التخطيط الاستراتيجي للإعلام

التخطيط الاستراتيجي للإعلام

د, الأسعد العجيلي

لم يعد خافياً على أحد مدى تعاظم تأثير الإعلام على الناس، لا سيما في ظل النقلة النوعية لتكنولوجيا الاتصال والاعلام وما توفره من معلومات سريعة وخطيرة في وقت واحد، حيث أصبحت الالة الاعلامية بما تتضمنه من مؤسسات عدة ومصادر متنوعة تلعب دورا محوريا في الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية، وفي صناعة الرأي العام والترويج للسياسات وتغيير المفاهيم وخلط الأفكار حتى فاقت في قدرتها على التأثير الأيديولوجي على الشعوب قدرة الاستعمار العسكري المباشر بما كان يملك من جنود وسلاح وعتاد.

الإعلام التقليدي

وبصرف النظر عن الوسائل الحديثة والمتطورة التي أصبح يستخدمها الاعلام في نقل الخبر، فإن هناك فرق بين الإعلام التقليدي والاعلام الاستراتيجي الذي يعود بالأساس إلى طبيعة المهمات والأهداف التي يسعى كليهما لتحقيقها، فمن أهم سمات الاعلام التقليدي: هو نقل المعلومة من المرسل الى المستقبل عبر نشرة أخبار أو حوار او برنامج وثائقي وما إلى ذلك. وهذا النوع من الإعلام يصلح لنقل الاخبار البسيطة كارتفاع سعر العملة وأنشطة رئيس الدولة والحكومة وتحركات الأحزاب وفعالياتها السياسية وأخبار الطقس والرياضة، فهو إعلام بسيط يتوقف عند تبليغ المعلومة ويغلب عليه ردة الفعل، وهو أبعد ما يكون عن المبادرة والابتكار والتصميم، لذلك هو إعلام قاصر على أداء المهاة والأهداف الإستراتيجية كالبناء الفكري والتغيير المجتمعي، إذ لا يقدر على تحقيق ذلك الا الاعلام الاستراتيجي الذي يمثل أحد أهم ركائز التخطيط الإستراتيجي لدى الدول والشركات والأحزاب.

التخطيط الاستراتيجي للإعلام

وهنا لا بد من التذكير بأمور خلفية لها علاقة بالغايات والأهداف الإستراتيجية للجهة التي تقف وراء الاعلام، لان الاعلام الاستراتيجي هو أحد أهم مرتكزات تحقيق استراتيجية الجهة الداعمة التي تكون عادة: دولة أو حزبا أو شركة أو غير ذلك.

والخطة الإستراتيجية هو الطريق او الصراط الذي يربط بين الحاضر والمستقبل، أي هي خريطة ترشدنا إلى الطريق بين نقطتين: نقطة الحاضر حيث نحن،و نقطة المستقبل حيث نرغب أن نكون، فهي عملية تصميم لردم الهوة بين الحاضر والمستقبل، فالإستراتيجية هي فن هندسة المستقبل أو تشكيل المستقبل.

فالإستراتيجية تبدأ بتحديد الهدف أو الغاية التي تعبر عن رؤية شاملة لما يجب تحقيقه،و تنبثق عنها خطة شاملة أو خارطة طريق تبين ما يجب فعله والمسار الذي يجب إتباعه والمراحل التي تنتهي بتحقيق الغاية والهدف. ولا شك أن في هذا الطريق هناك عقبات داخلية وخارجية تحتاج إلى إسناد من أجهزة متعددة وعلى رأسها الإعلام، من هنا تأتي أهمية الاعلام الاستراتيجي الذي يمثل أحد أهم الركائز لتحقيق الأهداف وبلوغ الغايات.

  لذلك كان لا بد من التوافق حول الرؤية أو الفكرة أو القيم أو المشروع الذي يراد تحقيقه. فإذا كانت الرؤية غائبة فلا يستطيع الاعلام أن يعمل بشكل استراتيجي، وسيكون عندها لا يختلف عن الاعلام التقليدي المبني على ردة الفعل والخالي من الرؤية الشاملة التي يراد تحقيقها سواء في المجال السياسي او الاقتصادي أو البناء المجتمعي.

كما أن الرؤية لا بد أن تكون واحدة، حتى يكون الخطاب الاعلامي واحد في إطار تحقيق الرؤية والغاية التي يتطلع اليها، ليكون الخلاف والنقد في العمل الإعلامي مقتصرا على الوسائل والأساليب ليقع الاستفادة بشكل تصاعدي من المتاحات الممكنة.

ومن أكبر المشكلات في التخطيط الهندسي هو هندسة النفس البشرية التي لا يعرف سرها إلا الله سبحانه وتعالى،فإعادة البناء النفسي والفكري للفرد أمر يحتاج إلى بناء تراكمي على مدى بعيد لا يقدر عليه إلا الإعلام الإستراتيجي.

