أمام دقة الظرف السياسي الذي جرت فيه العملية الإجرامية التي استهدفت يوم 6 مارس 2020 دورية أمنية قارة بمحيط السفارة الأمريكية، يصبح التذكير بمفردات فهم هذه الظاهرة في سياقها الدولي والمحلّي ضروريا.
رسائل دولية
إن توقيت عملية التفجير التي جدت الجمعة 6 مارس قرب مقرالسفارة الأمريكية بتونس، جاء في وقت اشتد فيه الصراع بين أمريكا و بريطانيا حول ليبيا، وبعد أيام قليلة من اجتماع مساعد وزير الخارجية الأمريكي المكلف بالشأن العسكري والسياسي، “كلارك كوبر” بالقيادات في تونس والجزائر للتباحث حول الملف الليبي ودعوة وزير داخلية حكومة الوفاق الليبية، فتحي باشاغا إلى إنشاء قاعدة عسكرية أمريكية في ليبيا، كما جاءت بعد ثلاث أيام من إصدار وزارة الخارجية البريطانية بيان تحذر فيه من استهداف المصالح البريطانية والغربية في تونس، وهو ما يقوي فرضية أن التفجير يندرج ضمن صراع دولي على النفوذ في المنظقة.
واستخدام مثل هذه العمليات الإجرامية هي من صميم الوسائل التي تستخدمها الدول الكبرى في بعث رسائل للخصوم أو كوسيلة لخلق الفراغ الإستراتيجي في البلاد التي تريد التحكم في قرارها ونهب ثرواتها، خاصة وأن بعض القوى الحية في تونس تضغط من أجل فتح ملفّ الثروات المنهوبة من طرف الشركات الغربية، ويجدر في هذا الخصوص أن نذكر بعمليتي سوسة وباردو اللتان جاءتا لضرب حملة “وينو البترول”، حيث خرج الرئيس الباجي قائد السبسي وألقى باللوم على حراك “وينو البترول”.
صراع سياسي
أما محليا فإن هذه العملية جاءت مع انعقاد الجلسة الأولى لمجلس الوزراء تحت إشراف رئيس الجمهوريّة قيس سعيد، وهو ما يوحي بوجود أطراف لا يساعدها الإستقرار الحكومي وتستفيد من حالة الفراغ السياسي والإستراتيجي، وهذه الأطراف لا شك أنها دولية مع وجود أدوات لها محلية، خاصة أن هذه العملية حصلت بعد عملية تسخين وشحن تمارسها كتلة التّجمّع المنحلّ داخل البرلمان، مدعومة بأذرعها الإعلامية في المنابر ذات الأجندات المشبوهة، وهي لا شك من أكثر المستفيدين من حالة عدم الاستقرار وبالتالي الفراغ السياسي، فقد كان التعطيل المتعمد والمتتالي لرئيسة هذه الكتلة على مدى الفترة الماضية بارزا للعيان.
كما أن تسليط الضوء عليها يذكرنا بالظهور المكثف في المنابر الإعلاميّة، للمغدور شكري بلعيد الذي أدى مقتله إلى تعطيل قانون العزل السياسي الذي كان يستهدف عناصر نظام بن علي وحزبه، كما أدى مقتل الحاج محمد البراهمي عزل الترويكا عن الحكم وصعود حزب نداء تونس المستفيد الأول من عملية الاغتيال والذي يعتبر امتدادا للنظام البائد.
اختراق مخابراتي
طبعا لا شيء يثبت علاقة مباشرة بين “زرّ” سياسي ما والبرنامج الميداني لمنفذي الهجوم، وحسب المعلومات المتداولة فإن منفذي الهجوم ينتمون إلى حركات تتبنى العنف في عملها، وتاريخ هذه الجماعات يؤكد أنها مرتع للمخابرات ومحل اختراقات ولا يستبعد أن تكون هذه العملية القذرة تحمل في شكلها ومكانها وتوقيتها بصمات مخابراتيّة معادية للثّورة بالتنسيق مع قوى دولية وبعض المستفيدين داخليا، ولنا في عملية المنيهلة المفتعلة خير مثال.
الختام
المؤلم هو أن هذه العملية الإجرامية التي تستهدف دماء المسلمين من الأمن والجيش ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، إذا لم تفكك هذه الظاهرة و تربط ببعدها الدولي والمحلي بعيدا عن التبسيط والتسطيح.
د, الأسعد العجيلي, رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير – تونس