التحوير الوزاري الأخير.. إعادة رسكلة المنظومة القديمة
لم يعد خافيا على أحد أن العجز الذي تتخبط فيه الدولة سببه الأول والأخير طبيعة نظام الحكم, ولم يكن مرتبطا بالأشخاص مطلقا, ومع هذا لا يجب إهمال دور الأشخاص في ما آلت إليه الأوضاع في تونس، بل في ترديها منذ أن وضع “بورقيبة” اللبنة الأولى لما يسمونه دولة الحداثة والتي أفرزت منظومة أحاط بها الفساد وكان لها نصيب الأسد في تثبيت دعائم نظام يذيقنا إلى اليوم الويلات ..ولولاها لما ظل جاثما على صدورنا طيلة عقود..وبما أن رياح الثورة هبت على بلادنا وارتجت أركان بنيانهم وخشيتهم أن ينهار على رؤوسهم بالكامل اختفوا ثم ناوروا إلى أن مكنتهم الأيادي المرتعشة من العودة تحت جناح ظلمة التوافقات والتوازنات وغير ذلك مما تقتضيه أجندة المسؤول الكبير الذي لا يمكنه الاستمرار في إحكام قبضته على البلاد ومقدراتها، إلا إذا كانت منظومة الفساد الشامل موجودة في سلطة وهي مكتملة العناصر ولم يتخلف منها أحد لأنها وكما ذكرنا هي الضامنة أكثر من غيرها لديمومة النظام الوضعي الفاسد..هذه المنظومة غرسها بورقيبة في مستنقع حزبه “الحزب الاشتراكي الدستوري” وسهر “بن علي” على نموها وترعرعها في نفس المستنقع مع تغير الاسم “التجمع الديمقراطي ” واليوم وجد البيئة نفسها التي نشأت فيها ومرة أخرى تغير الاسم للتمويه فقط “نداء تونس”وقد استغل مؤسسه صاحب الهيبة ” الباجي قائد السبسي” وصوله إلى قصر قرطاج وطفق يرسل مبادراته حول ما سماه بالمصالحة حتى يتمكن عناصر المنظومة القديمة من العودة بشكل كلي مع جبّ كل جرائمهم في حق البلاد والعباد..والعود إلى ما اقترفت أيديهم في أريحية تامة، ولما تعثر مسعاه في تمرير مبادراته، وجد الحل ومن معه في أكذوبة التحوير فعاد بعض من رموز العهد البائد والغطاء هذه المرة الكفاءة والخبرة ونحو ذلك من الأراجيف والأباطيل مستغلا عدم رضا الناس على أداء جوقة الموظف السابق بالسفارة الأمريكية “يوسف الشاهد” فكان استبدال السيئ بالأسوأ وخاصة من كان لهم باع في إدارة آلة القمع ونعني وزير الداخلية الجديد “لطفي براهم” وآمر الحرس السابق, وما الطريقة الفجة التي تعامل بها أعوان الحرس مع معتصمي “الكامور” عنا ببعيد.. وقد أودت آلة البطش التي حركها بحياة أحد المعتصمين وبدم بارد ولم يحاسب أحد..لا الآمر ولا المنفذ, وقس على ذلك باقي من رشحوهم لحمل حقائب وزارية في انتظار مصادقة مجلس نواب الشعب على تعيينهم وحتما ستنال الحكومة المعدلة على ثقة نواب الشعب وبالأغلبية مادام الجميع مستفيدا ومادامت الأغلبية بين يدي من انخدع بهم الشعب بادئ الأمر, مع معارضة البعض شكليا ومن باب المزايدة ليس إلا.. ف”التجمع الذي و قع حله تحت ضغط الشارع وتم كنسه هو الآن بصدد العودة بالتقسيط تحت عناوين كاذبة.. في انتظار أن تتم العودة بالشكل الذي يمكن الثورة المضادة من اكتساح جميع المواقع ومن ثمة كتم أنفاس الثورة ووأدها، تلك هي أمانيهم وأماني كل من ساءه أن يتحرك الناس صوب استرجاع البلاد ومعها حقوقهم, فالذي حصل في 14جانفي مؤشر لثورة كاملة الأوصاف يكون فيها وعي الناس جارفا لهذا النظام الغاشم بقوانينه ومؤسساته وأشخاصه ولن يبقى منه شيء..لكن أعداء البلاد وجدوا في من قذفت بهم أمواج الثورة على شاطئ الحكم تواطؤا معهم وأعادوا من لفظوا كما تلفظ النواة، وها هو كبيرهم اليوم يستكمل ما بدأت فيه الأيادي المرتعشة ويجد الباب مفتوحا على مصراعيه ويدخل علينا رموز عهد الغدر في انتظار إعادة دفعة أخرى, ولكن فات “السبسي” وزمرته أن التاريخ دار دورته، و أن الزمن ليس زمنهم وكل ما في الأمر هي فترة تراخ فحسب, وان ساعة الحسم لم تحن بعد وهي قادمة لا محالة لأن هذا النظام تعرى بالكامل وأوشك الناس على أدراك أن الفاسدين والمفسدين ما هم إلا إفرازات له, وأن مخزونهم من الكذب والدجل السياسي قارب على النفاد, وما قاله “صاحب الهيبة” “الباجي قائد السبسي” في حوار صحفي مؤخرا لم يجانب فيه الصواب حيث قال ان التحوير الوزاري يمثل الفرصة الأخيرة, فعلا هو الفرصة الأخيرة لكن ليس بالمعنى الذي يقصده ” الباجي” فكل ما هم فيه في الرمق الأخير, بل النظام العلماني الرأسمالي برمته يحتضر في أعتا معاقله, فقط الرويبضات الذين أبتلينا بهم غَرَّتهم الأماني وران على عقولهم وقلوبهم ولم يروا إلا ما يريهم مسئولهم الكبير وهو خادعهم لا محالة.
حسن نوير