البنك المركزي لا يزيد البلاد إلاّ ضغثا على إبالة

البنك المركزي لا يزيد البلاد إلاّ ضغثا على إبالة

الخبر:

تونس تقترض من البنوك المحلية 2،1 مليار دينار قروض سدادها بالعملة الصعبة وبنسب فائدة تتجاوز 2،75 بالمائة .

التعليق:

أصبحت سياسة الإقتراض سواء الداخلي أو الخارجي أمرا روتينيا بالنسبة للحكومات المتعاقبة في تونس وحلاّ وحيدا لا تحيد عنه بغضّ النظر عن أشخاص الحكّام أو الجهات النيابية التي تسندهم، وهذا القرض مجال الحديث هو الثالث على التوالي الذي تلجأ فيه حكومة إلياس الفخفاخ إلى الاقتراض من 12 بنك محلي ما یناھز 2.1 ملیار دینار أي ما يقابل 413 ملیون دولار بعد أن تمكنت منتصف الشھر الماضي من الحصول على قرض بقیمة 745 ملیون دولار من صندوق النقد الدولي، و20 ملیون دولار من البنك العالمي.

الحكومة التونسية لا تتوانى عن إيجاد التبريرات التي تراها مناسبة لهذا الإدمان المفرط في سياسة الإقتراض، وهذه المرّة تقول أنّها تحصلت على هذا القرض من البنوك المحلیة ضمن جھودها لتعبئة موارد مالیة للتصدي لأزمة فیروس كورونا، وھذا التمویل هو من سيدعم الإجراءات التي أعلنتھا الحكومة لاحتواء انتشار الفیروس وتخفیف تداعیاته الإنسانیّة والاجتماعیّة والاقتصادیّة، كلّ ذلك في ظل توقعات بإنكماش مؤكد للإقتصاد المحلّي مع موفى هذه السنة.

ومع تواصل سیاسة الاقتراض التي تعتمدھا، تواصل كذلك الحكومة إعتماد سياسة النّعامة حين تضع رأسها في الرّمل وتتعامى عن التحذيرات الجادة لمواصلتها قدما في هذا الخيار الذي يغضب ربّ العالمين أولا وينزع السيادة نزعا, وينھك الأفراد والمؤسسات الاقتصادیة, ويفتح الأبواب مشرّعة أمام خیارات كارثية وصعبة ومؤلمة للبلاد.

وھذه لیست المرة الأولى التي تلجأ فیھا الحكومة التونسیة إلى الاقتراض من البنوك المحلیة، كلّ ذلك یأتي في سیاق البحث عن مصادر تمویل جدیدة لمیزانیة الدولة تزامنا مع تفاقم العجز المزمن وارتفاع احتیاجات المالیة العمومیّة. والعجيب في الأمر أنّ عددا من ھذه البنوك فرضت كلمتها وشروطها على الحكومة حين إختارت استرجاع القرض بالعملة الأجنبیة على أقساط سنویة بنسبة فائدة تناھز 2 بالمائة في حین فضلت بقیة البنوك الموقعة الحصول على قیمة القرض دفعة واحدة بنسبة فائدة تبلغ 2 فاصل 25بالمائة .

القانون یجبر الدولة على الاقتراض من البنوك التجاریة

یمنع الفصل 25 من القانون عدد 64/2015 المتعلق بضبط النظام الأساسي للبنك المركزي التونسي والذي تمت المصادقة عليه في 11 أفریل 2016, الدولة من الاقتراض من البنك المركزي ویجبرھا على التوجه حصرا للبنوك التجاریّة وھیئات النقد الدولیّة ّ لسد احتیاجاتھا المالیّة.

فالأصل وحسب أبجديّات النظام الاقتصادي الرأسمالي المتهالك المطبّق في تونس أن البنك المركزي في بلادنا أو في أي مكان آخر في العالم يمثل ركيزة الاقتصاد والملاذ, والحصن الأخير للحكومات لمجابهة التحديات والأزمات المستجدة بما يمثّله من دور حيويّ في إرساء دعائم النمو والاستقرار الاقتصادي والنقدي، هذا نظريا أمّا من الناحية العملية في تونس، ومع كوفيد-19 وتداعياته، ومع استمرار تعطل محركات النمو، فإنّ البنك المركزي بمنعه الدولة من الاقتراض منه وإجبارها على التوجه للبنوك التجاریّة وھیئات النقد الدولیّة قد فتح الباب على مصراعيه لمرحلة جديدة تقطع نهائيًا مع الاستقرار المالي والتنموية المحليّة وتكافؤ الفرص والاستقلال الاقتصادي الذي طالما تحدّثوا عنه أنّه هو المنوال الاقتصادي السليم الذي يجب على الدولة إتّباعه، ولكن هذا المنع يعني مزيدا من هيمنة الأسواق المالية الدولية على مفاصل الاقتصاد ومزيدا من التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية للبلاد ككل وليس فقط في النشاط المالي والاقتصادي بفرضها شروطا حضارية على أهل تونس كما هو الحال عند التوقيع على القرض الممدّد.