الإعلام الإستراتيجي

لقد أثبتت الكثير من الدراسات أن نجاح التخطيط الاستراتيجي الشامل يحتاج بشكل أساسي على مدى توفر سند إعلامي إستراتيجي، لذلك أصبح الإعلام الاستراتيجي أحد القوى التي تعتمد عليها الدول، لأنه يمثل قدرة الدولة على التواصل مع الجمهور وقدرتها في التأثير عليه، وان الضعف في ذلك يعني منح الفرصة لإعلام الغير للتواصل مع الجمهور وبالتالي تشكيله وفق رؤية أخرى قد تكون مناقضة كليا لمتطلبات الدولة، كما يعني الإعلام الاستراتيجي على المستوى الخارجي القدرة على التواصل مع الجمهور العالمي وتشكيل رأي عالمي، مما يعطي الفرصة لتمرير مصالح الدولة على الساحة الدولية والعكس صحيح.

من هنا تأتي أهمية بلورة رؤية استراتيجية موحدة تجاه الإعلام الإسلامي يتم من خلالها تحقيق الأهداف والغايات الإسلامية، إذ لا يعقل أن ينطلق الإعلام الاستراتيجي دون رؤية استراتيجية يتم من خلالها الاتفاق حول الأهداف الاستراتيجية والأسس والمرتكزات الاستراتيجية، وهذا يقود إلى أن الإعلام الاستراتيجي لا يمكن أن ينطلق لخدمة لا شيء، وهذا يعني أن منصة الانطلاق للإعلام الاستراتيجي هو وجود رؤية إسلامية استراتيجية شاملة تغطي كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ليعمل الإعلام الاستراتيجي لخدمة تلك الرؤية الاستراتيجية.

أهداف الاعلام الاستراتيجي

الإعلام الاستراتيجي يمثل السند المطلوب لتحقيق غايات بعيدة ويحتاج إلى مرتكزات إستراتيجية للإعلام، ومن أهدافه:

امتلاك القوة الاستراتيجية من وسائل اتصال حديثة

تحقيق السيطرة الاعلامية في التواصل مع الناس

توفير السند المطلوب لتحقيق الرؤية والغاية والهدف المنشود

العناصر الأساسية للإعلام الاستراتيجي

1.     تحديد المداخل الاعلامية المناسبة: وهو يحتاج إلى جمع معلومات وبيانات مفصلة حول الجمهور المستهدف بالخطاب، فوسائل وأساليب مخاطبة الشباب تختلف عن تلك المتعلقة بمخاطبة الكهول أو رجال الأعمال أو ضباط الجيش، فلكل منهم مدخل مناسب لمخاطبتهم، ويعرف ذلك من خلال تحليل المعطيات النفسية والفكرية والاجتماعية والسياسية وغيرها بما يمكن من معرفة المدخل المناسب للجمهور المناسب.

2.     الارسال الاستراتيجي للوصول للجمهور المستهدفوذلك باختيار وسيلة الاعلام المناسبة، بامتلاك التكنولوجيا المناسبة كالأقمار الاصطناعية وغيرها، فاستهداف الشباب لا يكون بالوسائل التقليدية كالإذاعة والجرائد والتلفزيون وإنما يكون من خلال السوسيال ميديا وعلى رأسها الإنستغرام على سبيل المثال.

3.     الوصول للجمهور باللغة المناسبة أي التواصل مع الجمهور بلسانه وتاريخه ومعرفة كل ما تعلق به، حتى لو اقتضى الأمر إلى مخاطبته باللغة العامية، فلا نستطيع أن نخاطب جمهور بلغة لا يفقهها.

4.     الوصول للجمهور بالجودة العالمية والتميز، كاستخدام الهواتف الذكية وتطبيقاتها، او استخدام وسائل وأساليب مبتكرة وهو ما يقتضي التيقظ ومراعاة التحولات والقفزات العلمية اليومية، وإلا ستفقد السيطرة على الجمهور لصالح قوى اخرى ابتكرت وسائل اعلامية جديدة جذابة للجماهير.

5.     البناء الفكريالتراكمي: يقوم المفهوم الاستراتيجي على تحقيق الغاية عبر رسائل متعددة ومتنوعة وعبر مراحل طويلة وبهدوء، فمثل ما يقع بناء البيت بأجزاء عديدة يقع تجميعها وفق تصميم هندسي متميز، فكذلك البناء الفكري والتغيير المجتمعي يحتاج إلى بناء تراكمي تتعدد فيه الاساليب والوسائل لتشكيل العقل والنفس وفق الرؤية الاستراتيجية.

قال تعالى: “اهدِنا الصّرَاط المُستقيم، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّين”

CATEGORIES
TAGS
Share This