الأمراض والأوبئة.. نظرة سياسية

الأمراض والأوبئة.. نظرة سياسية

في السياسة يوجد مصطلحان فهمهما له علاقة كبيرة بفهم ما يجري على المسلمين، ألا وهما الرأي العام والعرف العام، فالرأي العام يكون بانتشار فكرة ما في المجتمع، ويوجد لها قبول فيه، وتقبل هذه الفكرة بناء على القناعة، وقد يخالفها البعض دون أن ينكر عليه، مثل إطعام المعزين في بيوت العزاء فنجد أن هذه الفكرة وجد لها رأي عام في الأردن وقبول واسع، لكن لا زلنا نرى أن هناك من يخالف هذا الرأي بسلوكه.

 أما العرف العام فهو ثبات فكرة وسلوك في المجتمع، ولا يمكن مخالفتها، فمن يخالفها ينكر المجتمع عليه ذلك ويهاجمه، ومثل ذلك تقديم الدخّان في بيوت العزاء في السبعينات، فلم يكن يخالف أحد هذه العادة، لأنها عرف عام في المجتمع، ومثال ذلك طواف أهل مكة عراة في الكعبة في الجاهلية. فرغم كون الفعل قبيحا وينافي الفطرة لكن يغيب العقل ويثبت العرف الطاغي، وكذلك احتجاج قوم لوط على نبيهم عليه السلام، إذ قالوا ﴿أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُون﴾، رغم أن الطهارة فعل حسن وعكسها قبيح، لكن العرف العام في المجتمع فاسد، فأصبحت الطهارة شيئا قبيحا لمخالفتها هذا العرف العام.

ولندقق في حديث رسول الله ﷺ، حيث قال: «يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ؛ لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ» رواه ابن ماجه في سننه، فلننظر إلى التعبير «حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا»، أي أن الفاحشة صارت عرفا عاما سائدا في المجتمع، ونتيجة هذا العرف العام الفاسد، يحل العذاب والعقوبات والأمراض والبلاء، لذلك كان العمل الصحيح في إصلاح المجتمعات، هو ضرب هذه الأعراف الفاسدة، والعمل على تغييرها، وإنه من المعلوم أن من سيتصدى لهذه الأعراف الفاسدة لضربها ثم لتغييرها، سيلقى ردة فعل عنيفة من المجتمع على هذا العمل، لكن يجب أن لا يمنع الخوف من ردة الفعل عدم القيام بذلك، فكل دعوات الأنبياء، كانت تقوم على ضرب الأعراف الفاسدة، وما وجد القوم عليه آباءهم من أعراف فاسدة، فرسول الله ﷺ يخاطب قريشاً: ﴿إنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ﴾، فيهاجم عبادة الأصنام وهي عرف عام فاسد سائد، وكذلك يهاجم وأد البنات وتطفيف الميزان، وكذلك فَعَلَ إخوته من الأنبياء، ويجب على المسلمين أن يدركوا أن هذا العمل هو أفضل الأعمال هذه الأيام، بغض النظر عن قبول الناس وتأييدهم له، وتأكيدا على ذلك قول رسول الله ﷺ: «إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّه بِعِقَابٍ مِنْهُ» رواه أَبُو داود والترمذي والنسائي بأسانيد صحيحة. ونحن نعيش في ذكرى شهر رجب حيث أسقطت الخلافة، وتفشت أعراف فاسدة، وسنن من الغرب، فيجب تذكير المسلمين وحضهم على الدوام، أن سكوتهم على مصيبة تغييب شرع الله كارثة وإثم عظيم، وأن المنفعة الطاغية في المجتمع ليست هي المقياس الحقيقي لتقييم شرعية الدول، بل قيامها بأوامر الله وتطبيقها لشرعه، هو الذي يعطيها الشرعية.

أحمد العلي – الأردن

CATEGORIES
TAGS
Share This