الاحتكام إلى شرعه فرض، أترضون أن تبرأ منكم ذمة الله؟

الاحتكام إلى شرعه فرض، أترضون أن تبرأ منكم ذمة الله؟

بات المشهد السياسي في تونس يتميز بتواتر أنباء الإيقافات التي طالت شخصيات سياسية وإدارية، وزراء ونواب في البرلمان المنحل، وأعضاء في مجالس بلدية، إعلاميين ورجال أعمال، في قضايا اختلطت بين التآمر على أمن الدولة إلى الفساد المالي والإداري، وتبييض الأموال حتى التسفير، ولا ضير في أن يُصدّر كشكول القضايا هذه، بالحديث عن الإرهاب، حيث لا يدرك فيها الرابط بينها ولا التبرير. وقد عم أوارها مختلف معظم المشارب السياسية التي كان لها صلة بالحكم مباشرة أو معارضة، في مشهد لم تعرفه حتى أشدّ أيام الحراك الثوري حرارة. تجري الأحداث تحت “يافطة” محاربة الفساد والفاسدين، الذين نهبوا الدولة، رفعتها السلطة لتبرر بها إجرءات 25 جويلية 2021، كأساس منهجي للقضاء على الفساد الذي يعرقل الإصلاح الاقتصادي، ويُرشّد الحكم الذي عبثت به المهاترات السياسية، بينما يرى خصوم السلطة وضحاياها، في موجة الإيقافات، والإقالات في أعلى المناصب الإدارية، وتجميد عمل معظم الهيئات العامة، هو ضرب للحياة السياسية، وعرقلة للعمل المؤسسي، بل وتعطيل للدولة بأكملها.

       إلا أنه ورغم عدم انخداع الناس بجملة الحركات البهلوانية، من إيقافات لسياسيين أو مسئولين، أو غيرهم،  حتى وإن وضعت تحت عنوان حماية الدولة، بل لم يعد يعبأ بهم، ورغم عدم التفاتهم لموقف خصوم السلطة من أن الإجراءات التي اتخذت في حق كثير من معارضيها، لا تعدو إلا أن تكون تصفية حسابات ضد خصوم سياسيين واستغلال للنفوذ، ولا علاقة لها بحسن الرعاية وخدمة مصالحهم، يبقى موضوع المحاسبة ركنا أساسيا في حياة الشعوب حتى لا يطلق حبل القائمين على أمرها على الغارب.

فكان لا بد من أن تحدد أسس حفظ أمن الدولة، وتأمين الحياة السياسية، وحماية الاقتصاد، وصون الأموال… ومن نافلة القول أن قاعدة تأمين كل ذلك هو الفكر الجامع لمجموع الناس، والمحدد لمقام كل فرد في حقوقه وواجباته، وهو في حق أهل تونس وسائر بلاد الإسلام عقيدة التوحيد، وما انبثق عنها من معالجات. ولما كانت السلطة في تونس استعملت “حقها” في المحاسبة، وجب متابعتها في ذلك حتى يكون الإصلاح جذريا، ولا تهدر الجهود عبثا، فكان لا بد من طرح تساؤلات محورية حتى يستبين الأمر:

   1ـ هل أن المحاسبة، اليوم، لمن أذنب في حق البلاد والعباد تتم على ساس ما توجبه عقيدة أهلها؟

   2 ـ هل استجابت السلطة لإرادة الناس في التغيير الجذري بإسقاط النظام الذي ثاروا من أجل التخلص منه، أم تعمل على تثبيته؟

   3 ـ هل أعادت بسط سلطاننا على ثرواتنا ومقدراتنا، وأسقطت عقود الذل والهوان التي أبرمها من سبقهم؟

   4 ـ هل أن المرسوم الرئاسي عدد 76 لسنة 2022 والصادر بالجريدة الرسمية يوم 29 نوفمبر، والذي

أصبحت بمقتضاه تونس عضوة في إطار إقليمي واحد مع الكيان الإسرائيلي ومجموعة من الدول الأخرى فيما يسمى بالإدارة المتكاملة للمناطق الساحلية في المتوسط، هو مما يحفظ أمن الدولة، ويأمن الحياة السياسية، ويحمي الاقتصاد، ويصون الأموال؟

   5 ـ وهل أن توقيع تونس مع الاتحاد الأوروبي على مذكرة تفاهم حول “الشراكة الاستراتيجية والشّاملة” حول مكافحة الهجرة غير النظامية، والاقتصاد، والزراعة، والتجارة، والطاقة، والانتقال الرقمي يدخل في باب ضمان السيادة وعدم الوقوع في التبعية؟

   6 ـ ثم ما معنى مصادقة مجلس “نواب الشعب” يوم الثلاثاء 06 فيفري الجاري على انضمام تونس إلى اتفاقية مجلس أوروبا “المتعلقة بالجريمة الإلكترونية” المعتمدة أوروبيا منذ 23 نوفمبر 2001، حيث تتولى وبطلب من النظراء الأجانب التنسيق مع مختلف الهياكل الأمنية والعسكرية، والقضائية والإدارية والمؤسسات العمومية والخاصة، بهدف المساعدة على توفير الاستشارة الفنية والقانونية لمختلف نقاط الاتصال، وما هذه الفطنة والكياسة في تمرير هذا المشروع في أجواء محاكمة سياسية حتى تتجشأ “نائبة” لتغمز من عقيدة الأمة ودينها، ولم يلجمها أحد: “أي دين هذا الذي يعبد خفافيش الظلام وهمج العصر وعملاء الامبريالية والصهاينة” فعن أي دين تتحدث؟ ثم ماهي المعلومات التي تتطلبها شراكتنا الاستخباراتية مع أوروبا، وهل أن مجساتنا تعدل مكرهم؟ فهل أن اقتعاد مركز السلطة يبرر تمكين  شبكات  استخبارات الدول الاستعمارية من رقابنا، تحت ذريعة تبادل المعلومات؟ وما هو مفهوم العقيدة الأمنية عند السلطة وأعضاء البرلمان إذا كان العدو الأول لنا ولأنتنا وللإنسانية هو من نتهافت على التمسح على أعتابه؟ ليست فرنسا هي التي احتلت بلادنا؟ وأليست هي وسائر الدول الأوروبية، التي نعقد معها الشراكات المختلفة هي التي تقتلنا في غزة وفلسطين؟ أليست هي التي غدرت بنا في سربرينيتشا؟؟

 فما الذي أتاه ألائك الذين يحاسَبون اليوم، غير الذي تقترفه سلطة اليوم وبرلمانها وأجهزتها، من تهديد لأمن البلاد والعباد، و تفريط في مقدراتنا، وتهديد لمستقبل أجيالنا، غير الانخراط من جديد في متاهة الاستعمار الجديد، وتثبيت قبضته حول رقابنا؟

CATEGORIES
Share This