التبعيّة في زمن الكورونا: نُذُرُ الاستثمار الأجنبي المباشر في تونس

التبعيّة في زمن الكورونا: نُذُرُ الاستثمار الأجنبي المباشر في تونس

الخبر:

“أعدت الغرفة التونسية الألمانية للصناعة والتجارة استبيانا للأسبوع الأوّل من شهر أفريل الجاري ساهمت فيه 130 مؤسسة ناشطة في مختلف القطاعات الحيوية حيث يتوقع 36 % من المؤسسات المستجوبة ان تداعيات هذه الازمة الحالة ستكون قوية جدا، فيما استطاعت 44 % منها تأمين نشاطها بشكل جزئي باعتماد فريق عمل مصغر.

ضمّت العيّنة المستجوبة من المؤسسات الألمانية في تونس قطاعات: النسيج الذي يمثل 25.42 % والمكونات الالكترونية 20.34 %وقطاع الاسلاك 11.86 %والتكنولوجيا 10.7 %والسيارات 11.17 % والصيدلة 5.08 % والخدمات 1.69 % والورق 1.69 %وتحويل البلاستيك 1.69 % و الطاقات المتجددة 1.69 % في حين 3.39 من العينة لم تجب عن الاستجواب.وبينت الغرفة في الاستجواب الذي أعدته ان ثلث المؤسسات المستوجبة لا تستبعد إيقاف نشاطها كليا بسبب هذه الازمة في حين توقع 2/3 الشركات إمكانية استئناف نشاطها من هنا إلى بداية شهر ماي المقبل.

وفيما يتعلق بتداعيات الأزمة على التشغيل في هذه المؤسسات توقعت 70 %من المؤسسات ان تدفعها الأزمة إلى التخفيض في عدد عمالها مقابل توقع 37 % التخفيض في وقت لاحق و 3%فقط تتوقع مواصلة نشاطها.كمايظهر الاستبيان ، أيضا أن 20 % من المؤسسات المستجوبة تتوقع إلغاء استثماراتها في تونس وتؤكد 19 من المؤسسات تأمين استثماراتها والمحافظة عليها وأغلب الشركات التي تم استجوابها تؤكد على أهمية تونس كوجهة واعدة لجلب الاستثمارات في حين تخشى 24 % فقدان جاذبيتها.و10 % منها ترى انها قادرة على التحسن.”

التّعليق:

الاستثمار الأجنبي المباشر، وما أدراك ما الاستثمار، يتغنّى به “خبراء” الاقتصاد في بلدنا ويعدّونه أهمّ ركيزة للنّهوض الاقتصادي، يزعمون أن للاستثمار الأجنبي المباشرمزايا كثيرة أهمّها جذب التكنولوجيا وتوفير آلاف مواطن الشغل المباشرة وغير المباشرة، ودعم رصيد البنك المركزي من العملة الصّعبة.. ولا يكاد يخلو حديث عن الاقتصاد في تونس من الكلام الطّويل العريض عن الاستثمار الأجنبي ومزاياه، ولكنّ السّؤال الذي لا يجيب عنه “خبراء” الاقتصاد ولا تتحسّب له “سياسات” الدّولة (إن كان لها سياسات) ماذا لو غادرت هاته الشركات؟الشركات الألمانيّة وغير الألمانيّة في تونس ستضطرّ بسبب الوباء إلى تسريح آلاف العمّال وكثير منها سيُغلق أبوابه ليعود إلى موطنه أو يبحث عن موطن آخر.

والسّؤال: ماذا أعدّت الدّولة من بدائل، إن كان لها من بدائل؟

والسؤال الأهمّ: بعد عقود من اعتماد السياسة الاقتصاديّة في تونس على الاستثمار الأجنبي، أين التكنولوجيا التي وعدونا بها؟ هل امتلكناها؟ هل كوّنّا قاعدة صناعة قويّة؟ هل نستطيع أن نحوّل العمّال إلى مصانعنا ليصنعوا الآلات والمعدّات اللّازمة؟ وهل…؟ وهل…؟ وهل…؟

لا شيء من هذا تحقّق فما زالنا نحصي ونحسب فقط، نحسب عدد من يشتغل في المصانع الأجنبيّة، فإن زاد العدد ونقصت نسبة البطالة صفّق “الحكّام” وخبراؤهم، وإن لاحت في الأفق أزمة للأجانب (وما أكثرها) بدأ “الخبراء” في إطلاق صيحات الفزع من ارتفاع نسبة البطالة وازدياد الفقراء….

