الاستشارة الإلكترونية وسياسة التضليل
الخبر:
تتكون الاستشارة الوطنية الإلكترونية، التي تهدف إلى التعرف على اقتراحات المواطنين بشأن القيام بإصلاحات سياسية تعرض على استفتاء شعبي، من ستة محاور وهي: الشأن السياسي والانتخابي والشأن الاقتصادي والمالي والتنمية والتحول الرقمي والتعليم والثقافة والوضع الاجتماعي والصحة وجودة الحياة.ويتضمّن كلّ محور أسئلة مع مساحة للتعبير الحر.
وكان رئيس الجمهورية قيس سعيد قد أفصح أثناء اجتماع وزاري عقده يوم 27 جانفي 2022، عن بعض نتائج الاستشارة الأولية، مشيرا إلى أن اختيار المشاركين يتجه نحو النظام الرئاسي بنسبة 82 بالمائة.
التعليق:
تعليقا على الخبر نورد النقاط التالية:
أولا: يُقدّر تعداد سكان تونس لعام 2021 بنحو 11,935,764 نسمة أما عدد المشاركين في الاستشارة الوطنية الإلكترونيةفقد بلغ 113457.إذا أخذنا في الاعتبارعدد البالغين الذين تتجاوز أعمارهم 15 سنة والذي هو 9051923،فإن نسبة المشاركة بالنسبة للعدد الجملي للسكان تكون:0.95 بالمئة فيما نسبة المشاركة بالنسبة لعدد البالغين:1.25 بالمئة.
وهذا يعني أن 99.05 بالمئة من كامل الشعب التونسي يقف ضد هذه الاستشارةأو لا تعنيه بالمرة،وأن 98.75 بالمئة من البالغين الذين يحق لهم “قانونا” إبداء رأيهم،هم أيضا ضدها أو لا تهمّهم،فلماذا إذا تزيف الحقائق ويُسوّق لها وكأن الشعب التونسي برُمّته مع قرارات الرئيس واستشارته؟
كان الأحرى بكم يا “أصحاب القرار” أن تقولوا الحق رغم مرارته، فنسبة الذين يُؤيّدون ما تدّعون أنهاإصلاحات هي نسبة مُخيّبة لآمالكم وآمال المستعمرين وإلاّ بالله عليكم كيف تقرؤون هذه النسبة 1.25 بالمئة؟
ولا يفوتني هنا التنويه أن النسبة الرافضة لإصلاحات الرئيس والتي تقدر ب:98.75 بالمئة ليست جماعة الشرعية وأنصار ما قبل 25 جويلية بل هي جميع فئات الشعب التي ذاقت ويلات حكام ما قبل 25 جويلية وآثام من أتوا بعدهم واكتوت بنيران السياسات الفاشلة, وأن حُكّام الفترتين في نظر الناس مجرمون ومكانهم السجون لا القصور.
ثانيا:حقيقة الاستشارة أنها نوع من التحيّل والاستبلاه لهذا الشعب المكلوم الذي تؤرقه لقمة العيش فما عاد يلقي بالا لوعود الحكام الكاذبة ولا قراراتهم الزائفة لذلك أدار هذا الشعب ظهره لهذه الاستشارة كونها من باب الهرطقة السياسية التي لا تُسمن ولا تُغني من جُوع, ولقد خبر هذا الشعب على مدى 11سنة مرّت كل الحكام, وبات من الصّعب الضحك عليه, وهذا ما دفع بالرئيس إلى هذه الاستشارة عبرإنترنت بعيدة المنال عن عموم الناس سعيا منه ليستفرد بها هو ومن والاه وتابعه ليجمع أصواتهم،ويجعلهم نسبا تنوب عن إرادة الشعب بلا تكليف ويستخلص منها النسب الخيالية التي لا يحلم بها في أرض الواقع.أيّ حيف وأيّ ظلم هذا الذي بات “الحاكم” يتحيّل به على محكوميه؟؟
ثالثا:هذه الاستشارة موضوعة على المقاس ومختارة أبوابها بعناية، فهي كالمتاهة التي تُفضي إلى مخرج واحد رغم تعدّد السُّبل.إذ تُعطي للشعب فرصة ممارسة سلطة مسلوبة باختيارات موهومة مُحددة سلفا من دوائر المكر العلماني فكل الخيارات هي تعبيرات عن نظام الحكم الوضعي النابع من الأهواء والشهوات لدى الرئيس, ومهما حلُم المرء فيها بنمط مُخالف إلاّ وجد نفسه داخل المستنقع ذاته، لذلك هؤلاء الحكام يبيعون وهما للشعوب يُخدّرهم إلى حين, مما يطيل في عمر الفساد ويضمن استمرارية نفس منظومة الحكم .
