البرلمان ملجأ الفاسدين ومنفذ للاستعمار

البرلمان ملجأ الفاسدين ومنفذ للاستعمار

هو أحد الأضلع الثلاث وأهمها في النظام الديمقراطي الوضعي, وتحت قبته ينازع أعضائه الله في حق لا يملكون منه فتيلا. مثله مثل خلق السموات والأرض وتدبير الليل والنهار وتصريف الرياح والبعث والنشور, وغيره من الحقوق التي حرمها الله على البشر, الا وهو حق التشريع. جعلوا منه الوكر الذي تدخله الأفاعي بتفويض من الشعب, تتسلل إليه من ثقوب صناديق يجمعون لها الناس في يوم زينة وقد أرهبوا بصائرهم قبل أبصارهم بسحر مبين هو انتخاب من يتجشم عناء الحكم بدلا عنهم, ويضحي بالغالي والنفيس في سبيل أن يوفر لهم الرفاه والعيش الكريم, ويستميت في الدفاع عن مصالحهم ومصالح البلاد.. هذا ما يوهمون به الناس فينساقون وراء أراجيفهم بدعم من جوقة الاعلام وجحافل الأفاكين ممن يسمونهم بالنخب والطبقة المثقفة ونحو ذلك كالمسمى بالمجتمع المدني ومن لفّ لفه. هذا وكل من يروم أن ينتبذ مكانا تحت قبة البرلمان ما عليه إلا أن يقدم ترشحه ضمن قائمة حزبية كانت أم مستقلة ويتسلح بترسانة من الكذب والدجل عساه يغنم ما يكفيه من الأصوات تمكنه من أن يكون أحد “نواب الشعب” أو بالأحرى أحد المشرعين من دون الله, وأحد المتمتعين بحصانة منحها النظام الديمقراطي لكل من استظل بظل قبة البرلمان فلا تطاله محاسبة ولا حتى مجرد مساءلة, شأنه في ذلك شأن من يسكن قصر قرطاج ويعتلي هناك هرم ما يسمى بالسلطة التنفيذية, أي رئيس الدولة.

هذا وإن شئنا تحديد من هو المستفيد من البرلمان نجد اثنين لا ثالث لهما ومن الأكيد المؤكد أن الشعب الذي شيدوا قصر البرلمان من أجله ومن اجل خدمته ليس بثاني الاثنين المستفيد من وجود البرلمان ولا البلاد أيضا لها نصيب من بركاته. إذن, فمن هما الرابحان من هذا الوكر؟

المسؤول الكبير

ما كان للمستعمر أن يحكم قبضته على بلادنا لولا أذياله الذين صنعهم على عين منه ثم سلطهم علينا ليمهدوا له الطريق لبسط نفوذه على مقدراتنا وخيراتنا وما كان لخدمه أن يمكنوه منا لول أنهم لم يدبروا بليل دساتيرا فصولها عبارة عن خناجر غدر غرست في ظهورنا وعملت في أجسادنا حتى حولتنا إلى مزق لا حول لنا ولا قوة. دساتير خطتها أيادي أثمة فصَلت الإسلام عن الحياة مما سمح للقوى الاستعمارية الاستحواذ بالكامل على البلاد ببشرها وحجرها، وكان الدستور الذي حيك تحت قبة البلمان القاعدة التي منها اطلقت أيادي تلك القوى الغاشمة لتعيث فسادا في أرضنا, وبعدها تَفرّغ البرلمان ليمارس عملية البيع بالتفصيل, وذلك عبر المصادقة غير المشروطة على مشاريع قوانين كانت السبب المباشر في رهن البلاد وشقاء العباد. فالدين الخارجي الذي تجاوز 70 بالمائة من الناتج المحلي كان حصاد جلسات البرلمان التي انعقدت للمصادقة على قروض صندوق النقد الدولي وروافده. فجميع القروض وجميع شروط واملاءات ذلك الصندوق صادق عليها أعضاء البرلمان ولم يرفضوا منها لا الكثير ولا القليل. يصادقون بالأغلبية بعد انتهاء مسرحية التنديد بالمديونية وشجب الارتهان للأجنبي وسب الاستعمار وشتم من يتعاون معه. بعد أن ينتهي هذا العرض السمج  يطأطأ جميع النواب رؤوسهم ويصادقون على القروض وهم صاغرون. لم يسبق أن النواب للمسؤول الكبير طلبا, فكل الاتفاقيات القاسمة لظهورنا صادقوا عليها ولم يغادروا منها كبيرة ولا صغيرة إلا ومرروها. اذن فأول وأكبر المستفيدين من البرلمان هو المستعمر فلولاه لما جاس خلال ديارنا.

المشبوهون والفاسدون

أما الطرف الثاني المستفيد من البرلمان ومن حصانته الآثمة فهم الفاسدون ومرتكبوا الجرائم بكل صنوفها المالية والأخلاقية.. فمن بين 100 نائب ترشحوا مجددا 20 نائب متهمون في قضايا متعددة منهم 12 نائبا عن “حزب نداء تونس” فقط وجهت لهم  تهم تتعلق بالثراء الفاحش غير المشروع, وتبيض الأموال والحصول على الرشاوي, هذا في ما يخص من لم يتمكنوا من ولوج جحر البرلمان مجددا والتخفي في ظلمته وحرموا من نعيم الحصانة. أما من ابتسم له الحظ وتمكن من تجديد اقامته بالمجلس الضرار فسيواصل الرتع في أرض الفساد دونما رادع ولا حسيب ولا رقيب, صحبة الوافدين الجدد على البرلمان من المشبوهين والفاسدين, وكله بفضل قوانين سنتها الأهواء تحت قبة البرلمان الذي هو أساس كل مفسدة وأصل كل مظلمة. ومن أفسد وأظلم ممن يشرع من دون الله ويجاهر بمحاربة أحكام دينه, وإن كان هذا هو الدور الأساسي للبرلمان فلا غرابة أن يتهافت عليه كل لص وكل مشبوه، ولا غرابة في أن تبذل في سبيل حيازة مقعد من مقاعده الأموال الطائلة ما دام هو الملاذ الأنسب لإخفاء ما علق بهم من قذارة. والأهم من هذا تمكنهم من خدمة المسؤول الكبير وتقاسم رضاه مع من يسكن الوكرين الأخرين, وكر القصبة ووكر قرطاج. وكله في نطاق احترام دولة المؤسسات والقانون.

حسن نوير

CATEGORIES
TAGS
Share This