الاتحاد الأوروبي يرغب في استلام قاعدة بيانات الداخلية والقضاء

الاتحاد الأوروبي يرغب في استلام قاعدة بيانات الداخلية والقضاء

لم تنقطع زيارات المسئولين الأوروبيين في الفترة الأخيرة وقد كان البعض منها مقتضبا بينما لم يرشح عن البعض الآخر أية تغطية إعلامية سوى بعض الصور المسربة.  ولعل صفة بعض أولائك المسئولين وطبيعة عملهم الأمنية والاستخباراتية هي التي تجعل من التكتم والتمويه على زياراتهم أمرا متوقعا.

          ففي 17/10/2017 وصل “جيل دوكورشوف” منسق الاتحاد الأوروبي لمقاومة الإرهاب إلى تونس حيث التقى وزير الداخلية وكبار المديرين بوزارة الداخلية وكان العنوان المعلن للقاء هو التعاون في مجال مكافحة الإرهاب. وفي مقر بعثة الاتحاد الأوروبي بتونس أدلى المسئول الأوروبي بتصريح لقناة فراس24 بين فيه أن التعاون المقصود هو تبادل المعلومات من الجانب التونسي مع المؤسسات الأوروبية للشرطة  EUROPOL والقضاء  EUROJUST , كما أعلن أن الاتحاد الأوروبي سيتولى مساعدة  الوزارات المعنية بتخصيص مبلغ 23 مليون أورو لتمويل التجهيزات اللازمة,  وكذلك من أجل ” تحسين أخلاقيات للشرطة” ” l’amélioration d’une déontologie de la police   “. هذا التصريح الفضيحة يعني عمليا أن الاتحاد الأوروبي يعتزم استلام ومراقبة قاعدة البيانات الخاصة بوزارتي الداخلية والدفاع وانه سيحدد منظومة المفاهيم والسلوك الذي يجب أن يتحلّى بها رجال الأمن.

        من ناحية أخرى أكد المسئول الأوروبي أن هذا العمل الاستخباراتي سيشمل مراقبة نزلاء المؤسسات السّجنية في تونس تحت عنوان “مقاومة التطرف داخل السجون” وذلك من خلال برنامج دعم  إصلاح القضاء الذي يموله الاتحاد الأوروبي بقيمة 100 مليون اورو والذي يقوم بدور توجيهي في عملية إصلاح القضاء حسب ما أكده مسئول الاتحاد الممول للبرنامج.

         وهكذا يبدو أن حكام تونس مازالوا على سياستهم القديمة في استمراء الخضوع للأوروبيين منذ عشرات السنين, و إن غبائهم السياسي وضعف قدراتهم الفكرية و القيادية إضافة إلى الأزمة الاقتصادية التي تعانيها البلاد جراء سياساتهم الفاشلة كل هذا شجعهم على تسليم الوزارات السيادية دون حياء للاتحاد الأوروبي ليتولى إعادة ترتيبها تحت مسمى الإصلاح بما يتلاءم مع ضمان مصالحه في ظل المتغيرات السياسية التي تعصف بالمنطقة.

         الزيارة الأخرى التي تمت الأسبوع الماضي هي لرئيس الوكالة الأوروبية لحرس السواحل – FRONTEX-  “فابريس لوجيري”, وهي الزيارة التي لم يرشح عنها أي خبر سوى بعض الصور المسربة من بعثة الاتحاد الأوروبي بتونس, فما الذي يفعله في رئاسة الحكومة بالقصبة رئيس وكالة أمنية مهمتها حماية السواحل الأوروبية, في وقت تزايدت فيه رحلات قوارب الهجرة نحو ايطاليا من الشواطي التونسية ؟, خصوصا إذا علمنا أن هذه الوكالة هي التي طلبت رسميا سنة 2007  من تونس والجزائر والمغرب المشاركة في الدوريات التي تقوم بها FRONTEX من اجل مقاومة الهجرة غير القانونية باستخدام المعدات اللازمة من طائرات وبواخر وتبادل المعلومات في هذا الشأن. وان هذه الوكالة التي تعتمد على شركات المناولة الخاصة في مراقبة الحدود وعمليات الترحيل, متهمة من طرف عديد المنظمات غير الحكومية –  Migreurop  و  Statewatch – بانتهاك حقوق اللاجئين والمهاجرين أثناء عمليات الترحيل القسري التي تقوم بها الوكالة, وأنها كانت  سنة 2014  وراء اعتماد السياسة الجديدة – Triton –  في التعامل مع المهاجرين والتي تعتمد على تكثيف المراقبة بدلا عن البحث والإنقاذ.

         إن سعي الأوروبيين نحو تعزيز مصالحهم وبسط نفوذهم هو أمر غير مستغرب من دول لا تخفي طبيعتها الاستعمارية منذ قرون, ولكن الأمر الغريب والمحيّر هو قبول حكام تونس بالتدخل المهين للدول الاستعمارية الأوروبية في شؤوننا الداخلية, ورضاهم بالارتزاق منهم مقابل فتات الأموال التي ينثرها الأوروبيون في زياراتهم.

    إن الدول الأوروبية الصليبية عبر تاريخها الطويل لم تكن تنظر إلى شمال أفريقيا سوى نظرة المستعمر إلى العبيد, وقد ازداد الحقد الأوروبي على شمال أفريقيا بعد أن استظل بنور الإسلام ودولة الخلافة. وكثيرا ما قام حكام أوروبا بتشجيع النزعات الاستقلالية لحكام تونس زمن الخلافة العثمانية لأجل إضعافها. ولقد تذرع حكام أوروبا في القرن 17 و18 بموضوع الهجمات على السفن التجارية في البحر المتوسط من طرف القراصنة من أجل الضغط على حكام تونس أواخر الخلافة العثمانية وفرض شروط مجحفة والتدخل في الشأن الداخلي, ما مكّن تلك الدول من بسط نفوذها والسيطرة على اقتصاد البلاد وإغراقها في الديون وهو ما أدى إلى احتلالها. وها هي الدول الأوروبية لا تزال على عدائها الصليبي القديم وما تزال تتذرع هذه الأيام بموضوع الإرهاب وتستفيد منه في الضغط على حكام تونس الحاليين واختراق جميع المؤسسات السيادية وتسخيرها لخدمة مصالحها.

محمد مقيديش

CATEGORIES
TAGS
Share This