الانتفاضة الشعبية في الجزائر: الإنجازات التي حققتها والإنجازات الباقية
ما كان أحد من المراقبين والمحللين حتى المنتفضين والثائرين يتوقع أن يحدث مثل ما حدث في الجزائر منذ يوم 22 شباط من هذه السنة، فما زالت الانتفاضة مستمرة منذ ستة أشهر ولم تضعف، رغم تجربة الناس مع النظام الاستبدادي الذي أقامه المستعمر على أسسه وأفكاره وليخدم سياسته بعد رحيله ويحول دون تحرر الأمة، ورغم استبداد بوتفليقة ونظامه عشرين عاما متوائما ومتوافقا مع الجيش لئلا يحاسب أحدا من المجرمين العلمانيين الذين تشبعوا بالثقافة الفرنسية الاستعمارية السامة فأصبحوا أعداء لأمتهم وشعبهم ودينهم، فيصرح أحد قادتهم عندما قاموا بانقلاب على الشعب عام 1992 والذي تولى رئاسة الأركان محمد العماري وكان ضابطا في الجيش الفرنسي حتى عام 1962 ومن ثم اندس على الثورة عندما أصبحت على وشك الانتصار، فيصرح قائلا: “إننا مستعدون لقتل 1,5 مليون لحماية الجمهورية”. فهو يدرك ما يقول، لأنه يريد أن يقتل الملايين من أهل الجزائر المسلمين الذين صوتوا لعودة الإسلام إلى الحكم، فصوتوا في الجولة الأولى من الانتخابات للجبهة التي لها توجه إسلامي بنسبة 84%، فقامت شرذمة عسكرية منحرفة مكونة من أمثاله ومنسلخة عن فكر الأمة وتابعة للاستعمار بانقلاب حتى لا تسقط الجمهورية آخر معاقل الاستعمار، فارتكبوا الجرائم بحق شعبهم، فقتلوا مئات الآلاف من الشعب خدمة للاستعمار بدعم مباشر من فرنسا المستعمرة حيث صرحها رئيسها يومئذ ميتران قائلا:” سنتدخل في الجزائر إذا أقيمت فيها دولة إسلامية ” هذه فرنسا أم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان لم تسمح بحرية الشعب واختياره وتحرمه حقوقه إذا تعلق الأمر بالإسلام، وهي الدولة المجرمة التي قتلت مليون ونصف من الشعب الجزائري أثناء ثورته للتحرر من استعمارها البغيض الذي تغلفه بهذه الأفكار التي يحسبها الجاهل حلوة وجميلة وتعتبر نفسها وصيا على الجزائر.
فكان أول إنجاز للشعب هو انتفاضته ضد مخلفات الاستعمار: الاستبداد والظلم والنظام الفاسد والقائمين عليه. أي كسر حاجز الخوف وإدراك أن الفساد آت من النظام، فإذا فسد الرأس فسد الجسم لأنه هو القائد والراعي والحافظ، فهو الذي يقود الناس إلى الوجهة الصحيحة أو الوجهة الخاطئة وينهض بهم أو يحط بهم، ويرعى شؤونهم ويحل مشاكلهم أو يجعلها تتراكم وتتعقد، ويحفظ أرواحهم وأعراضهم وأموالهم أو ينتهكها ويهدرها.
فالمجتمع هو النظام والأفكار والمشاعر والناس. فالنظام يطبق على الناس بالرضى لمن رضي به وبقوة السلطان لمن لم يرض به ، والأفكار تتنتشر بين الناس بقناعة أو بدون قناعة والمشاعر تطغى على الناس بتأثير النظام والأفكار. فالفساد آت من فساد النظام والأفكار والمشاعر، فإدراك هذه الحقيقة مهم جدا، لأنه يرشد الإنسان إلى طريق التغيير، بعكس التخدير الذي نشره المستعمرون وعملائهم وتأثر به مسلمون غير واعين بالقول غيّر الفرد يتغير المجتمع. بل الصحيح غيّر النظام والأفكار والمشاعر يتغير الأفراد ويتغير المجتمع كليا.
وثاني إنجاز هو إجبار الرئيس وزمرته الفاسدة على الاستقالة وطلب محاكمتهم، والمطالبة بالإتيان بأناس صالحين يحكمون البلد لم تتلوث أيديهم بالفساد.
فإدراك أهمية صلاح الحكام مهم أيضا. فكما ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم بوحي من ربه:” صنفان من الناس إذا صلحا صلح الناس، وإذا فسدا فسد الناس: العلماء والأمراء ” “( رواه أبو نعيم في الحلية عن ابن عباس) وفي رواية أخرى ” السلطان والعلماء”( فوائد تمام الرازي) وفي رواية أخرى ” الأمراء والفقهاء” (جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر) وكل ذلك يدل على أهمية السلطان والحكام بجانب العلماء الذين ينشرون الأفكار ويحاسبون الحكام.
