الإسلام في تونس، بصريح نصّ الدستور، دين الدولة. والدولة، بصريح الأفعال والأقوال والتشريعات والمواقف، لا دين لها. تهين فرنسا الدّين الذي تتبناه تونس كدولة نصا دستوريا، ولا تحرّك الدولة عبر أجهزتها الرسمية ساكنا. ويساء للنبي صلى الله عليه وسلم الذي تؤمن به الدولة حسب نص الدستور، وتقيم له كلّ سنّة مولدا صاخبا، ومع ذلك فلا تردّ الدولة التونسية عبر أجهزتها الرسمية عن الإساءة ولو بكلمة واحدة صريحة.
ولم تكتف الدولة عبر أجهزتها الرسمية بسلبيتها بل شاركت إيجابيا في تقويّة موقف فرنسا، وواستها ونصرتها وعزرتها في محنتها ملقية باللوم على الإرهاب والتطرف الذي تزعم فرنسا أنّه إسلامي. وهكذا رأيناها لا تدين فرنسا بالاسم إذا تعلّق الأمر بالإساءة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنّها تنصرها وتقف معها بالاسم إذا تعلّق الأمر بمواساتها وتعزيتها في حادث سمتّه بـ”الإرهابي”.
والعجيب في الأمر أنّ بيان وزارة الخارجية التونسية عقب حادثة نيس يؤكد على أنّ تونس تجدّد “تأكيدها على أهميّة تضافر كل الجهود الإقليمية والدولية لمكافحة الإرهاب والتطرّف العنيف والتّوقي من تداعيتهما الخطيرة على أمن واستقرار الدول والشعوب والتمسّك بقيم التسامح والاعتدال والحوار كقيم مشتركة للإنسانية جمعاء”، فتونس حسب بيانها الرسمي تدعم فرنسا في تدويل القضية وتريد المشاركة فيها داعية إلى تظافر الجهود لمكافحة الإرهاب أي تتعاطف رسميا مع فرنسا وتدعمها في اتّخاذ الإجراءات المناسبة للحدّ من التطرّف والإرهاب بما في ذلك حزمة القوانين والتشريعات التي سنّتها فرنسا فيما يخصّ ما أسمته بـ”الانفصالية الإسلامية”، وبعبارة أخرى فإنّ تونس مع فرنسا في ضرب الهويّة الإسلامية لدى المسلمين وحملهم على التخلي عن دينهم.
وأمّا الموقف الشّعبي، فهو الموقف الحقيقي الذي يعبّر عن حقيقة تونس، وأنّها بلد الإسلام. فعلى الرغم من التعتيم الإعلامي الذي مارسه أذناب فرنسا في بلدنا، وعلى الرغم من الموقف الحكومي الرسمي المتخاذل، فإنّ الغالبية العظمى من النّاس أفرادا وجماعات وجمعيات قد عبّرت عن غضبها وتذمّرها وسخطها. فلم يقبل النّاس بالإساءة للنبي صلى الله عليه وسلم، وقاموا بأعمال تعبّر عن احتجاجهم واستنكارهم لصنيع فرنسا. وأحسب أنّ لو كان الموقف الحكومي منسجما مع موقف عامة النّاس لشهدت تونس أعمالا كبيرة ومظاهرات حاشدة، ولكن الدولة استبقت الأحداث منذ يومها الأوّل ومنعت الأعمال المعادية لفرنسا.
إنّ التباين بين الموقفين: موقف الدّولة الرسمي وموقف عامّة النّاس، يدلّ على انفصام في العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وأنّ تطلّعات النّاس ورؤيتهم للأحداث لا علاقة لها بسياسة الدولة، ويدلّ أيضا على أنّ الإسلام وإنّ تبنته الدولة اسميا رسميا وخذلته عمليا فإنّه عند العامّة من النّاس بمكان عظيم في قلوبهم وعقولهم؛ فلا تزال الغالبية العظمى متعلّقة به وثابتة عليه، تبرهن في كل مرّة وحادثة أنّها تحبّ الإسلام، وتحبّ الله وتحبّ الرسول صلى الله عليه وسلم، ومستعدّة للدفاع عن مقدّساتها. وهذا في ذاته يعدّ مؤشرا إيجابيا تبني عليه الحركة الإسلامية أعمالها لتجعل منه المحرّك للنّاس نحو التغيير الحقيقي الجذري.