل أيضا إلى معرفة كيف ستعالج أوضاعا قد تؤدي في النهاية الى حرب. فدراسة الشعب الامريكي على سبيل المثال تبين أنه لا ينظر الى الامور من زاوية استراتيجية و مصالح حيوية أي كما تنظر لها الدولة الامريكية، وانما ينظر لها من الزاوية العاطفية ومن زاوية قيمه التي يعتز بها، ولذلك تظطر الحكومات الامريكية إلى إلباس سياستها الخارجية وأعمالها السياسية ثوب قيم الشعب الامريكي. ولما كانت الحكومات لا تقوم بأعمال كبيرة في الخارج لا تنال دعم الشعب الامريكي، فإنه يمكن ضرب السياسة الامريكية إذا عزلت الحكومة عن الشعب وذلك بعدم اثارة الشعب الامريكي أي بعدم التعرض الى قيمه، وبفضح حقيقة نوايا الحكومة الامريكية بحملات اعلامية مركزة.
-
الحرص على عدم فتح جبهات مع أعداء كثر في نفس الوقت، والعمل على تفكيك التحالفات التي تنشأ بين القوى المعادية للإسلام بقدر الإمكان والتفرد بها عدواً عدواً. ولا بد من تقليص خطر هذه الدول بإغلاق سفاراتها والقواعد التابعة لها، وبقطع جميع الاتصالات السياسية والعسكرية، والتي كانوا من خلالها يأمرون وينهون عملاءهم في القيادة العسكرية والسياسية ويستقطبون مزيدا من العملاء.
-
العمل على إنشاء علاقات دولية جديدة مع دول مثل ألمانيا وسويسرا والسويد والبرازيل واليابان وغيرها من الدول التي تكون لها مصالح حيوية مع الامة الاسلامية وعلى إبقاء حضور دولي فاعل للدولة في المسرح الدولي.
-
الإعداد الدائم للجيش ماديا وعقائديا، والمواظبة على بناء قوة ردع ذاتية ضاربة باستمرار، مع حفظ هيبة الدولة ولو أدّى أحياناً إلى الانكفاء وتحصين الجبهة الداخلية إذا تعرضت للخطر.
-
دوام اليقظة للمتغيرات السياسية والأمنية في العالم للتحرك السريع عند اللزوم.