وقد ركز القرآن الكريم على أهمية الحكم بما أنزل الله وعلى من يحمل أمانة الحكم أن يؤديها على وجهها الصحيح فقال تعالى:” اِنَّ اللّٰهَ يَاۡمُرُكُمۡ اَنۡ تُؤَدُّوا الۡاَمٰنٰتِ اِلٰٓى اَهۡلِهَا ۙ وَاِذَا حَكَمۡتُمۡ بَيۡنَ النَّاسِ اَنۡ تَحۡكُمُوۡا بِالۡعَدۡلِ ؕ اِنَّ اللّٰهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمۡ بِهٖ ؕ اِنَّ اللّٰهَ كَانَ سَمِيۡعًۢا بَصِيۡرًا ﴿النساء ۵۸﴾ أي واجب على الأمة أن تسلم الحكم لمن هو أهله وقادر على أن يؤدي الأمانة التي حملها الإنسان وهي عبادة الله بالقيام بما أمر والانتهاء عما نهى. فيجب أن يعطى الحكم لمسلمين أقوياء واعين مخلصين، آمنوا بالله ورسوله وحريصين على أداء الأمانة، فوجبت طاعتهم، وإلا فلا.
ولذلك ألحقها الله جل وعلا بآية أخرى قائلا:” يٰۤـاَيُّهَا الَّذِيۡنَ اٰمَنُوۡۤا اَطِيۡـعُوا اللّٰهَ وَاَطِيۡـعُوا الرَّسُوۡلَ وَاُولِى الۡاَمۡرِ مِنۡكُمۡۚ فَاِنۡ تَنَازَعۡتُمۡ فِىۡ شَىۡءٍ فَرُدُّوۡهُ اِلَى اللّٰهِ وَالرَّسُوۡلِ اِنۡ كُنۡـتُمۡ تُؤۡمِنُوۡنَ بِاللّٰهِ وَالۡيَـوۡمِ الۡاٰخِرِ ؕ ذٰ لِكَ خَيۡرٌ وَّاَحۡسَنُ تَاۡوِيۡلًا ﴿النساء۵۹﴾
فهذه الآية تضمن خمسة أمور مهمة:
أولاها: وجوب الحكم بما أنزل الله، ولا طاعة لمن لم يحكم بما أنزل الله.
وثانيها: وجوب تنصيب حكام أمناء غير فاسدين يحكمون بما أنزل الله.
وثالثها: وجوب محاسبتهم باقرار احتمال حصول التنازع بقوله تعالى ” فَاِنۡ تَنَازَعۡتُمۡ “، وتكون المحاسبة استنادا إلى أوامر الله ورسوله أي إلى الكتاب والسنة.
ورابعها: وجوب تنصيب قضاة يفصلون الخصومات بين الناس وقضاة يحلون النزاع بين الناس والحكام وهم قضاة المظالم أي محكمة المظالم، ويكون الفصل وحل النزاع بناء على ما ورد في الكتاب والسنة.
وخامسها: وجوب وجود فقهاء وعلماء للقيام بمهمة القضاء لفصل الخصومات وحل النزاع بين الأمة والحكام.
ولهذا مدح الله العلماء بقوله: ” اِنَّمَا يَخۡشَى اللّٰهَ مِنۡ عِبَادِهِ الۡعُلَمٰٓؤُا ؕ اِنَّ اللّٰهَ عَزِيۡزٌغَفُوۡر” ﴿فاطر ۲۸﴾. ومعنى ذلك أن من اتصف بصفة أهل العلم يجب أن يخشى الله ولا يخشى الحكام ولا يخشى أحدا غير الله، وإلا فلا يعتبر عالما، ولا يمكن أن يقضي بين الحكام والناس بالحق كما أنزل الله، ولا يقول كلمة الحق للحكام. فالعالم الذي يخشى الله لا يخشى بطش الحكام ولا يخشى في الله لومة لائم، فهو يحاسبهم ويؤطرهم على الحق أطرا، ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر. فصاحب العلم إذا فقد الخشية من الله فيكون قد فقد صفة العالم الأمين، فهو غير أمين أن يفتي بالحق ويقضي بالعدل.
