بين إمضاء الباجي قائد السبسي، يوم الخميس 4 جويلية 2019، للأمر الرّئاسيّ المتعلّق بدعوة الناخبين التونسيين للاقتراع في كل من الانتخابات البرلمانية يوم 6 أكتوبر والرئاسية في 17 نوفمبر المقبلين. وهو الأمر الدي هللت له الطبقة السياسية باعتباره شهادة تخرج للتجربة التونسية في مدرسة الديمقراطية، وأن كل دعوة لتأجيل هذه الانتخابات هو خرق للدستور، حتى أن سفير الاتحاد الأوروبي بتونس باتريس بارغاميني كان أول المهنئين للباجي قائد السبسي على إثر إمضائه هذا، مذكرا إياه بأن تونس والاتحاد الأوروبي يتقاسمان مجموعة من القيم المشتركة ومن أهمها الديمقراطية.
وبين تأكيد المستشار السياسي لرئيس الجمهورية، أن الباجي قائد السبسي لم يختم القانون الأساسي المتعلق بإتمام وتنقيح قانون الانتخابات والاستفتاء والذي كان صادق عليه مجلس نواب الشعب يوم الثلاثاء 18 جوان 2019 بداعي رفض منطق الإقصاء وأنه لا يمضي تعديلات قدت على المقاس لجهات معينة، ودلك بوصفه هو الحامي لدستور جانفي 2014 والضامن لإجراء انتخابات نزيهة وشفافة، مما أثار جدلا كبيرا حول المسألة وتباينا في الآراء بخصوص الخطوات الواجب اتباعها، في صورة عدم ختم هذا القانون بعد اقرار الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين بدستورية هذا القانون واحالته على رئيس الجمهورية .مما دفع بحركة حزب النهضة ، وهي المتحمس الأكبر لإجراء هده الانتخابات إلى الارتباك إزاء هذه الوضعية الخاصة بامتناع رئيس الجمهورية، لأول مرة عن إمضاء قانون صادق عليه البرلمان، والظهور بمظهر المعزول في زاوية، ومن ثمة تحملت الحركة وحدها دعوة الكتل البرلمانية والأحزاب للإجتماع واتخاذ الرأي لمعالجة الوضعية الإستثنائية.
بين هذا وذاك يدفع بالناخب في تونس دفعا إلى أتون حمى الانتخابات، بعد حملة الدعاية للتسجيل في القوائم الانتخابية مع ما حف بها من عمليات مريبة، تحت طائلة التخويف من مخاطر العزوف عن التصويت، وهو المُعرِض في الغالب الأعم عن العملية الانتخابية، لخيبة أمله من نتائج الدورات الانتخابية السابقة، وانعدام رجائه في نتائج اللاحق منها مما يفسر عدم انشغال الرأي العام بالرهان الانتخابي الرئاسي والبرلماني المرتقب في نهاية سنة 2019 وانكفائه على همومه اليومية. فلا تحضى هذه الانتخابات بالاهتمام الأقصى إلا لدى الفاعلين السياسيين المحليين وشركائهم الدوليين، أوروبيا وأمريكيا، حتى أن صحيفة لوموند الفرنسية، تحليلا للواقع التونسي أو كشفا لخصم خطير، لا تتوانى في الحديث عن أن أمريكا، مستغلة لهده الانتخابات، تعمل على تعزيز حضورها في الساحة التونسية بدعمها لأحد المرشحين المحتملين، وزير الدفاع الحالي عبد الكريم الزبيدي، مستغلة إشراف تونس على الإفلاس حسب تعبير الصحيفة.