رابعا:كل الخيارات المطروحة في الاستشارة ترقيعية، وشتان بين الترقيع والتغيير, فالأول يُبقي البيت كما هو مع بعض لمسات الترميم فقط من أجل إخفاء العيوب، لكن التغيير يجتث الفساد من جذوره ويقطع معه نهائيا,فاسحا المجال للجديد المُغاير.
قيس سعيد يسعى لإصلاح البيت الآيل للسقوط والمنتهية صلاحيته منذ نشأته, بقوانين ومراسيم يفرضها فرضا بالحديد والنار مُغيّبا فيها شعاراته المُنمقة”الشعب يريد”التي صدّع بها الرؤوس أثناء حملته الدعائية الانتخابية ولا يمرّ يوم إلا ويُبدي تمسّكه أكثر بقراراته حتى يكتمل مشوار الإنعاش الديمقراطي،متحديا غير عابئ بحالة التذمر والاحتقان التي أوصل إليها البلاد والعباد.
كل هذا يعني أن الرئيس قيس سعيد يسعى للحفاظ على نفس منظومة حكم بورقيبة وبن علي مع بعض اللمسات التجميلية هنا وهناك “وفق إرشادات فرنسية ملموسة”، وبذلك يكون قد قدم خدمة جليلة للغرب لم يكن يحلم بها بعد حالة الانهيار التي بدأت تدب في جثة جسم النظام الرأسمالي الديمقراطي وتشريعاته برمتها.
خامسا:قال الرئيس أن نتيجة الاستفتاء تقول بأن الشعب يريد نظاما رئاسيا لا برلمانيا وهنا يبطل العجب بمعرفة السبب وهاهي النية المبيتة في إطلاق اليد وجمع تلابيب الحكم والتفرد بالحكم والتشريع بما يهوى ويريد بلا منازع.
ثم متى عبر الناس عن رغباتهم في نوعية نظام الحكم وهم الأغلبية الصامتة أم أنك جعلت نسبة الواحد بالمئة هي المُعبرة عن رغباتك؟وهل يختلف النظام البرلماني عن النظام الرئاسي وهما من مشكاة واحدة هي مشكاة النظام العلماني الرأسمالي الديمقراطي الجائر الذي حكمنا لعقود منذ الاستقلال المزعوم، وما أنتج فينا غير الشقاء والتعاسة؟هذه جريمة تحويل وجهة مع سبق الإصرار والترصد،لما تخيّرون الناس بين سيئ وأسوأ وكأنه ليس هناك من طريق للخلاص؟
ختاما نقول:
إنّ حالنا اليوم: كالعيس في البيداء يقتلها الظّمأ *** والماء فوق ظهرها محمول.
إننا مسلمون ومن أمة عريقة سادت الدنيا لقرون، لنا أصل وفصل ولسنا أمة لقيطة، فلماذا يُخيّروننا بين خيارين أحلاهما معاصي وذنوب وغضب ونار، أما من ملجأ آخر غير الأنظمة الوضعية ومخادعها ؟
بلى ولكنهم ليسوا من دُعاته ولا من حملته،إنه نظام الإسلام العظيم ودولته المنيعة، الخلافة الراشدة على منهاج النبوة،وعد الله وبشرى رسوله صلى الله عليه وسلم.
أيّها المسلمون، يا من تحبّون رسول الله ﷺ:إنّ في ذمتكم واجبا عظيما ستُسألون عنه يوم القيامة،فرض هو تاج الفرائض،فرض استئناف الحياة والعيش بالإسلام وإقامة دولة الخلافة،بها نُنقذ أنفسنا وبلادنا، من شرور الدّيمقراطيّة وسفاهة دعاتها, وبها نتحرّر من غطرسة المستعمر وجرائمه.
أما آن لأمّة محمّد ﷺ أن تصُحّ منها العزائم وتعلو الهمم فتقوم لله قومة رجل واحد وتفكّ عنها أغلال التشريعات البشرية الظالمةوتخلع العملاء وتطرد المستعمرين وتبايع خليفة لرسول الله ﷺ، يطبّق الإسلام، ويحمي البلاد وتمضي معه جيوش المسلمين لتحرير الأقصى الأسير وتوحيد بلاد المسلمين وإنقاذ البشريّة من شرور الرأسماليّة وجرائم الاستعمار وهيئاته ؟!
اعلموا هداكم الله أنّ أمر إقامة الخلافة، هو أمر الله ووعده لعباده المؤمنين، وليس فقط للأنبياء المرسلين، وهو أمر منصور سينصره الله ليس في الآخرة فحسب بل كذلك في الحياة الدّنيا، قال تعالى: ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَاد﴾.
وأخيرا هذا نداء ربكم فهلاّ لبيتم:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُون).
أ, علي السعيدي
CATEGORIES محلي