وقد طلب الرسول أن يكون الحاكم قويا قادرا على حمل الأمانة وأدائها على أحسن وجه، فعندما قال أبو ذر رضي الله عنه:” يا رسول الله ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على منكبي، ثم قال: يا أبا ذر إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها” (مسلم)
وثالث إنجاز إصرار الناس على التغيير من دون تنازل حتى الآن رغم مرور مدة ستة أشهر، وعدم قدرة أي شخص من المتطفلين والمنتفعين أن يتسلق ليركب على ظهور الناس فيتزعمهم ويحرف أهدافهم ويشارك الانقلابيين أو الحكام الفاسدين ويشترك في النظام ويبقيه على ما هو. ونحذرهم من حصول مثل ذلك، كما حصل مؤخرا في السودان بأن تسلق على ظهور الناس من أطلق عليهم قوى الحرية والتغيير الذين رضوا بحكم العسكر وشاركوهم في الحكم وأقروا بالنظام الفاسد وهم عملاء كالانقلابيين، إذ رضوا بتدخل أمريكا وبريطانيا وأتباعهما من الاتحاد الأفريقي إلى الدول الإقليمية كأثيوبيا وبما فرضوه عليهم. فهؤلاء لن يحلوا مشاكل الناس، وهم لم يقدموا أي حل لمشاكل الناس، وإنما عند مشاركتهم للعسكر في الحكم اعتبروا أن الثورة قد انتصرت. ومثل ذلك حصل في تونس فالناس ثاروا، وعند أول انتخابات انتخبوا من ادّعى أنه سيأتي بالإسلام إلى الحكم، فخذلوا الناس وخانوا الله ورسوله، وركنوا إلى الظالمين وأسندوا حكمهم المتهاوي الذي ثار عليه الناس وقد أذاقهم الويلات منذ بورقيبة إلى ابن علي وهو امتداد لحقبة الاستعمار.
الاستعمار جاثم بخلاياه النائمة
لقد رحل الاستعمار بجيوشه ولكنه لم يرحل بفكره وثقافته التي تأثر بها بعض الناس، فيخرج من أبناء الأمة كأولئك الانقلابيين في الجزائر ويحارب شعبه الذي طالب بعودة الإسلام إلى الحكم. فأوجد الاستعمار خلايا نائمة ممن اندسوا على المجاهدين، من العملاء الذين يحملون ثقافته وفكره ويدافعون عنه كما يدافع عنها المستعمر نفسه وأكثر، وهذا ما نراه أيضا في تونس، أبناء المسلمين يحملون فكر المستعمر ومتسممين بثقافته يحاربون دينهم ومن يدعو له، ينادون بإفرازات المستعمر القذرة من علمانية وديمقراطية وليبرالية وحقوق إنسان وحقوق المرأة ويدّعون أنهم مسلمون! وعندما يهلك رئيسهم السبسي يقرأون عليه القرآن الكريم، وقد حاربوه عندما دعوا إلى العلمانية التي تفصل الدين عن الحياة وعندما دعوا إلى الديمقراطية بجعل الشعب مشرعا، وحملوا فكرا مخالفا لما ورد فيه، وتسمموا بثقافة المستعمر، وما فعلوه وفعله رئيسهم وطبقه مخالف لنصوصه الصريحة ، ومن ثم يصلون عليه صلاة الجنازة التي فرضها الله بوحي منه لرسوله في السنة النبوية الشريفة! فهم في تناقض عجيب!
لقد ثار أهل الجزائر وأهل تونس ضد المستعمر الفرنسي بدافع إسلامي حيث قاموا يلبون نداء الجهاد الذي فرضه الله على المؤمنين لتكون كلمة الله هي العليا وتكون كلمة المستعمر الكافر من علمانية وديمقراطية وجمهورية وليبرالية وشيوعية واشتراكية وسائر الأفكار والقوانين الغربية هي السفلى. ولقد تسلل إليهم بواسطة العملاء الذين خدعوا الناس بأنهم مجاهدون وائتمروا بأمره فأقاموا نظام الجمهورية.
والإنجازات الباقية التي على الشعب في الجزائر هي:
-
هدم آخر معاقل الاستعمار الجمهورية، وهي لا تعني الجزائر، بل هي نظام استعماري استبدادي يخالف نظام الحكم في الإسلام وهو نظام الخلافة.
-
العمل على جعل الجزائر نقطة إرتكاز لإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة. حيث إن الجزائر ضمن الخلافة حتى مجيء الاستعمار عام 1830.
-
تطهير البلاد والعباد من براثن الاستعمار وهي ثقافته وأفكاره ورميها على مزبلة التاريخ التي جعلت البلاد أسيرة بيد المستعمر ومتأخرة عن الركب. فيجب محاربة ثقافته من علمانية وديمقراطية وحريات عامة وحقوق إنسان وغيرها من أفكار المستعمر.
-
الدعوة إلى سيادة أفكار الإسلام وأنظمته وإيجاد الرأي العام لها .
-
إسقاط النظام، ولا يعني إسقاط الحكام فقط، بل إسقاط الفكر القائم عليه والدستور الذي يطبقه، والإتيان بدستور نابع من دين الأمة، تستنبط مواده من الكتاب والسنة.
-
البحث عن قادة مخلصين واعين هاضمين لفكرة الإسلام قادرين على الحكم بالإسلام أمناء وتسليمهم أمانة الحكم.
-
الضغط على الجيش لتحقيق هذه الإنجازات، فيجب أن يخاطب بها ويجري الاتصال معه لإقناعه بها، وتنظم المسيرات والمظاهرات والاعتصامات وينادى بها.
-
عدم الخوف والإنخداع بما يلوحونه من تهديدات بحصول ما حصل بعد إنقلاب الجيش على الشعب وتنكيله بالناس، فيجب البعد عن استعمال الوسائل المادية، بل يجب إبقاءها سلمية.