البنك الفرنسي التونسي, عينة من قضايا الفساد ونهب المال العام

البنك الفرنسي التونسي, عينة من قضايا الفساد ونهب المال العام

لا تزال قضية البنك الفرنسي التونسي تلقي بظلالها على الدولة التونسية وحاكميها منذ ثمانينيات القرن الماضي. عملية ترفيع في رأس مال البنك سنة 1983 سرعان ما تحولت إلى قضية مالية دولية بين الدولة التونسية والشركة العربية للاستثمار ABCI، التي يشرف على إدارتها التونسي عبد المجيد بودن إلى جانب الأمير السعودي بندر بن سلطان. ونعرض عليكم أهم تفاصيل هذه القضية التي جمعت كافة أنواع التجاوزات والخروقات المرتكبة من أجهزة الدولة والجهاز التسييري للبنك.

1 – مرحلة الخوصصة والمصادرة (1980 – 1989)

يعتبر البنك الفرنسي التونسي أحد فروع الشركة التونسية للبنك  STB ويعود أصل القضية لسنة 1980 حيث قررت الدولة رفع رأس مال البنك إلى 5 مليون دينار وفتحه للاستثمار الخاص وتم الترخيص للشركة  العربية للإستثمارABCI  لاقتناء 50 بالمائة من ملكية البنك مقابل 2.5 مليون دينار. وقد قامت الشركة بتحويل المبلغ المذكور للبنك المركزي التونسي في 1982 ولكن تم تجميده وفي 30 ديسمبر 1982 تمّ إلغاء الترفيع في رأسمال البنك. الأمر الذي نتج عنه النزاع القائم أساسا حول الأموال التي تمّ تحويلها بعنوان المساهمة في رأس المال والغلة الناتجة عن تجميد الاموال المذكورة.

2 – مرحلة الاختلاس ومنح القروض لمافيا الفساد (1989 – 2011)

وامتدت هذه المرحلة خلال فترة حكم الرئيس المخلوع وعمدت  منظومة الفساد إلى الإختلاس وفق نوعين من العمليات المالية :

أ( القروض الخاسرة:

 تعمتد هذه التقنية على اقراض مجموعة من رجال الأعمال الفاسدين وانتظار الأجل الأقصى للتسديد، حينها يرفع البنك قضية لدى المحاكم التونسية دون تقديم حجج وبراهين ثابتة وهو ما يجعل البنك يخسر القضية ويسجلها في قائمة الخسائر وتبقى المبالغ في جيوب المتنفذين وناهبي المال العام.

ب) القروض الهالكة:

 تعتمد هذه التقنية على منح قرض للحريف وبعد مدة قصيرة يقع إلغاء الضمانات وتصفيتها بمشاركة موظفي البنك ويقع إعادة جدولة القرض من أجل التمويه ويفقد بذلك البنك الضمانات التي يمكن أن تعود له في حالة عدم إرجاع القرض والذي طبعا لا يحصل وتسجل المبالغ ضمن خسائر البنك.
وصل مبلغ القروض الهالكة لحدود سنة 2016، مبلغ 450 مليون دينار

3- مرحلة محاولة التصفية والتغطية (2011 – 2018)

أ) محاولة التصفية

في 13 ديسمبر 2012، أوصى البنك المركزي خلال مجلس وزاري لحكومة الجبالي بتصفية البنك وذلك بهدف تقليص الخسائر ولكن الهدف الحقيقي لهذه العملية التغطية وإخفاء البراهين وعدم تحديد المسؤولين عن هذه الوضعية.

في 15 ديسمبر 2015، وخلال مجلس وزاري لحكومة حبيب الصيد تمت المصادقة على مسار التصفية التدريجية للبنك والذي دافع عنه المسؤولون في البنك المركزي، وفي حكومة الصيد.

في 2018، فعل البنك المركزي صندوق ضمان الودائع تمهيدا للتصفية. وبهذا يتضح أن القرار قرار سياسي بامتياز يكشف تمشيا معينا للقائمين على الشأن العام وهو التستر على اللصوص والمجرمين لفائدة لوبيات ومافيا المال.

ب) التغطية

طلب بنك النقد الدولي في 2013 من تونس القيام بتدقيق للبنوك التونسية العمومية وعهد لمكتب       PricewaterhouseCoopers  بالقيام بالتدقيق في وضعية الشركة التونسية للبنك وهي الشركة الأم للبنك الفرنسي التونسي. غير أنه تبين أن المكتب الدولي عهد لمكتب تونسي MTBF للقيام بالتدقيق، وممثله لم يكن سوى الرئيس السابق لمجلس إدارة البنك الفرنسي التونسي. وهو ما يبين تضارب مصالح فاضح وخلل في التدقيق الذي طال الشركة الأم وتغافل عن فرعها وتغطية للفساد وتستر على المجرمين.