إستقلال المركزي التونسي.. الخطيئة السياسية

إذن القانون الأساسي الجديد للبنك المركزي التونسي هو الذي أوّلا: منح هذه المؤسسة صفة السيادية والإستقلالية، ثانيا:  وهو في نفس الوقت منع من تقديم السيولة المالية لخزينة الدولة بطريقة مجانية، ثالثا: فرض على الدولة اللجوء للبنوك التجارية للاقتراض بنسب فائدة مُشطّة، وبالتالي أثقلت المديونية العمومية، وأخيرا رابعا: مكّن البنوك الخاصة من مرابيح طائلة، وأصبح بإمكانها لي ذراع الدولة بفعل القانون الذي لا يخدم إلاّ مصالح فئات قليلة من أصحاب الأموال الطائلة والثروات العظيمة.

إنّ إتّخاذ مثل هاته القرارات الخطيرة بذريعة الإصلاح وإعادة الهيكلة سينعكس سلبا على مجمل شؤون البلاد، وبالفعل فإنّ قرار استقلالية البنك المركزي لا يعبّر عن إرادة سياسية حقيقية  لتغيير الأوضاع السّيئة في البلاد والمتمثلة في اقتصاد هش ونظم إجتماعية غير مستقرة وارتهان المالي لبنوك دولية استعمارية, وتنذر بالإنفجار في كلّ حين، بل تأتي في سياق تدخل دولي في الشؤون الداخلية للبلاد.

إنّ القانون الخاص بالنظام الأساسي للبنك المركزي وقرار استقلاليته يذكّرنا بقرارات كارثية أخرى إتخذها الوسط السياسي الحالي إستجابة منه لضغوط وإغراءات المؤسسات المالية الدولية مثل إعادة رسملة البنوك العمومية ومشروع إصلاح النظام الضريبي إضافة إلى مشروع اتفاق التبادل الحر الشامل والمعمق “الأليكا” المذلة بين الاتحاد الأوروبي مع تونس، فكلّ القرارات تخدم الليبرالية المتوحشة ومحاولة منها لنفخ الروح في نظامها الرأسمالي المتهاوي والمتهالك وتحريك مياه أسواقها الراكدة بعد الأزمات المستفحلة التي تعانيها.

هل تعيد أزمة كورونا الحسابات؟

كما وقعت الإشارة فإنّ جائحة كورونا دفعت الأطراف السياسية في تونس هذه المرّة إلى الاقتراض  سواء من البنوك التونسية أو بالإعتماد على تمويلات خارجية من صندوق النقد الدولي أو من الاتحاد الأوروبي، فهل يدفع  فيروس كورونا بهم إلى التفكير خارج النظم التقليدية بالإعتماد المباشر على قدراتنا الذاتية المادية والبشرية والتشريعية؟ خاصة بعد أن شاهدوا بأمّ  أعينهم الغرب ومنظوماته المالية والاجتماعية تتهاوى أمام فيروس مجهري، فهل يعيدوا حساباتهم وهل يستطيعوا لمرّة واحدة التفكير من خارج صناديق الإستعمار الدولية وينظروا إلى تراث الأمّة التشريعي والحضاري ليستلهموا منه  المعالجات الصحيحة المنبثقة من دين أمّتهم وشريعتهم الغرّاء ؟

وهذا عين ما أشار إليه المكتب الإعلامي لحزب التحرير في تونس في بيان بعنوان “البديل القادر على إخراج تونس من نظام الأزمات” حيث أشار إلى أنّ غلاء المعيشة وتدهور القدرة الشرائية لأهل تونس وتراجع قيمة الدينار والتضييق على أرزاق الناس بالجباية المحرّمة وغيرها إنّما هو ثمرة لتطبيق النظام الرأسمالي والخضوع لأوامر الدوائر الإستعمارية الدولية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي، إنّ معالجة الأزمات الاقتصادية تبدأ بالتفكير من خارج المنظومة الرأسمالية، ولا شكّ أنّ التفكير المستنير يقودنا إلى الإسلام العظيم وأحكامه بوصفه العلاج الناجع لكلّ مشاكل الإنسان بما فيها الناحية الاقتصادية، فلا خلاص لنا حقيقة وواقعا إلاّ بالإسلام وحكمه الراشد.

محمد زروق

CATEGORIES
TAGS
Share This