نعم لقد تورّط “حكّام” تونس في سياسة تبعيّة خطيرة جعلت البلاد رهينة مستثمرين أجانب يدخلونبلادنا ليتمتّعوا بامتيازات تفنّنت المجالس البرلمانيّة المتعاقبة في تقنينها (جذبا للمستثمر)، ليصدروا حزما من القوانين (مجلّة الاستثمار) الحوافز التي تسيل لعاب المستثمرين الأجانب. واجتهدت الدّولة في كلّ مراحلها في جعل البلاد وقواها تحت خدمة المستثمر الأجنبي، فمن ذلك أنّها رسمت سياسة التعليم من أجل تهيئة يد عاملة ماهرة متعلّمة تلبّي حاجات المصانع الأجنبيّة.بما يعني أنّها التزمت بالكامل للدّول الأوروبيّة بتسخير شبابها وإعدادهم ليكونوا خدما في الشركات الأجنبيّة.

وفي المقابل لم يسمح المستثمرون الأجانب بنقل التكنولوجيا. ولم يعمل الحكّام على وضع سياسة تفرض نقل التكنولوجيا تمهيدا لبناء صناعة قويّةتجعلنا نستغني عن المستثمر الأجنبي. وأقصى ما تحقّق في هذا المجالأنّ المستثمرين سمحوا فقط أن نتعلّم كيفية استعمال آلاته الإنتاجيّة، مع ضمان أن لا نتعلّم صناعتها.فضلا عن أخذ القرار بصناعتها.

أما عن توفير مواطن الشّغل فهو استغلال أقرب إلى الاستعباد، زادت في غنى الشركات الأجنبيّة وامتلاء أرصدتها وانتفع من فتاتهم بضعة أنفار من رؤوس الأموال المحلّية. والمشاهد المحسوس أنّ الاستثمار الأجنبي في تونس وفي غير تونس من الدّويلات الهزيلة لم تحلّ مشكلة البطالة ولا مشكلة الفقر.

وخلاصة القول:

أنّ الاستثمار الأجنبي المباشر أشدّ فتكا من الأوبئة، بل هو استعمار في شكل جديد جعل بلادنا تونس في تبعيّة مهينة للمستعمر الذي لم يخرج من بلادنا إلا بعد أن وضعها على سكّة التبعيّة وبعد أن ضمن أن لا يصل إلى الحكم إلا من تشرّب أفكاره وتربّى على مفاهيمه وتدرّب على تنفيذ ما يُملى عليه.

إنّ الخلاص من نظام التبعيّة والمهانة واجب بل ضرورة. وأوّل خطوات الخلاص كسر قيود الأفكارالرأسمالية ومشاريعها الاستعمارية، وقلع النفوذ الغربي من النّفوس لأنّها عبوديّة لفكر بشريّ وضعيّ قاصر لا يُحسن إلاّ استعباد البشر واستغلالهم، ولقد منّ الله على عباده بأن أرسل رسولا ليُخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة ربّ العباد ومن جور الأنظمة إلى عدل الإسلام.
نعم إنّ نظام الإسلام هو المخرج لأنّه من عند الله وحسبنا هذا (لأنّ مناسبة المقال لا تسمح بالإطالة والتفريع)، لأنّنا أردنا بهذا المقال لفت الأنظار والتنبيه إلى خطورة سياسة الهروب إلى الأمام والإمعان في التبعيّة خاصّة وأنّ تصريحات المسؤولين في تونس وتحرّكاتهم تؤكّد أنّهم مصابون بوباء التبعيّة وهو داء أعيى من يُداويه.

محمد الناصر شويخة

CATEGORIES
TAGS
Share This