“البناء القاعدي”: شكل آخر لوهم الديمقراطية

“البناء القاعدي”: شكل آخر لوهم الديمقراطية

كل وثن يعبد من دون الله ,جعلوا له أشكالا متعددة وتسميات مختلفة, والنتيجة واحدة هي زيادة في التضليل وإمعان في  الصدّ عن الحق, كذلك هي الديمقراطية, فقد تفنن كهنة معبدها في جعلها متنوعة ومتعددة, فمن لا تروق له ما يسمى بالديمقراطية التمثيلية يمكنه أن يلوذ بركن الديمقراطية المباشرة, وإذا لم يجد فيها ما يسدّ جوعته ما عليه إلا أن يرفع لواء ما يسمى بالديمقراطية الدستورية أو شقيقتها المسماة بالديمقراطية الرقابية, وإن لم يجد ضالته عند كل هذه الأشكال من الديمقراطيات, ما عليه إلا أن ينكب على تعلم قيم ومفاهيم الديمقراطية وأن يحرص كل الحرص على أن يكون تلميذا نجيبا, والأهم أن يكون مطيعا ومخلصا, لكهنة معبد الديمقراطية حتى يطلعوه بكل الطقوس التي فرض وأوجب “عجلهم” إتباعها والتقيد بها.

تعد الديمقراطية التمثلية الآلهة الكبرى والأكثر تقديسا وتعظيما من قبل كهنة المعبد, وأتباعها ومعتنقي دينها هم الأكثر في العالم لكونها هي الأقدر على الإيهام والتلبيس والخداع كما أنها الأكثر قدما من الأشكال الأخرى, إلى جانب هذا الشكل يوجد شكل آخر أقل منه رواجا وشهرة, وهو ما يسمى بالديمقراطية المباشرة أو “ديمقراطية البناء القاعدي”, هذا الشكل  كغيره من أشكال الديمقراطيات الأخرى حجر الزاوية فيه هو أن السيادة تكون للشعب فهو من يحكم نفسه, ففي الديمقراطية التمثيلية يختار من ينوبه في ذلك عبر انتخاب برلمان يشرّع وبسن القوانين نيابة عن الشعب, أما في الديمقراطية المباشرة لا يحتاج الشعب لمن بمثله فهو من يصوت على القرارات الحكومية مثل المصادقة على القوانين أو رفضها, هذه هي الخطوط العريضة لأبرز أشكال الديمقراطية التي لا تتجاوز أفكارها ومفاهيمها حدّ الكذب والخداع, فحكم الشعب للشعب وحكم الأغلبية لا وجود لها إلا في مخيلة السذج والحمقى, فالذي يحكم هو مصلحة أرباب النفوذ سواء كانوا أفرادا أو دولا, فالنفعية هي صاحبة الكلمة العليا في النظام الديمقراطي مهما كان شكل الديمقراطية المطبق.

في تونس وبعد الإطاحة ببن علي سارعت القوى الاستعمارية إلى تدارك أمرها, وحاءت يمن يحافظ على تواجدها ويحمي مصالحها عبر تكريس النظام الديمقراطي بشكله التمثيلي. بعد الفشل المدوي للنظام الديمقراطي, تداركت القوى الاستعمارية الأمر ثانية وجاءت بمن ينقذ الديمقراطية من السقوط حتى ولو بالشكل الذي لا تتبناه تلك القوى ويختلف مع قناعاتها. هنا كان ” قيس سعيد” ومعه مشروع البناء القاعدي, وبالفعل كان له ما أراد, بدأ بالاستشارة الالكترونية, مرورا بالاستفتاء على الدستور, وصولا إلى تركيز المجالس المحلية والجهوية.. “قيس سعيد” بشر بما تنطوي عليه الديمقراطية المباشرة من كذب ودجل كما هو حال باقي أنواع الديمقراطية.. لقد بشر الشعب بأن يكون هو صاحب القرار الأول والأخير, وبيده مقاليد كل شيء ولا إرادة تعلو على إرادته, فعبر المجالس المحلية والجهوية يتم تحديد حاجيات الناس ومنها تصنع القرارات وترسم الاستراتجيات, وتنجز المشاريع. توجه يبدو في ظاهره مختلف عن الشكل التمثيلي, لكن في حقيقة يشبهه إلى حد التطابق, فإن كانت الديمقراطية التمثيلية تخدم مصالح أصحاب النفوذ وأرباب المال, فالديمقراطية المباشرة أو ما يسمى بالبناء القاعدي يخدم مصلحة الفرد الواحد المتمثل في رأس السلطة أي رئيس الدولة. فكل حاكم مهوس بالسلطة ولا يقبل البتة أن يقاسمها مع أحد يجنح إلى ما جنح إليه “قيس سعيد”, والغطاء في ذلك هو “الشعب يريد” و”هذا ما قرره الشعب”.. وعند الفشل, بتم استحضار عفريت “هناك من” وإخراجه من القمقم. هذا التوجه وإن كان لا يروق لزعماء القوى الاستعمارية فانه يحظى برضاهم, فهو في النهاية من صنعهم وان كانوا لا يعتمدونه, ثم وهذا الأهم بالنسبة إليهم يضمن وبشكل قوي استمرار وتثبيت فصل الإسلام عن الحكم وفصله عن الحياة. هذا ما يهمهم وما دون ذلك يمكن التغاضي عنه. شغلهم الشاغل هو عدم استئناف الحياة الإسلامية بإقامة دولة الخلافة, لأنه وهذا معلوم في ظل وجودها, يقطع دابرهم ولا يكون بمقدورهم الحصول ولو على حبة رمل من بلاد المسلمي.

CATEGORIES
Share This