الاتّحاد والنّضال بصمت
تراجع إلى الخلف حتّى كدنا لا نجد له من أثر، ابتدع أمينه العام نوعا جديدا من النضال سمّاه النضال بصمت ليبرر الانسحاب المدوي للاتحاد العام للشغل. معلنا عن دور جديد – قديم لاتّحاد الشّغل مساندة النّظام وضمان ديمومته.
بعد الثّورة عادالاتحاد إلى الظّهور بعد سُبات دام 23 سنة، عاد للظّهوريزعم مساندة الثّورة ثمّ ركب الأحداث ليكون القاطرة التي تقود المناوئين للسلطة، وجعلته الطّبقة السّياسيّة المدافع الأوحد عن المفقرين والمهمشين، والراعي الرسمي لحماية القدرة الشرائية للطبقات الهشة والضعيفة، فضلا عن دفاعه عن الطبقة الشغيلة وصغار الموظفين. وبمقتضى هذا الدّور ما كان للاتحاد أن يقبل البتة أن تتجاهله السلطة في أخذ القرارات أو تشكيل الحكومات، وإلّا فهيالإضرابات التي لا تكاد تنقطع والاحتجاجات السيف المسلط على الحكومات. هذامع تحريك آلة دعائية حيث يحتلبموجبها الانتهازيون والمتمعشون المنابر الإعلامية لترويج فكرة أن الاتحاد هو الضامن لوحيد لاستقرار البلاد والحارس الأمين لمصالح الناس هذا دون نسيان التذكير بأن اتحاد الشغل هو قلعة نضال بناها ” فرحات حشاد” وهذه القلعة لا تزال صامدة شامخة تصد وترد كل من يكيد لتونس وأهلها.
هكذا كان الاتحاد العام للشغل طيلة العشر السنوات التي تلت الثورةأو الأصح هكذا أرادوا له.إذ السياق حينها يقتضي إتباع سياسة ما يعرف بالتوافق وتوزيع السلطة بين عدة أطراف حتى ما عاد يُعرف من هو الماسك الفعلي للسلطة. فتفرق الفشل الذريع للحكومات المتعاقبة على الحكم بعد الثورة.
استغلّ الاتحاد العام للشغل هذا الوضع وانخرط في حرب مزايدات حتّى يُوهم الرأي العامّ بأنّالاتّحاد طرف فاعل يدافع عن مصلحة البلاد والعباد ويقف بالمرصاد للسلطة ويجبرها على الخضوع لمطالب الناس وتحقيق رغبتهم في العيش الكريم.
لكن دون تحقيق اي مكسب. فإضرابات واحتجاجات و ضغوطات اتحاد الشغل لم ينتج عنها شيء ولم تثمر اي شيء ينفع الناس، فاتحاد الشغل والحكومات المتعاقبة بعد الثورة كانوا بمثابة الشركاء المتشاكسون , وبمثابة وجهان للعملة الواحدة . تجمعهم وتفرقهم المصالح والمكاسب الذاتية , ويبقى الجامع الكبير لهم هو الحفاظ وحماية النظام الديمقراطي الوضعي , وبذل قصار الجهد في العمل على استمرار فصل الإسلام عن الحياة.سياق مرسوم ومخطط له من طرف المسئول الكبير، توافق وتقاسم للأدوار، وأريد للاتحاد أن يرتدي ذلك الثوب الذي ظهر به طيلة العشرية الفارطة، والغاية من ذلك تشتيت الانتباه عن مكمن الداء والذي هو طبيعة هذه الدولة و نظامها الديمقراطي المتهالك.
لكن بمرور الوقت وتتالي الخيبات والنكسات، طفح الكيل ولاحت في الأفق بوادر انفجار جديد قد يأتي على الأخضر واليابس، وحينها لم يعد بمقدور المسئول الكبير إتباع نفس النهج الذي سلكه بعد الثورة فذلك نهج بات مكشوفا ومفضوحا .
لذلك فتِح المجال للرئيس “قيس سعيد” ليصنع مشهدا “ثوريّا” جديدا لعلّه يكون بديلا عن المشهد القديم.
وبتغيّر المشهد، كان من الضّروريّ أن تتبدّل الأدوار أو تتعدّل في اتّجاه جديد هو التّسهيل “لتصحيح المسار” فساند اتحاد الشغل تدابير ” قيس سعيد” مساندة تامة،وسايرَه مسايرة تامّة، فكان بمثابة الحاضنة “للمسار الجديد”، وهنا أسند المسئول الكبيردورا جديدا “للاتحاد، فلم يعد أكبر قوة في البلاد’ هو امتصاص الغضب والتقليل من الإضرابات حتّى كادت تنتهي فلم تعد هناك إضرابات ولا احتجاجات، ولا تلويح بخوض معارك طاحنة من أجل الطبقات المفقرة والمجوعة والمعطلة عن العمل.
خفت صوت الأمين العام للاتحاد ومساعديه وقلّ ظهورهم إلّا في مناسبات نادرة يطالبون على استحياء بضرورة استئنافالحوار الاجتماعي.
هكذا عمل الاتّحاد وبقيّة الطّيف السّياسي على فتح المجال للرئيس قيس سعيّد و”للمسار الجديد” مسار القضاء على الثّورة نهائيّا والقضاء معها على حيويّة الشّارع، وعلى تمييع الحياة السّياسيّة بل قتلها.
هذا ما أراده المسئول الكبير، الذي يغير خططه ويحرك بيادقه وفق ما تقتضيه مصلحة شركاته ومخطّطه في تأبيد هيمنته على تونس وعلى كامل المنطقة (خاصّة الثّائرة و ما الاتحاد العام للشغل وكل المتشبثين بالنظام الديمقراطي وعلى رأسهم السلطة ومن يدور في فلكها إلا بيادق في خدمة سادة ما وراء البحار…
CATEGORIES كلمة العدد