الإبداع الصناعي في زمن الكورونا: حاجةُ عند الجائحة أم مِنحةُ عند المِحنة وجبَ تطويرها
عندما تصبح الجائحة حاجة، وعندما تصبح المحنة منحة، وتعطي الكورونا دروسا وعبر…
هي دروس نعلمها وخضنا في تفاصيلها وقلنا فيها الكثير، وها إن فيروس كورونا اليوم دفع بها إلى ارض الواقع وكشف عنها حجابا كانوا يضنّون انه ساتر لها..
لا يمكن أن تمر علينا هذه الجائحة دون الوقوف والتمعّن في ما شاهدناه من هبّة علميّة وقدرة على التميّز والتصنيع في عدة مدارس للهندسة وفي مختلف المعاهد العليا للدراسات التكنولوجية، هبّة كسرت قيود العجز والانهزامية النفسية وانطلقت نحو الانعتاق والتحرّر من نظام قصقص أجنحتها وحكم عليها بالركود والجمود.
وهنا من باب الذكر لا الحصر، تمكن طلبة وأساتذة مدرسة المهندسين بسوسة وبمساعدة أطباء من المستشفى الجامعي فرحات حشاد بسوسة من صنع مولّد للأكسيجين عالي التدفّق مائة بالمائة تونسي,
كما أعلنت مدرسة المهندسين بالمنستير مبادرة لتصنيع الأزياء الواقية بحرفية عالمية لحماية الإطارات الطبية وشبه الطبية خاصة بعد نجاحها في مرحلة أولى من صناعة الأقنعة الواقية للأطباء. كما استطاعت أيضا خلية عمل في مدرسة المهندسين بصفاقس متكونة من جامعيين وصناعيين وأطباء من ابتكار أنموذجين لجهاز تنفس اصطناعي غير مكلِف وقابل للتصنيع, وهو ما تفتقر إليه اغلب مستشفيات البلاد.
ومع بداية فرض حظر التجول، بدأت قوات الأمن في العاصمة باستعمال “روبوت” يتم التحكم به عن بعد من غرفة العمليات في وزارة الداخلية صممه المهندس التونسي أنيس السحباني، الأستاذ في جامعة الـ “سوربون” سابقاً، والـ “روبوت” يقوم بطلب التعرف إلى هويات المخالفين لحظر التجول، وما إذا كانت لديهم أذونات خاصة بالخروج، ويقوم بتسجيل صورهم وصور هوياتهم..
المهندس السحباني ابتكر أيضا في شركته “روبوت” لدعم جهود الإطار الطبي في مجابهة كورونا وسبل الوقاية داخل المؤسسات الاستشفائية، وتم وضعه على ذمة مستشفى عبد الرحمن مامي بمدينة أريانة، المخصص لعلاج المصابين بالوباء. الـ “روبوت” المرضى من التواصل مع عائلاتهم الذين لا يمكنهم رؤيتهم أو زيارتهم، ويتحرك بطريقة آلية بين مختلف الأقسام التي يوجد فيها المرضى ما يبعد خطر العدوى عن الإطار الطبي.
هذه الابتكارات وغيرها تجعلنا نطرح العديد من التساؤلات وتؤكد العديد من الحقائق:
الحقيقة الأولى هي قدرة الكفاءات المحلية من مهندسين وتقنين على النهوض بقطاع الصناعة والتقدم العلمي والتكنولوجي.
الحقيقة الثانية أن النظام الليبرالي الحاكم اليوم في البلاد، وافتقاد الإرادة السياسية، وعصابات المال الذين لا يرون تونس إلا منطقة مناولة ومنطقة للاستهلاك فقط، كل هذه العوامل هي الحاجز والمانع الحقيقي نحو الخروج بالبلاد من هذا الركود والجمود الصناعي والتكنولوجي.
ويبقى السؤال الأهم في هذه الحالة هو كيف ستتعامل الدولة مع هذه الابتكارات وهذه النخبة القادحة المشتعلة بنار الإبداع وحب النهوض والرقي بالبلاد نحو مصاف الدول المصنعة؟
هل ستتعامل الدول مع هذه الفئة من المهندسين بمنطق الحاجة عند الجائحة وينتهي عملهم بمجرد انفراج أزمة فيروس الكورونا ؟
أم ستتعامل معهم بمنطق المنحة التي جلبتها لنا هذه المحنة وتقوم بمزيد دعمهم ماديا وتقنيا ولوجستيا.. وتعمل على احتضانهم وترشيدهم وحمايتهم من كبرى الشركات العالمية والدفع بهم نحو قاطرة النمو الصناعي الفعلي؟؟؟
ممدوح بوعزيز
CATEGORIES محلي