الإنتخابات الرئاسية ومكر الدوائر الغربية… ولكن إلى حين

الإنتخابات الرئاسية ومكر الدوائر الغربية… ولكن إلى حين

وضعت الانتخابات التونسية أوزارها، بعد ماراطون انتخابي أريد له أن يكون نموذجا في منطقة مشتعلة، شعوبها متحفزة للتغيير المنتج والعيش الكريم.

قد يهتم بعضهم بساكن قرطاج الجديد أو بحاكم القصبة المنتظر أو بالتوافقات الجديدة ضمن مشهد سياسي لم يتغير سوى في شكله، إلا أن ما يجب التنبه إليه، هو أن العملية الانتخابية وبصرف النظر عن مفرزاتها تعد أكبر عملية سطو على إرادة شعب كان سباقا في رفع أيقونة الشعوب العربية: (الشعب يريد إسقاط النظام).

مرة أخرى إذا، يتمكن الغرب من لملمة أوضاعه وإنقاذ فكره ومشروعه الحضاري بعد أن أوشكا على السقوط، ولا نبالغ إذا قلنا أن العملية الانتخابية هي أكبر عملية إلتفافية على إرادة الناس في التغيير، حيث استطاع أن يحول نقمة الناس وسهام غضبهم إلى أشخاص الحكم بدل التوجه إلى قلع النظام الوضعي العلماني، أصل الداء والبلاء.

فالنظام الديمقراطي الغربي نظام خبيث، يحمّل مسؤولية الفشل للأشخاص القائمين عليه والمشرفين على تنفيذه، في حين تبقى أفكاره وأنظمته فوق المحاسبة والنقد، باعتبارها أفكار كونية مقدسة لا تخضع للمساءلة ولا يجوز الخروج عليها.

ما زاد الطين بلة هو أن المشهد السياسي في بلادنا محكوم من الخارج، والغرب يطل برأسه في كل شاردة وواردة، وأوراق ضغطه كثيرة، فصندوق النقد الدولي لا تكاد تغادر وفوده البلاد، فهو الذي يرسم السياسات الاقتصادية ويلزم الحكومات المتعاقبة على تنفيذها، ومنذ أيام ترسل منظمة العفو الدولية لائحة لما يجب أن يصادق عليه المجلس النيابي الجديد قبل أن تطأ أقدام أعضائه المنتخبين قصر باردو، وإمعانا في الاستهتار بالشعب التونسي وبعقيدته الاسلامية يؤكد هذا المقتحم على ضرورة المصادقة على المساواة في الميراث، تنفيذا لاتفاقية سيداو التي وقعها السبسي وأمر بتنفيذها الاتحاد الأوروبي.

وثالثة الأثافي أن يقع إقصاء الإسلام من الحكم، فتقع المناظرات بين المنتخبين على أساس برامج لا تنبع من عقيدة الأمة وتراثها التشريعي، ليختار الشعب حراسا للمنظومة الغربية لا يختلفون كثيرا عمن سبقهم، فهذا قيس سعيد المحسوب على التيار الثوري يعرب في كل مناسبة عن تمسكه بقداسة الدستور الذي أشرف عليه اليهودي نوح فيلدمان، ويؤكد في كل مرة عن التزامه بالمواثيق الثنائية والدولية للدولة التونسية، ليكون بالنهاية عامل تركيز للنظام الغربي. أما منافسه فقد أخرج من السجن على عجل، لإجراء مناظرة ليكون على رأس الدولة بالرغم من تخابره مع أعداء الأمة وهو ما يعد خيانة عظمى. كل هذا يمرّ وسط صخب إعلامي مأجور وطبقة سياسية تابعة.

إذا, استطاع الغرب انتاج نفس النظام بعد تطعيم الوسط السياسي بوجوه جديدة، ما يعطيه نفسا جديدا. ولكنه نفس قصير سيتبدد أمام الحقيقة المرة التي سيقف عليها الناخبون بعد فترة وجيزة، حقيقة أن بلادنا مستعمرة ونظامنا مستورد على قياس ومصالح الغرب ووكلائه، أما الانتخابات فليست سوى الغطاء الذي تغلف به عملية القرار لتظهر شرعية ومحلية، عندها يستفيق الناخبون من سكرتهم ونَشوتهم بالانتصار، عندها يدركون أنه لم ولن تغير حالهم الانتخابات ما دام النظام العلماني متحكم في حياتهم وإسلامهم بعيد عن مركز الحكم والقرار.

لقد ضيع الشعب التونسي المسلم فرصة جديدة كانت ستجعله بحق نموذجا في التغيير المنتج على أساس الإسلام، إلا أن الشمعة المضيئة في هذه العملية هي أن نسبة المقاطعين أكثر من المشاركين، كما أن أغلبهم من الشباب عمدة التغيير والمستقبل، وهذه المقاطعة هي موقف سياسي رافض للمنظومة برمتها ووعيا بأن الانتخابات لن تغير شيئا باعتبارها علاجا خاطئا لتوصيف خاطئ من طبيب فاشل. وهذا الموقف يجب البناء عليه وترشيده ليتحول إلى فعل جارف يؤدي إلى التغيير الشامل على أساس الاسلام.

لن تكون المرحلة القادمة سهلة على الغرب بالرغم من أدوات الضغط الكثيرة التي سيلعب عليها، فحجم الوعي على مكره في ازدياد, والكتلة المؤمنة الواعية له بالمرصاد، والساحات مفتوحة، والشعب التونسي الذي زمجر في ٢٠١١ وأطلق ثورة الأمة التي لا زالت تؤرق الكفار المستعمرين، قادر اليوم أكثر من أي وقت مضى على إعادة الكرة لاقتلاع الاستعمار ووكلائه، والمعركة معركة وعي ومشاريع، ولا شك أن المشروع الغربي قد استنزف ولا يمكن أن يصمد أمام المشروع الحضاري الإسلامي النابع من عقيدة الأمة، وإن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب.

د, الأسعد العجيلي, رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير – تونس

CATEGORIES
TAGS
Share This