الانتخابات في النظام الديمقراطي خديعة متجددة
أكثر شيء يفتخر به كهنة معبد النظام الديمقراطي هو الانتخابات والتداول السلمي على السلطة, ويتباهون أيضا بشفافيتها ونزاهتها, هذا وتمثل الانتخابات في النظام الديمقراطي حجر الزاوية والشجرة التي تخفي وراءها كل مساوي هذا النظام القائم أساسا على الخداع وإجادة فنون التمويه والتضليل, وتأتي الانتخابات على رأس هذه الفنون, أو لنقل هي الملاذ الذي يلجأ إليه سدنة المعبد كلما بدأت بشاعة النظام الديمقراطي الرأسمالي تظهر للعيان وهذا يفسر تكرارها كل فترة محددة سلفا, بداعي ضرورة التداول على السلطة, وبحجة أن البقاء في الحكم لمدة غير محددة يولد الفساد ويعطي للحاكم مسوغا ليعبث بمصالح البلاد كيف ما يشاء, هذا من جانب, ومن جانب أخر يزعم القائمون على النظام الديمقراطي أنه بإمكان الشعب أن يحاسب ويعاقب الحاكم المتخاذل بعدم التصويت له في الانتخابات وذلك باختيار بديلا عنه, يرون فيه الكفاءة والصدق والإخلاص. لقد نجحوا في خداع كثير الناس وأوهموهم بأن انتخاباتهم هي السبيل الوحيد للتغيير, فإذا فشل رئيس ما, أو حكومة ما في رعاية شؤون الناس تتوجه أصابع الاتهام رأسا إلى من بيده زمام الحكم والحال وكما ذكرنا أكثر من مرة أن النظام الوضعي هو سبب الداء بل هو عين الداء.
بعد الثورة استبشر الناس وفرحوا وهللوا بإجراء أول انتخابات نزيهة وشفافة في تونس. تمت الانتخابات وجاءت الصناديق بمن توسم الناس فيهم خيرا, وكبر الأمل في القطع مع فترة “بن على” الغارقة في السواد, تماما كما هو حال فترة “بورقيبة”. الأمل الذي حلق بالناس نحو غد أفضل هو انتخاب الناس من سيحكمهم وتناسوا بماذا سيحكمهم. لقد حكموهم بما كان يحكم به “بورقيبة” و”بن علي” لهذا لم تتغير أحوالهم نحو ما هو أفضل وتغير إلى ما هو أتعس, مرت الخمس السنوات الأولى بكل مرها, وأعاد كهنة معبد الديمقراطية الكرة, وصاحوا في الناس: إن خلاصكم ونجاتكم من العوز والجوع والجهل ومن كل بلية هي الانتخابات, إن أنتم هجرتم مكاتب الاقتراع؟ سيحل بكم بلاء أعظم وأشد. خرج من غيابة صناديق الاقتراع حزب “نداء تونس” كما خرجت منها من قبله “حركة النهضة” وتشكلت حكومة مغايرة لسابقتها وبرلمان تختلف الأغلبية فيه عن البرلمان الذي كان قبله, لكن ظل الحال كما هو عليه.
تغير الأشخاص ولم يتغير حال البلاد والعباد البائس, لأن الأشخاص الذين خاضوا غمار الانتخابات سواء الفائز منهم والمنهزم, شربوا ماء مستنقع واحد, وترعرعوا في ورشات تكوين واحدة أو متشابهة, أي أنهم جميعا ودون استثناء سقاهم المستعمر أفكار حضارته ومفاهيمها وعند الحاجة أطلقهم ليخوضوا سباق الانتخابات, وها هو الآن يجهز في ورشاته المظلمة من سيخوض سباق الرئاسة, وكما جرت العادة سيقف عند نقطة الانطلاق من هو سيء ومن هو أسوأ ومن هو أكثر سوء من الأسوأ ليتمكن في النهاية الإبقاء على السوء ذاته وهو النظام الديمقراطي الوضعي. فالذي يرى الناس فيه التعفف أو ما يعبرون عنه ب”نظافة اليد” لا يختلف في شيء عن الفاسد واللص والعميل والخائن, مادام يحكم بغير ما أنزل الله, فكل من ينبذ شرع الله وراء ظهره ويتبع ما تتلوه شياطين واشنطن, ولندن, وباريس, وباقي أشياعهم هو فاسد وخائن وعميل وإن ادعى غير ذلك. حتى وإن كان من المتعففين ومن ذوي الأيادي النظيفة.
لقد زرعوا الوهم في عقول الناس وظلوا يرعونه ويسقونه حتى كبر ونما, أوهموا الناس أن التغيير لا يكون إلا إذا كان الإقبال كثيفا على مكاتب الاقتراع. ومن لا يذهب ذات يوم أحد لينتخب هولا يريد الخير للبلاد والعباد, وربما يكون عميلا وخائنا. وضعوا الانتخاب في خانة الواجبات, وفي اليوم الموعود يجندون كل أبواقهم لتستنفر الناس وتحرضهم على الذهاب إلى مكاتب الاقتراع بحجة أن ذلك هو السبيل في تغيير الأوضاع نحو الأفضل, والأكثر من هذا كل تلك الأبواق تقر بان الوضع سيئ وان أحوال الناس في منتهى البؤس, لذا على الجميع المشاركة في الانتخابات والمساهمة في تحسين الوضع. همهم الوحيد هو أن تكون نسبة المشاركة مرتفعة لأن في ذلك تثبيت وترسيخ النظام الديمقراطي, أما هموم ومشاغل الناس فهي متروكة للانتخابات القادمة لتكون بضاعة يروجها تجار السياسة في سوق انتخابات النظام الديمقراطي الشبيهة وإلى حدّ بعيد بسوق النخاسة..
CATEGORIES كلمة العدد