ت) التواطؤ السياسي ومحاولة الرجوع في العفو عن الممثل القانوني لشركة  ABCI

أمام كل هذه الوضعية خيرت حكومات ما بعد الثورة التواطؤ والتحايل من خلال الرغبة في الرجوع في العفو التشريعي الذي منح للممثل القانوني لشركة ABCI عبد المجيد بودن، حيث ذكر في محضر جلسة رسمي لجلسة عمل وزارية أشرف عليها رضا السعيدي أنّه لم يكن يتوجّب منح العفو للممثّل القانوني ل ABCI للاستثمار، معتبرين أن العفو كان ليصبح ورقة ضغط مهمّة خلال المفاوضات مع ABCI  للاستثمار.
في 31 أوت 2012، وقع مستشار مقرر بوزارة أملاك الدولة والشؤون العقاريّة والمستشار لدى وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية مذكرة اتفاق مع ABCI.
بتاريخ 30 جويلية 2013، قامت وزارة العدل باتخاذ اجراءات قضائية ضد ABCI بهدف الحفاظ على موقع قوي للتفاوض لاحقا في حالة فاز الطرف المقابل بالدعوى التي أقامها ضد الدولة.

ث) شراء صمت موظفي البنك

قام البنك بمنح موظفيه قروضا بقيمة 10 مليون دينار وتكرر حسب ما نشره موقع نواة في وثيقة صادرة عن البنك اسم منير عجرود، رئيس رابطات حماية الثورة والمسؤول عن أعوان الحراسة في البنك الفرنسي التونسي. كما تم فتح مناظرة لانتداب موظّفين في الشركة التونسية للبنك، لم تكن سوى مناورة لشراء السلم الاجتماعي وضمان سكوت موظّفي البنك الفرنسي التونسي.

ج) خطايا ومطالب تعويض قياسية

تطالب شركة ABCI ب 900 مليون يورو كتعويضات عن تجاوزات الدولة التونسية في الخلاف بينهما.
حكم المركز الدولي للتحكيم في قضايا الاستثمار في سنة 2011 بأهليته في البت في القضية، ثم قضى في سنة 2017 بمسؤولية الدولة التونسية في القضية ولم يبق إلا الحكم بقيمة التعويضات.
وصلت أتعاب التقاضي منذ بداية الخلاف مع ABCI ما يقارب 50 مليون يورو وهو ما يقارب 168 مليون دينار.

الخلاصة:

–* 700 مليون دينار خسائر البنك
–* 900 مليون يورو (حوالي 3000 مليون دينار) خطايا وتعويضات ل ABCI
–* 50 مليون يورو (حوالي 170 مليون دينار) أتعاب محاماة
وهو ما يعني أن هذا الملف يمكن أن يكلف الدولة التونسية ما يقدر ب 4000 مليون دينار.

هذه عينة من فساد طال قطاعا بنكيا كلف البلاد والعباد خسائر طائلة. فساد معلوم تعاقبت على رؤيته حكومات عديدة وعاينته لكنها غضت الطرف ولم تسعى لفك رموزه ولم تجرؤ على محاسبة اللصوص ثم تواطأت أكثر بمنحهم عفوا تشريعيا عاما وسنت قانون مصالحة على المقاس يبرئ ساحة كل من نهب وسرق وجوع وبذلك تكون السلطة شريكا لهؤلاء في كل جريمة, ويكون النظام راعيا للفساد. ونفس وجوه الفساد تطل علينا اليوم في حملات انتخابية تطلب التمكين لها لتواصل نفس المهام. فهل هؤلاء ينتخبون أم يحاسبون؟

يكاد المشهد يعيد نفسه، فما حصل زمن فرض فرنسا للكومسيون المالي على تونس الذي أعقبه الاستعمار هو نفسه يتكرر اليوم منذ ثورة أهل تونس والتفاف الغرب عليها وصعود عملائه وتولي الحكم…

فما أحوجنا لوعي وفهم يقودنا لقطع حبائل المستعمرين وإبطال خيانة عملائه من هذا الوسط السياسي المتزاحم على طلب الرضا والخنوع على أبواب السفارات حتى ننقذ البلاد والعباد, وإبطال هذه المنظومة التشريعية المتهالكة التي أشرف عليها الغرب وصاغها ووضعها لضمان التبعية له والحيلولة دون عودة الإسلام أحكاما تفصيلية لواقع الحياة… إبطال يوجب معه البناء والتأسيس لدولة الحق والعدل التي فيها السلطان للأمة والسيادة للشرع, خلافة على منهاج النبوة.

قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُون ﴾.

علي السعيدي

CATEGORIES
TAGS
Share This