الترهيب بالانقلاب وتشابك الأحداث في كل من تونس وليبيا

الترهيب بالانقلاب وتشابك الأحداث في كل من تونس وليبيا

    تتداخل الأحداث في تونس وليبيا، وتزداد ارتباطا يوما بعد يوم، حتى صار لا يمكن الحديث عما يجري في ليبيا إلا بربطه مع مجريات الأحداث في تونس. وما يحدث في تونس له ارتدادات مباشرة على ليبيا.

     فالأحداث والعمليات العسكرية الدائرة هناك والتي تكاد لا تتوقف، يغذيها تنافس دولي محموم على النفوذ السياسي والعسكري والاقتصادي في البلاد، بل لقد تحوّل الصراع إلى حرب بالوكالة، فتراهن أمريكا وأذنابها في المنطقة، على حفتر وتدعمه بالسلاح والمواقف السياسية، ولم يستطع حسم المعركة لصالحه بعد مرور أكثر من عام على زحفه نحو طرابلس، ويعتمد فايز السراج وحكومته على دعم القوى الأوروبية ــ بريطانيا ــ وتوابعها الإقليميين. إلا أن الحرب الخفية تدار سياسيا من كلا الطرفين المتنازعين ضد أبناء القبائل التي حازت شيئا من المنعة ولم تسلّم قيادتها سياسيا لا للسراج ولا لحفتر.

  إلا أنه ورغم سيطرة القوات الموالية لحكومة السراج على قاعدة ” الوطية ” بالكامل، ذات الأهمية الإستراتيجية والعسكرية القوية في مسار الصراع في المنطقة الغربية، نظرا للحيز الجغرافي الذي تقع فيه القاعدة، لازالت تتعالى الدعوات في الأوساط السياسية في تونس للنأي عن الصراع الدائر في ليبيا، على قاعدة الدس بالرأس في الرمال، للنجاة من تبعة الأحداث هناك، رغم القرار المتخذ من القوى المتدخلة في النزاع بإبعاد تونس وعدم إشراكها في مناوراتهم حوله.

  ولعل أبرز ما دعم الحديث عن أهمية وجدية ارتباط ما يجري في ليبيا بالأحداث في تونس، ما رشح من حديث عن وثائق قاعدة ” الوطية ” والتي تشير إلى خطة انقلاب في تونس تتولى الإشراف عليه الإمارات العربية ومصر وقوى سياسية داخلية، إذ عمدت السلطة في تونس إلى ترك الموضوع في دائرة الغموض دون نفي الخبر أو تأكيده للايهام بخطر تهديد الاستقرار، ومقايضة جمهور الناس بالأمن مقابل الحقوق السياسية والمجتمعية.

   فالأطراف التي تلقفت الحديث عن الوثائق، ونفخت في ناره هي نفسها التي رفضت حركة الأمة للتغيير ومنها، أهل تونس الذين اكتووا بنار النظام الرأسمالي، وهي نفس القاعدة التي اعتاشت على عذابات المظلومين والمحرومين وهي نفسها الأعمدة التي أقام عليها الاستعمار أركان نمط العيش الذي فرضه على تونس وأهلها، النمط الذي رعاه بورقيبة وكرسه بن على بطغيانه وجبروته. وهي الأطراف التي لا يمكن لها القيام بانقلاب، بل هي أعجز من ذلك وأبعد. بل لا يعدو الأمر أن يكون غباء سياسيا، في محاولة لاستنساخ ما سمي باعتصام الرحيل، جويلية 2013، وفي محاولة لتوظيف ” خروقات ” دستورية والضغط لإحداث تغيير موهوم بإسقاط الحكومة وحل البرلمان.

   فتغيير أشخاص اللاعبين تتحكم فيه الجهات الماسكة بالحكم فعلا لا عناصر “الكومبارص” وهم الذين لا يملكون من أمرهم شيئا، أفلا تعني لهم إشارة إلياس الفخفاخ يوم تسلمه رئاسة الحكومة، شيئا؟

   يبقى التغيير المحتمل، وغير المستعجل، والذي يطبخ على نار هادئة، هو ما يتجلى في المناورات الأمريكية التي تقوم بها دبلوماسيتها بالحديث عن حاجة تونس للمعونة العسكرية الأمريكية، والدور الذي يلعبه أوردوغان، ضمن الإستراتيجية الأمريكية للتواجد في منطقة شمال إفريقيا، واقتحامه للمجال الليبي تحت عنوان دعم الشرعية الدولية وللحكومة ” الشرعية “، ومحاولة التسرب السلس إلى تونس بالمسك بملف وثائق قاعدة ” الوطية “، وبداية نهاية دور حفتر في مسألة ليبيا.

  إلا أن ظهور كتلة النور التي تبدو في أفق شمال إفريقيا والمتمثل في عوامل الوعي على حقيقة ما يجري في ديارنا, في ليبيا وتونس, على خطر التدخل الخارجي وأن ما يجري من صراع على أرضنا وبسواعد البعض من أبنائنا هي في الحقيقة صراعات تجري بتخطيط وترتيب وتحفيز من القوى العالمية وبخدمة خسيسة من أطراف إقليمية ــ مصر.. الإمارات.. تركيا.. السعودية… وهو الأمر الذي صار يقلق قوى الهيمنة العالمية وبدأ تتجلى من خلاله مدى إحساس المسلمين في أقطارنا، بوهم الحدود والسدود التي طالما أبعدتنا عن بعضنا، بل كدنا نصدق وجودها حسيا بيننا وإدراكنا لصدق القرب بيننا وطيب الدفء الذي يجمعنا، هو الوعي الذي لا يزال يخفى عن كثير من المخلصين من أبناء البلدين والذين تُعتصر قلوبهم ألما لما يجري في بلادنا من أحداث مؤسفة وتدخلات خارجية منذرة بأخطار ماحقة, إلّا أنهم لا يزالون يرجون الخلاص في النمط الحياتي الغربي وفي الفكر السياسي الديمقراطي الرأسمالي الذي تكبلوا به، متوهمين أنهم بهذا الفكر قادرين على الرقي بشعوبهم إلى مصاف الأمم الناهضة والخروج من درك التبعية والذل.

    فلا يبقى على المخلصن من أبناء الأمة غير إدراك أن حتمية اتخاذ قيادة سياسية واعية على أساس عقيدة الأمة وهدف واضح جامع تؤسس على أركانه بنيان كياننا السياسي: الخلافة على منهاج النبوة.

أ, عبد الرؤوف العامري

CATEGORIES
TAGS
Share This