لئن قبلت في دورة الانتخابات الرئاسية لسنة 2014 ملفات 27 مترشح، من مجمل 70 ملفا، والتي آلت نتيجتها إلى الباجي قائد السبسي، ولم يكن أحد يشك في كونها ستؤول إليه، فإن في هده الدورة ينتظر أن يكون المتهافتون على “عظمة” الرئاسة أكثر عددا والتناحر عليها أشد. فالقائمة اليوم، لا زالت تطول وتتسع. وأمام هدا الشحن الدي لا ينتهي والصراخ الذي لا ينقطع، فإن الواقع الحقيقي للحياة السياسية في تونس، لا الصورة المثالية التي ينخدع بها البعض أو التي يحلم بها البعض الآخر، يفرض طرح سؤال: هل أن رئيس الدولة تي تونس ينتخب فعلا بإرادة الناخبين؟ أي هل أن انتخاب رئيس الدولة في تونس اليوم، وفي الظروف الدولية والاقليمية الراهنة، متروك لأبنائها، يحددون مصيرها بمجرد وضع البطاقة المختارة بكل حرية في خلوة مركز الاقتراع، في صندوق التصويت؟ هل أن أبناء تونس اليوم، متروك لهم اليوم تقرير مصير ثرواتهم، وهل لهم القدرة على بتر الأيادي التي تمسك بتلابيبهم وتمنع عنهم استنشاق أوكسيجين الحياة، أيدي المنظمات الدولية كصندوق النقد الدولي وأضرابه؟ هل أن أبناء تونس اليوم هم من يقررون مناهج التعليم التي تصاغ بها عقول ناشئتهم أم هم الدين يحددون عقيدة الأمن لديهم؟ ألم يصرح جهرة ساكن قرطاج الحالي أن المسؤول الكبير أمر ونهى؟
ما بال قائمة المتسابقين للحلول مكان الباجي قائد السبسي تكاد لا تنتهي؟ فهم أحد رجلين.
ــ إما غافل، لا يعلم حقيقة الوضع السياسي في بلادنا، يسير مع التيار ، تدفعه طاقة الإخلاص للبلاد، بحسن طوية وسلامة القصد، لعلاج أدواء طالما أرقته وهو يرى قومه يسامون الهوان، فيزيدهم ارتكاسا ويطيل عليهم ليل الاستعباد بانخراطه في تثبيت الأوضاع الحالية، واسباغ المشروعية على حال يرى أنه يعمل لتغييرها.
ــوإما عالم بدواخل الأمور، مقبل عليها طائعا مختارا، لاتسوؤه خدمة أغراض ومصالح من تسلط على أهله وذويه، فهو في خدمة النظام الغربي الدولي المستعمر، وكيلا عنه، لايأبه لتعريض الناس للتهلكة، ولا الالتفاف على إرادتهم، إبقاء للأمة تحت سيطرة النظام الدولى ، مقابل وهم سلطة زائلة أو مندحر عنها حين تقتضي مصلحة السيد المهيمن.
فلئن ادعى سفير الاتحاد الأوروبي بتونس أن تصريحاته التي عد فيها تونس جنديا لأوروبا يجب الحفاظ عليه أو حشر أنفه في شأن خاص بنا حين قال أنّ الإقتصاد في تونس تحكمه لوبيات معينة تتحكم فيها عدد من العائلات النافذة والتي تسعى لخدمة مصالحها الشخصية فقط ، أُخرجت من سياقها. أو عملت أمريكا على التسلل ومزاحمة النفود الاوروبي في بلادنا مستغلة الوضع المتردي الذي تمر به تونس جراء النظام الذي فرض عليها من العالم الغربي, فإن هذه الانتخابات التي صُمّت الآذان بالدعاية لها وتعمل على تضليل الناس بها جوقة من محترفي السياسة، يستمدون فكرهم ونهجهم من بيرغاميني ومزاحميه من أمريكا، لن يرجى منها خير ولن ير الناس من بعدها فرجا. فالمؤكد أن الجهود المبذولة ستضيع هدرا وتفضي كل تلك الطاقات في النهاية إلى تبديل المسؤول الكبير لوكيل بوكيل آخر ويبقى الوضع على ما هو عليه.
فالمسألة لا تعدو إلا أن تكون استعادة إرادة مسلوبة على أساس عقيدة الناس: عقيدة لا إلاه إلا الله، باستئناف الحياة الإسلامية في ظل خلافة راشدة على منهاج النبوة.